للعام الثاني على التوالي، يعيش التلاميذ في الجزائر حالة استثنائية بعد جائحة كورونا، التي غيرت من شكلِ العالم ونظامهِ، إذ يستهلون عاماً دراسياً بعدَ صيف شهدت فيهِ البلاد الموجة الثالثة من الفيروس، متسببة في هلعٍ وخوفٍ كبيرين، واكتظاظ المستشفيات، وارتفاع حصيلة الوفيات، مما أدى إلى فرض حجر صحي جزئي مع غلق الشواطئ وأماكن الترفيه، بالإضافةِ إلى الحرائق التي شهدتها غابات مناطق مختلفة، وأدت إلى خسائر بشرية ومادية.
على إثر هذا تأجل الدخول المدرسي، وفق مرسوم وزاري من 7 إلى 21 أيلول/ سبتمبر الجاري، في الوقت الذي يعيش فيه أهالي الطلبة والمعلمون ظروفاً اقتصادية قاسية، تضيف ألماً إلى آلامهم.
الإجراءات الوقائية ونظام التفويج
تشكو أسماء (26 عاماً)، أستاذة لغة إنجليزية في الطور الثانوي بمدينة خنشلة، من تخفيف الإجراءات الوقائية، كاستعمال الكمامات والكحول للتعقيم، مقارنة بالعام المدرسي السابق، إذ كان الجميع خائفاً ومتوجساً.
تتابع أسماء: "وصل التخفيف إلى درجة أنه لم يتم استعمال جهاز قياس الحرارة على بوابة المؤسسة التعليمية، كما كان معمولاً به في البروتوكول الصحي، الذي فرضته الوزارة العام الماضي".
"فقد الآباء ذوو الأعمال الحرة أعمالهم، وتراجعت مشاريعهم، وكان هذا واضحاً على نفسية التلاميذ الذين يعيشون هذا الظرف، كما كشفت كورونا غياب أسلحة معرفية وتكنولوجية لمواجهة الوضع الوبائي الراهن"
أضفت جائحة كورونا مناخاً "خاصاً وثقيلاً" على الأساتذة والتلاميذ داخل الفصل المدرسي، بحسب أسماء، "مُنع صعود الطلبة للسبورة والكتابة عليها منعاً لانتقال العدوى في حال وجدت، وهذا ما أثر سلباً على المشاركة في سيرورة الدرس، وكذا في العلاقة بين الأساتذة والطلبة مع فرض مسافات للتعامل".
وتعتزم أسماء العودة إلى ذات الطريقة التي اتبعتها العام الماضي، إذ تدفع التلاميذ لاستخدام أقلامهم الخاصة على السبورة بدلاً من قلمها.
وتمتدح أسماء نظام الفوجين الذي تبنته الوزارة، إذ يتم تقسيم الطلبة لفوجين صباحي ومسائي، وتعتبره "طريقة مُرضِية" رغمَ تعب التكرار، وترى فيه فرصة جيدة للطلبة، تمكنهم من تحضير دروسهم ومراجعتها بتوفر مساحة أكبر من الوقت.
وتشاطرها الرأي، خلود (27 عاماً) معلمة لغة فرنسية في الطور الابتدائي بمدينة باتنة، تقول: "لقد خدمني نظام التدريس بالأفواج، سامحاً لي بالتحكم الجيد في الفصل، وزيادة استيعاب التلاميذ".
وتشكو مريم (29 عاماً)، أستاذة إعلام آلي في الطور المتوسط بمدينة المسيلة، من "التقصير في الالتزام بالإجراءات الوقائية"، وكذلك من نظام التفويج المطبق في المرحلة المتوسطة، وتراه "متعباً جداً" للمعلمين والمعلمات، إذ تضطر إلى إعادة الدرس مرتين.
وتلفت مريم النظر إلى تراجع مستوى التلاميذ في ظل "غياب استمرارية العملية التعليمية"، وتأثير كورونا على قدرة الآباء المالية، تقول: "فقد الآباء ذوو الأعمال الحرة أعمالهم، وتراجعت مشاريعهم، وكان هذا واضحاً على نفسية التلاميذ الذين يعيشون هذا الظرف".
وترى مريم أيضاً أن الأزمة عرت ما يعانيه قطاع التربية والتعليم في الجزائر، "فلا أسلحة معرفية وتكنولوجية لمواجهة الوضع الوبائي الراهن".
يُذكر أن التلاميذ بمختلف الأطوار المدرسية انقطعوا العام الدراسي السابق، مع ظهور الوباء في الجزائر شهر نيسان/ أبريل إلى أيلول/ سبتمبر 2020، معتمدين على الدراسة من المنزل بالنسبة لمستويات الامتحانات الرسمية (شهادة التعليم الأساسي، شهادة البكالوريا).
الأدوات المدرسية والأسعار
من جهة أخرى اشتكى أولياء الأمور من غلاء سعر الأدوات المدرسية، وشددت أسماء على أن الأستاذ لا يطلب أدوات من تلقاء نفسه، بل الوزارة هي من تحدد قائمة الأدوات المدرسية في مختلف المراحلِ التعليمية، لكن أزمة كورونا التي تسببت في فقد الكثير لأعمالهم أو تراجع دخلهم الفردي، جعلت من غلاء الأسعار أزمة مضاعفة.
تقول آسيا، ربة منزل، لرصيف22: "لقد اشتريت بما يقارب 29 دولاراً أدوات مدرسية لابني المتمدرس بالسنة الأولى متوسط، دون احتساب المحفظة المدرسية، التي وصل سعرها إلى 20 دولار، والمئزر 8 دولارات".
"لدي طفلان متمدرسان، زوجي يتقاضى راتباً لا يزيد عن 248 دولار، لا يستطيع أن يوفق بين كل احتياجات البيت وما تتطلبه المدارس، قبل الوباء كان يعمل بشكل حر بالإضافة إلى وظيفته، أما الآن فلا عمل متوفر، فقط الوظيفة"، تضيف آسيا.
في حين تقول سهير، ربة بيت، وأم لخمسة أطفال يتوزعون بين التحضيري، طفلان في الابتدائي، وتلميذ في الطور المتوسط، وآخر في الثانوي، لرصيف22: "لقد حاولت اقتناء الأدوات المدرسية قبل أيام من الدخول المدرسي، لتفادي الاكتظاظ، لم أقتن محافظ جديدة، سيستعملون محافظ العام الماضي، مع ذلك دفعت 265 دولار تكلفة الأدوات والكتب المدرسية، محاولة اختيار جودة عالية من ماركة معروفة".
كما تروي نجمة، عاملة بالقطاع الخاص، أنها اقتنت أدوات من نوعيات جيدة، متجهة إلى محل للبيع بالجملة، مع الخصم الذي تحصلت عليه من صاحب محل تجمعه صداقة بالعائلة، مع ذلك فقد دفعت 37 دولاراً ثمناً للأدوات المدرسية، بالإضافة إلى 23 دولاراً سعر المحفظة.
طوابير لاقتناء الكتب المدرسية
أزمة أخرى شهدها التلاميذ هذا العام، بعد أن سحبت الوزارة توزيع الكتب المدرسية وديوان الكتاب المدرسي من المؤسسات التربوية لبيعها في المكتبات الخاصة، إلا أن الأمر تحول إلى فوضى، إذ اصطفت الطوابير على أبواب المكتبات من الآباء والأمهات لاقتناء الكتب المدرسية لأبنائهم.
في هذا الصدد تؤكد نجمة، أم لتلميذة في الثالث متوسط، أنها اضطرت إلى السفر، هي وزوجها، إلى ولاية أخرى من أجل اقتناء الكتب المدرسية، بعد عناء الاكتظاظ والانتظار الذي تعرفه نقاط البيع.
وتقول خديجة صابور، تسكن في "المدية"، أنها حتى الآن، وبعد مرور حوالي 10 أيام من الدخول المدرسي، لم يستطيعوا توفير الكتب المدرسية لشقيقها المتمدرس في السنة ثانية ابتدائي.
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصور الطوابير التي عرفتها نقاط البيع، إذ استغل بعض التجار الأزمة لبيع الكتب بسعر السوق السوداء، رغم أن الكتاب المدرسي محدد السعر من طرف الوزارة، وتتراوح تكلفة كتب جميع المواد في المرحلة الابتدائية بين 3 دولار للتحضيري إلى 17 دولار للسنة الخامسة.
اضطرت أم إلى السفر، هي وزوجها، إلى ولاية أخرى من أجل اقتناء الكتب المدرسية، بعد عناء الاكتظاظ والانتظار الذي تعرفه نقاط البيع، وفوجئ آخرون بأن الأسعار أغلى، وتعلل بائع بأن هامش الربح المحدَّد غير كافٍ
أما المرحلة المتوسطة فيتراوح سعر الكتب الخاصة بها بين 16 و18.5 دولار، ويختلف سعر الكتب في المرحلة الثانوية حسب الشعبة، إلا أن الكتاب الواحد يتراوح سعره بين 1.5 إلى 3 دولار، ويقدر متوسط الأجور في الجزائر بـ 293 دولار.
ويقول عبد الرحمن (38 عاماً) موظف حكومي، أنه اقتنى الكتب المدرسية من مكتبة لابنته في السنة الثانية ابتدائي بسعر غير الذي حددته الوزارة، ذلك أن صاحب المكتبة يضيف هامش الربح الخاص بهِ، متحججاً أن الهامش المحدد من الوزارة ضئيل، والمقدر بِـ 8 %، وأنه جلب الكتب بسعر مرتفع من السوق السوداء.
ويعاني الجزائريون من انخفاض مداخيلهم بسبب الوباء، في وقت باتت فيه المدرسة متنفساً للتلاميذ بعد الغلق الجزئي الذي فرض خلال الصيف، ليواجه أولياء الأمور مجدداً تكاليف باهظة لتوفير ما يتطلبه الأبناء، وسط غلاء أسعار الأدوات المدرسية من جهة، ونقص في تواجد الكتاب المدرسي من جهة أخرى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون