شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"ألو، مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية؟"... مكالمة فنية احتجاجية جديدة من ميشال ونويل كسرواني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 2 أكتوبر 202104:31 م

يحضن الأب طفله الصغير الخارج من البحر. يضرب الأوراق بقوّة على الطاولة قبل بدء اللعبة من جديد. الأم تعطي ابنها الحليب. الثوار يواجهون قوى الأمن، والدولاب في مدينة الملاهي يدور. العتمة تسيطر على الشارع العام. الشبان يقفون فوق الصخور والطائرة تحلّق في الأفق.الطرابلسي يفضّل الموت جوعاً بدلاً من أخذ كرتونة الإعاشة وفي بيروت الأخ يدافع عن دم أخيه الذي قُتل في انفجار الرابع من آب/أغسطس.

مشاهد كثيرة تمرّ أمامنا جامعة نحو ثلاثة أعوام من حياة اللبنانيين في فيلم موسيقي قصير أطلقته ميشال ونويل كسرواني تحت عنوان “ألف ليلة وليل”.

نسمع الأغنية، ونشاهد الفيلم القصير، ونفهم أن أغلب الليالي التي تحلّ على لبنان ليست اختيارية بل مفروضة عليه، تقول الكلمات: "ألف ليلة وليل حتّى يمر الويل" وكل من يعيش في هذه البقعة يعلم أن الويل لا يزال مقيماً بيننا ولياليه طويلة وتضمّ أحداثاً سياسية، وأمنية، وعسكرية، وقمعية.


منذ صيف 2019 حتى اليوم، حرصت المنظومة اللبنانية المتسلطة على كم أفواه من يواجهها من خلال الأعمال الفنية وذلك باعتماد أسلوب الاستدعاءات وأساليب أخرى مبطّنة.

تحكي ميشال كسرواني لرصيف22 أن القمع قد يحدث أحياناً عبر إزالة عمل فني من خلال التبليغ عنه، وهكذا يختفي المحتوى عن صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. الأمر الذي كانت قد اختبرته مع أختها نويل في عمل سابق. ولأن "ألف ليلة وليل" يسرد الأحداث كما هي ويسمّي الأمور بأسمائها، قرّرتا أن تفتتحا العمل برسالة موجّهة مباشرة إلى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، هي: "ألو، مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية؟ قلت بتّصل فيكن قبل ما تتّصلوا فيي". هذه الإفتتاحية ما هي، بحسب كسرواني، إلا وسيلة لمحاربة التخوّف أو الانزعاج الداخلي من الأفعال الرقابة. ثم يبدأ عرض الأحداث التي لا تنتهي والمرتبطة بالمصرف المركزي، وتهريب البنزين إلى خارج الحدود اللبنانية في وضح النهار، وعرقلة القضاء في ملف انفجار بيروت وعدم صدور الحكم، وانقطاع الدواء والكهرباء، والانهيار الذي تتجاهله المنظومة وصولاً إلى عنف عناصر الأمن والعسكر.

منذ صيف 2019 حتى اليوم، حرصت المنظومة اللبنانية المتسلطة على كم أفواه من يواجهها من خلال الأعمال الفنية وذلك باعتماد أسلوب الاستدعاءات وأساليب أخرى مبطّنة

تؤكّد ميشال أن الخطورة الحقيقة هي أن يفكّر الفنان بالرقابة أثناء إعداد عمله، وتضيف: "من الظلم أن يضيع وقتنا بالتفكير بالرقابة أثناء إنتاجنا الفني ونصير نحن نمارس رقابة ذاتية على أعمالنا. تحديداً أن الرقابة قد لا تتم بأسلوب مباشر من خلال استدعاء، بل بطرق ملتوية من خلال أحزاب ومجموعات سياسية".

كل الأحداث في لبنان تدور حول الانهيار، وكل الأحاديث والجلسات والقرارات اليومية مرتبطة بالوضع القائم. هناك من يعبّر عن إحباطه بالصراخ على السيارات التي تعرقل السير، وهناك من أقفل متّجره اعتراضاً على ارتفاع الأسعار، وهناك من احتكر ومن ساعد، وهناك من حاول التعبير عن الوضع الجماعي الذي هو في أساسه خاصّ من خلال أعمال فنية كما فعلت ميشال ونويل.

"كيف بدنا نصنع عمل متناسق إذا نحنا مكسّرين؟ فكسّرنا العمل".

تشرح ميشال أنها كانت تود الاستيقاظ هي ونويل والعمل على مشاريع غير مرتبطة بالانهيار والمأساة المعيوشة. لكنّ الوضع يفرض نفسه ولا يمكن تجاهله، تقول: "أريد أن أعيش وأقوم بأشياء أخرى لكن الواقع حاضر بقوّة وحين نجد أن هناك من يظلمنا يتوجّب علينا الرد. طريقتنا بالرد هي بالموسيقى والأغاني. ولو لم يكن هناك كل هذه الضغوط والانهيار لكتبنا عن أمور أخرى. لكن هذه الظروف هي أولوية عندنا حالياً لأن لا مجال للتفكير بتفاصيل أخرى".

في بداية مسيرتها الفنيّة، صُدمت ميشال حين اكتشفت أن الناس يهتمّون بأفكارها الخاصّة ويستمعون إليها، لتدرك أن كل ما هو خاص هو عام أيضاً حين يجد المرء أسلوباً للتعبير عنه، وأنّ هذا الخاص يتطوّر مع الوقت ومع الشخص ويتجّذّر ليشمل مواضيع عدّة، منها السياسية والاجتماعية، ومن واجب كل فرد أن يحكي عن الأزمات الجماعية لأن هذه الحرب ليست خاصّة.

في "ألف ليلة وليل" لا تظهر بيروت فقط، بل تمتد المشاهد نحو طرابلس. ترى ميشال أن ما يحزنها شخصياً هو الفردية الطاغية، وهي لا تلوم الناس طبعاً. لأنهم بمحاولتهم النجاة ينسون أن هذه الظروف تطال الكل، وبحسب المثل الذي قدّمته، فإن انفجار الرابع من آب/ أغسطس الذي أصاب كل لبنان، يحمل أغلب أعبائه أهالي الضحايا وحدهم، فنراهم في التظاهرات يقفون في وسط غياب الحشد الجماعي على الرغم من أن نيترات الأمونيوم انفجرت في وجه الجميع.

هذا الغياب تمت تعبئته من خلال العمل الموسيقى المصوّر عبر خلط المناطق بعضها ببعض وإلغاء المركزية من بيروت، فنشاهد ونستمع إلى مداخلة الشاب الطرابلسي، عمر الأبيض، الرافض للخضوع للمنظومة والمصّر على ضرورة إسقاطها، وتظهر مشاهد غير محصورة بمنطقة محدّدة، وهذه هي الروح التي تحاول ميشال ونويل ترسيخها واعتمادها في أعمالهما المقبلة لإعادة الخاص إلى العام وجعل الأعمال الفنية أكثر شمولية.

نسمع الأغنية، ونشاهد الفيلم القصير، ونفهم أن أغلب الليالي التي تحلّ على لبنان ليست اختيارية بل مفروضة عليه، تقول الكلمات: "ألف ليلة وليل حتّى يمر الويل"

هذه الشمولية وتوحيد الأحداث ليسا سوى جزء من العمل الذي يقسَّم إلى أربعة أجزاء وأنتج بمساعدة فريق يضم كريم خنيصر (منتج موسيقي)، كريم غريّبر (مدير التصوير)، كونستانتين بوك (مونتاج)، بيتر عون (تحريك وتلوين)، سما بيضون (مصمّمة غرافيك).

الجزء الأول يضم الأسئلة الجدلية ويسمّي الأفكار كما هي بهدف إزالتها ثم البدء بالكلام.

الجزء الثاني يعبّر عن الغضب ويجيب عن السؤال الذي استُخدم لتحجيم انتفاضة 17 تشرين/أكتوبر والاستخفاف بالناس، وهو:"ويننّي الثوّار؟".

الجزء الثالث، تم توجيهه إلى الكبار عبر تقديم تهويدة لهم تواجه التروما المستمرة في حياتهم منذ سنوات. الجزء الرابع ضمّ مقابلة عمر الأبيض الذي يرد على مبادئ تقديم الرشى وصناديق الإعاشة قبل الانتخابات.

تؤكد نويل أنه كان من الصعب التعبير عن كل الأفكار التي راودتها وميشال، ولذلك تم تقسيم العمل على النحو المشار إليه، وتضيف: "نستمع كثيراً قبل أن نحكي كي لا تكون وجهة نظرنا فردية. حاولنا أن نشعر بالمحيط وبداخلنا واكتشفنا أن التناقض يسيطر علينا، وبالتالي أنتجنا عملاً يضم هذا التناقض والتشرذم. من السعادة والحزن وصولاً إلى الغضب والمواجهة. وتختم: "كيف بدنا نصنع عمل متناسق إذا نحنا مكسّرين؟ فكسّرنا العمل".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image