نضع بصلاً مع ملح، نضيف له فلفلاً أسود، نزيد كسبرا (أو كزبرة أو "دبشة" باللغة المحلية)، ونضع حمصاً، وندعه يطبخ على مهل على مهل على الجمر لمدة 12 ساعة كاملة تقريباً، نزيد أو ننقص قليلاً، بعد أن تكون حبات الحمص استوت في الماء وكسبت بعض الليونة؛ العملية التي قد تصل مدتها إلى 3 أيام من قبل، يتم فيها تغيير الماء بشكل دوري، وفي اليوم الرابع يتم وضعه في مياه معدنية (قسنطينة مليئة بمياه المنابع). بعد الانتهاء من تسويته تضاف له خلطة أخرى من زيت الزيتون والكمون والكزبرة والهريسة، أو كما يسميها البعض "العقدة"، مع قليل من الليمون إن وجد، أو الخل بدلاً منه. الباعة يجهزون طبيخهم كل مساء قبيل مغادرة محلاتهم، ليجدوا "حمص دوبل زيت" جاهزاً في الصباح الباكر. فمثل ما هو وجبة غداء ووجبة عشاء، إنه وجبة فطور أيضاً.
سمي "حمص دوبل زيت" لأنه يوضع لليلة كاملة في زيت الزيتون، ثم بعد أن يستوي طبخه توضع له كمية أخرى من الزيت، وهي العملية التي يعتبرها أهل الطبخة أنها سرّ هذه الأكلة وميزتها، فزيت الزيتون سيجعل من مرق الحمص ثقيلاً، ولونه مميزاً دون الحاجة إلى وضع الطماطم.
فريد الأطرش زار قسنطينة عام 1951، وتناول حمص دوبل زيت، خاصة أنه أقام بفندق "سيرتا" القريب جداً من رحبة الجمال التي تشتهر ببيعها
"رحبة الجمال"، كانت ولازالت من أشهر المناطق وأكثرها رواجاً لحمص دوبل زيت، فتاريخياً كانت سوقاً كبيرة يتجمع فيها غرباء المدينة وعابرو السبيل، أما اليوم فمحلات هذه الأكلة ترتصف الواحد تلو الآخر ولا تبيع غيرها، وأغلبها ينفذ مخزونها قبل منتصف النهار، فيغلق صاحب المحل محله ويجهز فحمه وخلطته ليوم غد. أما أشهرهم في زمن مضى، فكان الحاج علاوة في مدخل شارع الرصيف، وأحدهم قرب سينما الرويال، وآخر بسوق بن يطو.
أكرم رسيم باي، أستاذ الطبخ والمختص في الأكل التقليدي والتراث، يقول لرصيف22 إنه لا يوجد تاريخ معلوم لاشتهار هذه الأكلة وامتلاء شوارع ومحلات قسنطينة بها، لكن المؤكد هو أنها ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالفقر والمجاعات التي أصابت المدينة، أو على الأقل اشتهرت وشاعت في ذاك الزمان، ولأنها كانت أكلة البسطاء وعابري السبيل والمشردين، فكان يؤتى بعظم البقر، من أجل منح نكهة اللحم دون أن يكون الأمر مكلفاً، وفي متناول البسطاء والفقراء المقبلين على صحن حمص دوبل زيت. كما أنه يعتمد بشكل كبير على البصل، إذ أنه يلعب دور اللحم في القدر بلغة الطباخين، والبصل له دور أيضاً في الحماية من ضربات الشمس للباعة المتجولين وعابري السبيل.
لا يقدم الزوار إلى قسنطينة إلا ويمرون إلى "رحبة الجمال" ليأخذوا نصيبهم من لذة الحمص دوبل زيت
يضيف أكرم أنه مع مرور الوقت تحولت هذه الأكلة الشعبية إلى تقليد أو رمز من رموز المدينة، فيتذكر بعض باعتها القدماء أن المطرب المصري الكبير فريد الأطرش قد مرّ من هنا عام 1951، وتناول حمص دوبل زيت، خاصة أنه أقام بفندق "سيرتا" القريب جداً من رحبة الجمال التي تشتهر ببيعها، كما أصبح تناول هذه الأكلة الشعبية تقليداً للمسؤولين أثناء زياراتهم كان آخرها زيارة الوزير الأول السابق عبد المالك سلال.
ولازال الغالبية يحافظون على بعض التقاليد في هذه الأكلة، فمثلاً الهريسة يتم استعمال المحضرة المنزلية أو "العربية" كما يتم تسميتها، لا المصبرة، والطبخ يكون على الفحم لا الغاز، وتكون جاهزة مع الصباح الباكر. هذه التقاليد حولت "حمص دوبل زيت" من أكلة شارع إلى جزء من الثقافة الشعبية للمدينة، فلا يقدم الزوار إلى قسنطينة إلا ويمرون إلى رحبة الجمال ليأخذوا نصيبهم من لذة الحمص دوبل زيت. وأنتم هل تفكرون في زيارة قسنطينة لتجربة هذه الأكلة السحرية؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون