خلّف شريط فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، في المغرب، موجة سخط عارمة، بسبب فعل تحرش صادم، قام به مراهق في حق فتاة ترتدي فستاناً في الشارع العام.
الشريط الذي لا تتجاوز مدته تسع ثوانٍ، يظهر تحرشاً جنسياً بشابة كانت تمشي برفقة شاب آخر، في أحد شوارع مدينة طنجة، في شمال البلاد.
المتحرش الذي لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره، قام باللحاق خلسةً بالشابة، ورفع تنّورتها، ثم لمس أجزاء من جسدها بشكل عنيف، وخادش للحياء، في مشهد وثّقه أحد مرافقيه وشركائه في الجريمة، وفقاً لبلاغ المديرية العامة للأمن الوطني، بواسطة هاتف محمول، وهو يصرخ ضاحكاً.
انتشار الفيديو على نطاق واسع بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خلّف صدمة عارمة داخل المجتمع الحقوقي، وفي أوساط الناشطين، خصوصاً أن الهدف منه كان خلق الجدل على الإنترنت، والسخرية من الفتاة التي "لقيت جزاءها"، بسبب خروجها "عاريةً" إلى الشارع، وفقاً لما علّق به بعض الأشخاص.
وعلى الرغم من أن المديرية العامة للأمن الوطني تفاعلت بسرعة مع الواقعة، إذ إن عناصر الشرطة في ولاية أمن طنجة، تمكنوا، عشية الثلاثاء 14 أيلول/ سبتمبر الجاري، من توقيف قاصر يبلغ من العمر 15 سنة، وذلك للاشتباه في تورطه في المشاركة، بالإخلال العلني بالحياء، والتحرش الجنسي.
وأوردت المصالح المختصة، في بلاغ رسمي، أن "مصالح الأمن الوطني كانت قد تفاعلت، بسرعة وجدية كبيرة، مع مقطع فيديو تم تداوله عبر تطبيقات التراسل الفوري، يوثّق إقدام جانح على تجريد فتاة من ملابسها، والتحرش بها جسدياً، في الشارع العام، فيما قام شخص آخر بتوثيق هذه الأفعال، ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتطبيقات التراسل الفوري"، و"أن عمليات التشخيص أسفرت عن تحديد هوية المشتبه به الرئيسي، الذي يُعدّ حالياً في حالة فرار، بينما تم توقيف القاصر الذي يُشتبه في مشاركته في ارتكاب هذه الأفعال الإجرامية، وتوثيقها في شريط مصور، ونشره بواسطة الأنظمة المعلوماتية". إلا أن الحادث الذي لا يمكن أن ننعته بالعابر، نظراً إلى تكراره الدائم في المغرب، يسائل المجتمع كله بشكل مباشر، حول القيم التي يغرسها في الجيل الناشئ، وعن الدور الذي من المفترض أن تلعبه الأسرة والمدرسة في هذا كله.
الأخطر من المتحرش نفسه، هي تلك الفئة التي تدافع عن التحرش، وتعدّه "فعلاً ثورياً" في وجه "الفساد الأخلاقي"، وتعدّ المتحرش مجرد مؤمن يقوم بدوره في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر
المتحرش الذي وثّق فعلته، عبر شريط الفيديو، قاصر لا يتجاوز عمره الـ15 سنة، وصديقه الذي شاركه لحظات الانتشاء بالتحرش، ووثّق اللحظة التاريخية، فخوراً بشجاعة صديقه، والذي لا زال في حالة فرار إلى الآن، غالباً سيكون مراهقاً هو الآخر، وغيرهم كثر في الشوارع، يحترفون مضايقة النساء، باختلاف أعمارهن، وأجسادهن، ونوع ملابسهن، وهذا يظهر أزمة قيم، وخللاً في الأخلاق، لدى جيل بأكمله. جيل يعاني من أزمة حداثة، بسبب الإنترنت، وأزمة تديّن، بسبب كثرة الدعاة، واختلاف مشاربهم، وإهمال أُسريّ، خصوصاً في الأحياء الهامشية، ودور الصفيح، داخل المدن، ناهيك عن الهدر المدرسي أحياناً.
والأخطر من المتحرش نفسه، هي تلك الفئة التي تدافع عن التحرش، وتعدّه "فعلاً ثورياً" في وجه "الفساد الأخلاقي"، وتعدّ المتحرش مجرد مؤمن يقوم بدوره في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وهذا الرأي، هو رأي شريحة كبيرة منحازة بطريقة تلقائية إلى المتحرش، ولو سمحت لها الفرصة للوجود مكانه، ربما ستقوم بالتصرف نفسه، أو أفظع منه.
هذه الشريحة التي تدافع عن الجاني، بمنطق ديني، وتستنكر لباس الفتاة، لأن المغرب "دولة إسلامية"، توجد فيها فئات المجتمع جميعها، آباء، وأمهات، وأطباء، وأساتذة، لا يجدون أي حرج في التعبير عن رأيهم، وتطبيق شرع اليد، لأنهم أساساً يستمدون قناعاتهم، في علاقتهم بالنساء، من مرجع ديني محض، ويرون أن النساء ناقصات عقل ودين، وأن الرجال قوّامون عليهن، وأن أشكال العنف ضدهن جميعها جائزة، ما دامت بما يرضي الله.
صحيح أن منطقهم مبني على أساس فارغ، وأن المغرب ليس دولة إسلامية، بمنطق الذين يريدون الترويج له غصباً، لكنه في الحقيقة دولة مسلمة نامية، تعيش تحت ظل القوانين الوضعية، التي تحاول منذ أكثر من 20 سنة، إصلاح وضعية النساء، وتُوقِّع كلما أتيحت لها الفرصة، اتفاقيات ومواثيق دولية تفيد ذلك، وتفعل ما في وسعها كله، لتصعد إلى صف الدول المتقدمة، على المستويات جميعها، بما فيها المستوى الحقوقي. وقد تجد فيها الكنيسة مفتوحة، إلى جانب المسجد، في الشارع نفسه الذي يحتضن الحانة. كما أن دستورها ينص على المساواة بين المواطنين جميعهم، ذكوراً وإناثاً، وتؤكد قوانينها الجاري العمل بها، ذلك، اللهم إلا تلك التي تخص الأحوال الشخصية، لأن تغييرها مرتبط بتغيير العقلية التي تعتقد أنها تعيش في دولة إسلامية، وبعض الاستثناءات القليلة، ويحكمها ملك يُلقَّب بأمير المؤمنين، ومع ذلك لم يفرض الحجاب، ولا أي شيء من هذا القبيل، لا على المواطنات، ولا على نساء بيته.
لأن الدولة الإسلامية مثلاً، توجد في أفغانستان التي تساقط مواطنوها من الطائرة، فراراً من الجماعة التي جاءت لإقامتها، أو في داعش، وفي بقية بؤر الإرهاب والعنف.
وهذه الدول الإسلامية، منبوذة من طرف الدول الحقيقية، مثل المغرب. فمجرد التفكير في الحصول على تذكرة طائرة، من أجل معانقة حلمك الإسلامي، سيضعك في سجن الإرهاب.
إن غياب إطار قانوني يجرّم هذه الممارسات سيجعل المغرب دائماً مرتعاً لهؤلاء المتحرشين، وسيساهم في تأزم الوضع الأخلاقي، وتفاقم أزمة القيم التي نواجهها، حالياً
لكن غياب إطار قانوني حقيقي يجرّم هذه الممارسات كما يجب، وتطبّقه الأجهزة القانونية كاملاً، وغياب أي تأطير اجتماعي توعوي، يُلقّن النساء حقوقهن، ويدعمهن من أجل رفض الاعتداء عليهن، بأي شكل من الأشكال، وأخذ الإجراءات القانونية في حق المتحرش، مهما بلغت "بساطة" ما قام به، وخصوصاً في ظل الانتشار المهول للفيديوهات، والمجموعات الفيسبوكية التي تربّي على الفكر المتشدد، يقابلها من الناحية الأخرى تقصير واضح في دور المؤسسات التعليمية والأسرية، إن غياب إطار قانوني يجرّم هذه الممارسات سيجعل المغرب دائماً مرتعاً لهؤلاء المتحرشين، وسيساهم في تأزم الوضع الأخلاقي، وتفاقم أزمة القيم التي نواجهها، حالياً. وربما سيحولنا فعلاً إلى دولة إسلامية لا ترتدي نساؤها إلا النقاب، ولا يخرجن من بيوتهن، ويعشن فيها كالجواري.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...