بعد سنوات مريرة تحت نير العقوبات الأمريكية وسوء الإدارة، وأخيراً جائحة الفيروس التاجي، يبدو أن الشباب الإيرانيين باتوا أشد رغبة في مغادرة بلدهم خوفاً من "مستقبل مجهول" في ظل الركود السياسي والاقتصادي.
البطالة وارتفاع معدلات الطلاق، وتأجيل الزيجات اضطراراً، وانخفاض الخصوبة، وتضاعف الأسعار عدة مرات، والتدهور المستمر للعملة المحلية، جميعها أزمات تدفع الإيرانيين المتعلمين، وخاصة من أبناء الطبقة الوسطى وسكان الريف، إلى البحث عن سبل لمغادرة البلاد، خصوصاً بعد تولى الرئاسة إبراهيم رئيسي الذي يُخشى أن تتقيد بقدومه بعض الحريات الاجتماعية القليلة المكتسبة مثل أصوات الموسيقى الغربية التي تنبعث من العديد من المقاهي أو حتى الوشم الذي يظهر على أذرع بعض الشباب وكذلك الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة (على الرغم من حظر مفروض لكن غير مطبق بشكل صارم).
وضع اقتصادي واجتماعي مأسوي
سلّط تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، نُشر الثلاثاء 28 أيلول/ سبتمبر، الضوء على اليأس المتزايد في أوساط الشباب الإيراني ورغبته في الهجرة، لافتاً إلى التدهور الشديد في الأوضاع الاقتصادية. قال أحدهم للصحيفة: "من الصعب أن تنجح وتتطور في إيران، لذا ربما يكون هذا هو الخيار الوحيد أمامي... السفر إلى الخارج".
"أبلغ من العمر 24 عاماً، ولا يمكنني تخيل حياتي عندما يصبح عمري 45. لا يمكنني تخيل مستقبل جيد لنفسي أو لبلدي. كل يوم أفكر في المغادرة"... الشباب الإيراني يفكر بشكل متزايد في الهجرة
منذ عام 2018، تضاعفت أسعار السلع والخدمات بضع مرات، وتدنت مستويات المعيشة وتفشى الفقر، خاصة بين سكان الريف. وفقدت العملة الإيرانية، الريال، نحو 70% من قيمتها في غضون سنوات قليلة، (من 43 ألفاً مقابل الدولار في كانون الثاني/ يناير عام 2018 إلى نحو 277 ألفاً هذا الأسبوع).
تبعاً لذلك، اضطر البرلمان الإيراني العام الماضي إلى المصادقة بالأغلبية على حذف أربعة أصفار من العملة الوطنية واعتماد التومان بدلاً من الريال (بحيث أن التومان يعادل 10 آلاف ريال إيراني)، في خطوة مزعومة لتسهيل المعاملات التجارية وتعزيز قيمة العملة المحلية في مواجهة الدولار الأمريكي والحد من مشكلة العدد الضخم من الأوراق النقدية اللازم في التبادلات اليومية.
لكن اعتماد كل شيء على الدولار، من الملابس إلى بدل الإيجار، لم يسهم في تحسين الوضع.
عام 2020 أيضاً، ارتفعت النسبة المئوية للإيرانيين الذين يعيشون على ما يعادل أقل من 5.60 دولارات أمريكية في اليوم إلى 13% مقارنة بأقل من 10% قبل عقد من الزمن. المناطق الريفية أسوأ حالاً إذ يعيش قرابة ربع السكان في فقر، وكانت النسبة 22% عام 2019.
يتحايل البعض لإتمام الزواج بتأجير فستان زفاف وشراء مصوغات زائفة، في المقابل يلجأ الكثير من الشباب إلى تأجيل الزواج إلى ما بعد سن الثلاثين. قبل أشهر، أطلقت الحكومة الإيرانية تطبيقاً للزواج -من بين إجراءات أخرى- أملاً في تشجيع الشباب على اتخاذ هذه الخطوة في ظل ارتفاع معدلات العزوبة المؤكدة والطلاق.
كذلك انخفض معدل الخصوبة نحو 30% بين عامي 2005 و2020 (1.8 طفل لكل امرأة العام الماضي) في ظل تخوّف الأزواج من الإنجاب بسبب صعوبات الحياة.
البطالة وارتفاع معدلات الطلاق، وتأجيل الزيجات اضطراراً، وانخفاض الخصوبة، وتضاعف الأسعار عدة مرات، والتدهور المستمر للعملة المحلية، جميعها أزمات تدفع الشباب الإيراني إلى البحث عن سبل لمغادرة البلاد
قال ميسم صالح (38 عاماً) للصحيفة إنه وزوجته طالما أرادا إنجاب طفل لكنهما يخشيان أن الأسوأ لم يأتِ بعد. وأضاف: "يمكنك إما النظر للأمر بموضوعية شديدة - لإنجاب طفل، أحتاج إلى تأمين وإلى وظيفة بدخل كبير. أو يمكنك أن تبنيها على الإيمان - بمجرد أن تنجب طفلاً، سوف يرزقك الله. لكن في كل مرة، كان جانبي العملي يفوز".
وأوضح أنه إذا رزق طفلاً وتدهور الوضع أكثر فسوف يغادر البلاد.
إجراءات حكومية تزيد التعقيدات
بوجه عام، يتأرجح الإيرانيون بين التحلي بالإيمان واليأس والأمل والتفكير العملي بينما يتساءلون عن كيفية تحقيق الاستفادة القصوى من وضع خارج عن إرادتهم.
وبرغم التحديات، يكافحون للتحايل على الوضع وإيجاد مشروع مناسب لتخصصهم ولبناء مستقبل ميسور. لكن العقوبات الأمريكية تقف حائلاً من جهة في حين تقف الإجراءات الحكومية عائقاً من الجهة الأخرى.
فكّر أمير، طالب ماجستير بكلية الهندسة جامعة طهران، في اقتحام مجال التسويق الرقمي، لكنه تراجع خشية الحظر المتكرر من الحكومة الإيرانية لتطبيقات مثل انستغرام، بينما تمتلك تطبيقات أخرى تشجع على استخدامها. قبل ذلك، خطط لتأسيس شركة صغيرة، لكنه تراجع أيضاً بسبب الأثر السلبي المتوقع للعقوبات الأمريكية والتضخم على المشروع. قال لنيويورك تايمز: "أبلغ من العمر 24 عاماً، ولا يمكنني تخيل حياتي عندما يصبح عمري 45. لا يمكنني تخيل مستقبل جيد لنفسي أو لبلدي. كل يوم أفكر في المغادرة (الهجرة). وفي كل يوم، أفكر، إذا غادرت بلدي، ماذا سيحدث لعائلتي؟".
يرغب الكثير من الشباب الإيرانيين أن تنفتح بلادهم على العالم وأن تنتهي العقوبات الأمريكية، لذا كانوا يرون في الاتفاق النووي لعام 2015 بارقة أمل لتبدل الحال إلى الأحسن. لكن انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018، وإعادته فرض الكثير من العقوبات على بلدهم أحبطت آمالهم.
بلغ الإحباط مداه بفوز رئيسي بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهو ما يمهد إلى المزيد من تحدي الغرب من قبل إدارة الرئيس المتشدد الذي تطاله العقوبات الأمريكية.
إلى ذلك، يتمسك فريق من الشباب الإيراني بالبقاء في البلاد. قالت شابة إيرانية: "هنا بيتي وأرضي وثقافتي. لا أستطيع أن أتخيل الابتعاد عنها. علينا أن نجعلها أفضل، لا أن نهرب".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...