يقال إنه كان من سلالة شريفة تنحدر من أهل البيت النبوي، اتخذ المغرب موطناً له، وأقام تحديداً في مكناس، إماماً كان أو ولياً صالحاً، حافظاً لكتاب الله. تتداول بعض الأحاديث عنه إلى حد الأسطورة، كأن يقال إنه عندما بلغ الأربعين من عمره رفع ذات يوم، ولم تجده أمه إلا بعد 18 سنة، وتحديداً بخيمة في دمشق، حيث عرف بشامة كانت في جسده، بعد أن رأت والدته مكانه في المنام. إنه من عرب سوس، ولد في مدينة فاس في 872 للهجرة وتوفي في 933، ودفن في مكناس.
الشيخ الكامل، أو القطب، محمد الهادي بن عيسى، مؤسس الطريقة العيساوية، التي تنسب إليه ويلحق بها طابع الغناء العيساوي أو العيساوة. يعتقد مريدوه أن له كرامات ربانية، ومن هنا كانت الصوفية سمة لصيقة بهذا الطابع الغنائي، رغم انتشاره في البلاد العربية، واختلافه بين منطقة وأخرى، بين جانب ترفيهي وجانب روحاني؛ فعيساوة المغرب ليست عيساوة تونس، وليس عيساوة الجزائر، وفي الجزائر عيساوة قسنطينة تختلف عن نظيرتها في عنابة وفي سوق أهراس، ومدن الغرب الجزائري، خاصة في الآلات المستعملة، إلا أن الروح واحدة، والانتساب والولاء واحد، إلى شيخها الأكبر محمد الهادي بن عيسى.
عزوز بوعبيد، شيخ الطريقة الراشدية العيساوية، وهي نمط من أنماط الغناء العيساوي، يقول لرصيف22 إنه وكما متعارف عليه في التقاليد العيساوية، تربى على يد مشايخه محمد بن جلول، العربي الغول، عبد الرحيم بن معطي، وعبيد شارف بلقاسم، بزاوية العيساوة بسيدي بوعنابة بقسنطينة. فتعلم الابتهالات والأذكار وصلاة بن مشيش، والأوراد، وحزب سبحان الدائم، وهي أسس العيساوة في الجزائر عموماً، وفي عاصمة الشرق خصوصاً.
تختلف الإيقاعات والأوزان، كما أن الكلمات تختلف، ويبقى الجانب الروحي هو السمة البارزة في غناء العيساوة
تضاف إليها أحياناً بعض الطبوع كالبراول والقصائد والمديح، وهي أقرب للجانب الترفيهي من الجانب الروحاني، فيوم الاثنين يخصص للأذكار والأوراد، وكذلك ليلة الجمعة، وليلة المولد النبوي الشريف، وليلة السابع والعشرين من شهر رمضان وشهر شعبان (الشعبانية)، يخصص للابتهالات وحزب سبحان الدائم، والصلاة على النبي أو "البرزانجي" كما يتم تسميته، وهي تتحدث عن سيرة النبي، فمنها "طلع البدر علينا"، و"آمنة يا آمنة" و"حليمة بشراك"، وكلها أغانٍ ومدائح صوفية.
يضيف الشيخ عزوز بوعبيد وهو أحد أعضاء المهرجان الدولي للسماع الصوفي ومهرجان العيساوة، أن قسنطينة توسعت أكثر في هذا المجال، وأضافت له الكثير من حيث الأوزان وتنوع الطبوع فيه وحتى الآلات، فالدربوكة والطار والنغرات أو النقارات للقصائد، أما البروالي فيعتمد على الزرنة فقط أو الغايطة، عكس الشقيقة تونس على سبيل المثال، التي تعتمد في كل الأنواع على الدف فقط.
يرتقي الرجل العيساوي في الدرجات، لأقدميته، ووفائه، ومدى خدمته للزاوية العيساوية، إلى أن يأخذ الاعتراف من مشايخه، وينزلونه المنزلة التي يستحقها نسبة لذلك فيوجد الشاوش، والمريد، وشيخ الحضرة. وليس هناك سنّ محددة للالتحاق بالفرق العيساوية؛ يقول الشيخ بوعبيد، ويضرب مثلاً به أن جده حمله للحضرة من حجر أمه وهو لم يتجاوز الثلاثة أشهر من عمره.
العيساوة عند بعض مريديها، أكبر من كونها طابعاً غنائياً، فهي وسيلة تقرب لله، وكذلك طريقة علاج وطريق شفاء من عدة أمراض
يا محمد بحرمتك يا محمد نجاور البيت ونسعد
سيد الأبرار نجينا من صهد النار
أنت من الأخيار وأنت مول الوعد الصادق
باسم الله مفتاحي باسم الله مفتاحي
واتكلم يا صاحي نور الحق الهادي
تختلف الإيقاعات والأوزان، وتختلف الألوان في الطابع الواحد، كما أن الكلمات تختلف، ويبقى الجانب الروحي هو السمة البارزة في غناء العيساوة، الذي له تقاليده، وإن اختلفت مع مرور الوقت. هذا الطابع الذي لم يكن روتيناً يومياً، وإنما كان يختار له زمانه الروحاني والصوفي أيضاً، فهو مخصص ليوم الاثنين اليوم الذي كان فيه ميلاد النبي المصطفى، وليلة مولده، وليلة الجمعة، وليلة القدر، وليلة السابع والعشرين من شعبان، ثم توسع قليلاً ليشمل الاحتفاء بعودة الحجاج والختان وأصبوحة العريس دون ليلته، ليتطور في الوقت الحالي ويصبح طابعاً غنائياً يتم عزف مدائحه أثناء إخراج العروسة من بيت والدها، وبعض المناسبات الأخرى، وهي العادات التي اعتبرها محدثنا أنها دخيلة على العيساوة، بل أفقدتها كثيراً من روحانيتها وقدسيتها.
"أيها الصوفي تماهَ، أنت في قلب الحضرة! فالعيساوة عند بعض مريديها، أكبر من كونها طابعاً غنائياً، فهي وسيلة تقرب لله، وكذلك طريقة علاج وطريق شفاء من عدة أمراض"؛ هكذا يعتقد رجل العيساوة.
أما مثل هذه الاعتقادات فقد لقيت مواجهة شديدة في نهاية القرن الماضي، خلال العشرية السوداء في الجزائر، وأثناء المد الإسلامي المتطرف فيها، فاعتُبرت طقوساً شركية، وتوبع شيوخها ومريدوها، ما جعلها تندثر شيئاً فشيئاً، حتى تكاد تندثر مع المد التكنولوجي في السنوات الأخيرة، ووفاة أغلب شيوخ هذا الطابع الغنائي، دون التحاق مريدين آخرين بمدارسها وزواياها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع