انتقدتا مجتمعهما الاستهلاكي المهتم بالشكليات والتفاخر كما في أغنية "كأن عايشين"، وانتقدتا التبعية الحزبية العمياء ودجل السياسيين وقت الانتخابات على قاعدتهم الانتخابية كما في أغنية "زفتلي الطريق"... ميشال ونويل كسرواني، فتاتان لبنانيتان تخصصتا في مجال الرسم والإعلان، وتعبران عن نفسيهما من خلال أنشطة فنية متعددة؛ كتحريك الصور، الأفلام، كتابة السيناريو الإخراج، وكتابة الأغاني وغنائها وتصويرها، والشعر.
لمع نجمهما خلال ثورة 17 تشرين التي انطلقت في العام 2019 في لبنان، لتحضر أغانيهما في التظاهرات وتعبّر عنها وعن مطالبها بأسلوب ساخر يقترب بشكل ما من الكوميديا السوداء.
عن كل هذا التنوع والطاقات والإبداع في أكثر من مجال قالتا في حديثهما لرصيف22: "نفضل أن لا نعرّف عن أنفسنا بنوع أو شكل العمل الذي نقوم به، فنحن نختار الشكل الفني المناسب للفكرة التي نريد التعبير عنها، فهناك أفكار تعالج بشكل أفضل إذ تحولت إلى أغنية، وأفكار أخرى بحاجة لمساحة أكبر لمعالجتها بالشكل المناسب، فنستخدم الأفلام، للأفكار الصعبة التفسير نستعمل الرسم والتحريك، فنعتبر كل الفنون ليست إلّا أدوات للتعبير عن فكرة أو أفكار معينة تدفعنا إلى أن نتحرك وننتج فناً كطريقة لتحمل أعباء الحياة".
بدأت الحكاية قبل عشر سنوات، عندما استوقفت ميشال السطحية والذكورية اللتان يتعامل بهما بعض الشباب في جامعتها مع النساء، والتفاخر بالمال والسلطة التي يملكها أهاليهم، وبالسيارات والهواتف والملابس وهي أشياء لا تختص فقط بشبان جامعتها بل تتعداها لتكون ظاهرة مجتمعية، فكتبت أغنية ساخرة عنوانها "جقل الأيزيك"، وغنتها بشكل عفوي على غيتار "غير مدوزن" حسب تعبيرها، فصورها أحدهم، ونشرها على فيسبوك لتنتشر في كل الجامعات.
عنها تقول ميشال: "هذه الأغنية تنتقد الطبقية. والذكورية. والمميزات، تنتقد مجتمعاً قسمٌ كبير منه مريض ومهووس بالشكل وكيف يظهر أمام الناس. واليوم نحن نثور على كل ذلك!".
لمع نجمهما خلال ثورة 17 تشرين التي انطلقت في العام 2019 في لبنان، لتحضر أغانيهما في التظاهرات وتعبّر عنها وعن مطالبها بأسلوب ساخر يقترب بشكل ما من الكوميديا السوداء.
إلا أن ميشال ونويل تصران على أن البداية كانت قبل ذلك، فتضيفان: "لا نذكر بداية حبنا للفن وللكتابة بالذات. فوالدتنا كاتبة والكتابة بمختلف أشكالها جزء لا يتجزأ من ذكرياتنا. إلا إنه بعد انتشار الأغنية الأولى 'جقل الإيزيك'، اكتشفنا قوة الأغنية في التعبير وقررنا أن نجعلها ضمن ملعبنا، فغنينا عدداً من الأغاني التي كتبناها عن أشياء تحدث حولنا، وظواهر تحيط بنا في قالب كوميدي ساخر، وصورناها مع مجموعة من الأصدقاء ونشرناها على الإنترنت".
أغانينا تعكس حال البلد
تركز الأختان كسرواني على الأغاني السياسية، "نحن لا نفكر بالأغنية ونخطط لها، بل عندما نشعر أن الوضع لا يًحتمل، نبدأ بالكتابة والإنتاج، لذلك نختفي وقتاً طويلاً، فأحياناً ننزوي لكتابة الأفلام أو للتركيز على أمور مهمة وتطوير أنفسنا وأفكارنا، ثم نظهر عندما نشعر بالحاجة للتواصل، فعندما نضع الأغاني بالتسلسل منذ عشر سنين حتى الآن نرى تغيّر البلد بوضوح".
وتوضح نويل: "الأغنيات الأولى كانت تحتوى على فكاهة ونقد وفيديو وموسيقى تشبه السياق الزمني آنذاك، ثم مع تدهور الأوضاع في لبنان، أصبحت الأغاني والمشاهد أقسى! فعلى سبيل المثال، جاءت أغنية "عالجمل وبوسط بيروت" بعد أن استفزتنا سيطرة شركة سوليدير على وسط مدينة بيروت وتحويله إلى عاصمة ميتة تملأها المحالّ الراقية التي بُنيت بقلة إحساس مع سكان هذه المدينة وقلة شرعية أيضاً مع ردم الشاطئ العام لبناء مطاعم ومقاهٍ، وعدة ممارسات غير شرعية نتجت عنها مدينة مزيفة كابتسامات الناس الذين يرتادونها، وكانت الأغنية جواباً على استفسار أطلقناه: إذا كان الشخص لا يملك المال، فهل يُمنع من دخول المدنية؟".
وتضيف: "وفي أغنية 'زفتلي الطريق' رقصنا بين النفايات كي نسجل تلك المشاهد في الذاكرة، وكي لا ننسى الحد الذي بلغناه من العيش في الفساد، ففيها ننتقد التبعية السياسية. ثم بعد سنتين، وقبل الانتخابات كتبنا "منعيد ومنعيد" عندما شعرنا أن الناس يقعون في فخ التخويف الطائفي ويميلون مرة أخرى لانتخاب الطبقة السياسية عينها. استخدمنا خطاباً لرئيس الجمهورية وغيرنا بعض الكلمات للإشارة إلى فشل عهده وكان ذلك قبل انتخابات 2018، وفي الانتخابات حصل هو وحلفاؤه على أكبر عدد من الأصوات. نحن نكتب ما نشعر به ولا نكتب ما يعجب أكبر عدد من الناس".
"غالباً ما كنا نسمع الأصدقاء يقولون 'ما بتعاطى سياسة!' هذه الجملة تثير غضبنا جداً. بالنسبة لنا، ليس هناك خيار، فالسياسة تسيطر على كل جوانب حياتنا دون استثناء، على الهواء الذي نتنفسه ولوح الشوكولاتة الذي نشتريه"
وتواصل نويل: "بعد انطلاق الثورة شهدنا تراجع الانتماءات السياسية، فعاد الناس لمشاركة الأغنية في التجمعات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. وهو ما حفزنا على أن نطلق أغنية 'كأن عايشين' التي من خلالها ذكرنا بكل الأسباب التي أدت لانطلاق الثورة ولغضب الناس من الطبقة السياسية، وكان من الصعب أن نكتب ونغني عن وضع متغيّر بشكل يومي، حتى قررنا أن نُضَمِن الأغنية بعض إنجازات الثورة كاستقلال نقابة المحامين وتجمع الناس مرة جديدة والانطلاق بقوة لمواجهة السلطة القامعة. ونحن نعلم جيداً أن الطريق سيكون طويلاَ وأن هذه الثورة هي بداية حرب طويلة مع سلطة فاسدة ومجرمة، فختمنا الأغنية بجملة مكتوبة: كلما اختلفت وجوه فسادكم، اختلفت وجهة ثورتنا".
ثم تحدثت ميشال عن الأغنية الأخيرة "رومانسية سياسية": "بعد احتفالنا بثورتنا، وقعت الجريمة الكبرى، أي انفجار مدينتنا، على أيدي سلطة مجرمة فاسدة، تقمع، تعذب وتقتل شعبها، جمعنا ما تبقى لدينا من قوة، نحن وبعض الأصدقاء، وقلنا لهذه السلطة: نحن لا نقمع!".
اختيار موضوعات الأغاني
كيف تختار الأختان كسرواني موضوعات أغانيهما؟ أجابتا: "اختيارنا لا يُبنى على حاجة الناس ولا على نجاح الأغاني، نكتب ما نشعر به ونعبر عما نشعر حتى إذا كانت الأغنية لا ترضي قسماً كبيراً من الناس. اما بالنسبة لعلاقة نجاح الأغاني بقرارنا بالمتابعة، فنحن نفرح عندما نرى الناس تتفاعل مع أعمالنا بطريقة إيجابية وحماسة، ولكن نحاول أن لا نتأثر بذلك كثيراً لأن حب إرضاء الآخرين يمكن أن يضر بطريقة عملنا وتفكيرنا. نرحب بالملاحظات البناءة والتشجيع. ما يدفعنا للكتابة والاستمرار هو الوضع الاجتماعي والسياسي والحاجة للتعبير بصوت عال عن كل الظلم الذي نتعرض له".
وأضافتا: "غالباً ما كنا نسمع الأصدقاء يقولون 'ما بتعاطى سياسة!' هذه الجملة تثير غضبنا جداً. بالنسبة لنا، ليس هناك خيار، فالسياسة تسيطر على كل جوانب حياتنا دون استثناء، على الهواء الذي نتنفسه ولوح الشوكولاتة الذي نشتريه، ولكن منذ 2015 شعرنا بزيادة أعداد الأشخاص الذين "يتعاطون السياسة"، وذلك أعطانا طاقة عالية جميلة. أما في 2019 وبعد أن نضجنا كجيل سياسي أكثر، أصبح للأغاني القديمة معنى جديد يبرهن على أن الذي نعيشه حالة مستمرة وليس حدثاً مفاجئاً، وأن طرق السلطة هي نفسها، فانتشرت الأغاني من جديد. كنا نود أن نقول إننا فرحنا بذلك ولكن كل الأغاني تعبرّ عن قساوة وضع ظالم، ونحن نتمنى في يوم ما أن تصبح غير صالحة للتعبير عن واقعنا، وأن ننشر أغاني تعبر عن حالات فرحة في بلدنا".
محاولة كتابة أغنية رومانسية
فتاتان بيروتيتان في عز الشباب تكتبان عن السياسة والمقاومة والثورة، وما دفعهما إلى ذلك، حسب تعبيرها، هو أوضاع البلد القاسية التي فُرضت على الناس، وبالتالي، تعتبران أن هذه الحياة لا يمكن السكوت عنها.
وتضيف ميشال: "نتساءل دائماً أنا ونويل 'لو كان وضع البلد رايق، عن شو كنا كتبنا كمان؟ ولكن البلد لا يعطينا مساحة للتفكير بأي شيء آخر للأسف! فقد حاولت كتابة أغنية رومانسية، ولكن، كما نقول في الجملة الأولى من أغنيتنا 'رومانسية سياسية': بس ما خلوني! فعلاً! نشعر أن وضع البلد دائماً أهم من مشاعرنا الخاصة، وللأسف، هذا ينطبق أيضاً على كل جوانب حياتنا، فالشباب اللبنانيون لا يمكن أن يخططوا لأي خطوة خارج فكرة القدرة على المعيشة يوماً فيوماً، ليس لدينا خيار آخر، فنحن نريد أن نعيش حياة كريمة، ولكن السلطة بفسادها تحاربنا. فنقاوم، على طريقتنا".
وتكمل ميشال: "كبرنا وقست الدنيا علينا كثيراً في السنوات العشر الأخيرة، لم تأتِ القسوة فقط من وضع البلد الظالم، بل أيضاً من ظروف جيلنا وضحايا الأنظمة القمعية المباشرة وغير المباشرة، وكذلك تجارب شخصية وعائلية قاسية أثرت علينا. نحاول أن نُطور أنفسنا وأن نعمل بخط يشبهنا ويشبه أفكارنا وأن نتعلم من أخطائنا وأن نتجرأ أكثر وأكثر، فكل ذلك يفرض علينا تلقائياً أن نطور أعمالنا تقنياً أيضاً".
"نتساءل دائماً 'لو كان وضع البلد رايق، عن شو كنا كتبنا كمان؟ ولكن البلد لا يعطينا مساحة للتفكير بأي شيء آخر للأسف! فقد حاولنا كتابة أغنية رومانسية، ولكن، كما نقول في الجملة الأولى من أغنيتنا 'رومانسية سياسية': بس ما خلوني! فعلاً!"
ثم شرحت نويل كيفية التحضير للأغاني السياسية: "نخطط لكل نفس نأخذه قبل أن نطلق الأغنية، هناك دوماً عفوية معينة نستعين بها لدى الكتابة لكن لا نتكل عليها فقط. فالأغاني السياسية مسؤولية كبيرة في بلد مثل لبنان. فنفكر في الكلمات، والطريقة والموقف والمشاهد التي ترافق الأغنية، لأنها في اللحظة التي نشاركها على الإنترنت ستصبح هناك للأبد".
وأشارت إلى أن الأغاني تتطلب بحثاً في الوضعين السياسي والاجتماعي، وتضيف: "كي لا ننشر أي معلومة خاطئة أو فكرة سائدة ولكن لا تمثلنا، ثم نترجم هذه الأفكار إلى صور وأحداث مختلفة تعبر بقدر الإمكان عن الواقع الذي نود أن نعالجه، ثم يجعلنا إحساسنا والكلمات نختار النمط الموسيقي المناسب".
كذلك تنجز الأختان كسرواني العديد من الأعمال إلى جانب الأغاني، فتعمل ميشال على كتابة فيلم رسوم متحركة طويل للراشدين، وفيلم صور متحركة آخر ولكن قصير، بالإضافة لفيلم قصير مستوحى من كتب الروائية إميلي نصرالله، كما تشارك في كتابة سيناريو فيلم طويل تقع أحداثه في بيروت، وتخرج عدداً من الفيديوهات لبضعة فنانين.
وتعمل نويل على كتابة أفلام قصيرة من الرسوم المتحركة للراشدين، وعلى عدد من الحملات داخل لبنان لدعم حقوق المرأة اللبنانية والعمال الأجانب ومواضيع اقتصادية واجتماعية وسياسية أخرى مع جمعيات من المجتمع المدني اللبناني، وتتضمن قصصاً ورسوماً وفيديوهات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...