نشرت إحدى المواطنات المغربيات، قبل مدة قصيرة، منشوراً على صفحة مجموعة نسائية خاصة تتعلق بالسفر، تقول فيه إنها مُنعت، برفقة ثلاث نساء أخريات، من الدخول إلى فندق في مدينة مراكش، نظراً لكونهن "غير متزوجات، وغير مصحوبات بعائلاتهن". وأرفقت صاحبة المنشور مع تدوينتها، صورةً للنظام الداخلي للفندق، والتي أرسلتها الإدارة عبر البريد الالكتروني، بعد تأكيد الحجز، وتُظهر بوضوح شروط الإقامة باللغتين العربية والفرنسية. وينص البند الأول فيها على أنه "سيتم رفض دخول المؤسسة بشكل صارم من قبل أي امرأة مغربية لا يرافقها زوجها، أو عائلتها، وستطلب المبررات في أثناء عملية تسجيل الدخول"، الأمر الذي أكدته الإدارة للمواطنة، متذرعةً بتطبيق قوانين المملكة المغربية بصرامة.
المؤسسة الفندقية لم تكتفِ بهذا القدر من الوقاحة، فبعد انتشار التدوينة على مجموعات عدة، والاستنكار الذي قوبل به تصرفها من طرف النساء والرجال، على حد سواء، وبدل أن تعتذر عن عنصريتها، وشروطها التمييزية، هددت بمقاضاة صاحبة المنشور، بتهمة الإضرار بسمعة الفندق، والتشهير به.
قد يبدو ما فعلته إدارة هذا الفندق غريباً، ومخالفاً لسياق العصر الحالي، سواء دولياً أو محلياً، إذ يُعدّ المغرب، نظرياً، من بين البلدان الناشئة التي قطعت أشواطاً مهمة في مجال حقوق المرأة، ويعدّ التمييز ضدها من بين التابوهات التي تم تجاوزها، خصوصاً داخل قطاع حيوي مثل قطاع السياحة، وفي مدينة تُعدّ قبلة سياحية عالمية. لكنه -أي ما فعلته إدارة الفندق- في حقيقة الأمر، غير مخالف للواقع. فالجميع يعرفون أن "العرف الفندقي" في المغرب، يمنع أي امرأة من أن تستأجر غرفة في فندق، في محل سكنها نفسه، تحت ذريعة عدم التشجيع على الدعارة والفساد. أي أن إدارات الفنادق في المغرب، ترى أن المرأة هي السبب الأول في انتشار الفساد، ولمنع غوايتها، لا بأس في أن تقضي ليلتها في الشارع، إذا ما اضطرتها الظروف إلى ذلك، ولا ضرر إذا تعرضت للاغتصاب، أو غيره من المخاطر. المهم ألا يُسمح لها باستئجار غرفة فندقية.
إدارات الفنادق، في المغرب، ترى أن المرأة هي السبب الأول في انتشار الفساد، ولمنع غوايتها، لا بأس في أن تقضي ليلتها في الشارع، إذا ما اضطرتها الظروف إلى ذلك
المنطق نفسه يتكرر بشكل مستفز، مع مالكي الشقق، خصوصاً في المدن الصغيرة، إذ يرفضون بشكل قاطع تأجير منازلهم للعزبات. بل لا يجد بعضهم أي حرج في كتابة يافطات كبيرة، وتعليقها على مداخل الإقامات السكنية، أو حتى كتابة الجملة مباشرة على الحائط بالطلاء: "إقامة خاصة بالعائلات فحسب". ولم يحدث أن تم تسجيل أي تدخل من السلطات يُثني هؤلاء عن الجهر على الأقل بعنصريتهم، وذكوريتهم المقيتة التي تجعلهم يظنون أن الزواج هو المعيار الوحيد للاحترام، وأن العنوسة تعني قلة الشرف، وأن المرأة جلابة للعار إلى المؤسسة الفندقية، وإلى الشقة التي ستشتريها، وإلى أبيها وأخيها، وإلى حارس العمارة، والبقال، أو أي ذكر قد تصادفه في طريقها.
المضحك المبكي في الموضوع، هو أن أصحاب هذه الممارسات التمييزية، غير الأخلاقية، وغير القانونية أيضاً، يتذرعون بالقانون من أجل شرعنة ممارساتهم. ليس لأن القانون يحميهم، ولكن لأن الترسانة القانونية نفسها تشاركهم في هذه الممارسات أحياناً، ولو عن غير قصد. فمثلاً، القانون الذي يُفترض أن يجرّم التمييز الجنسي، ويحاربه، طبقاً لما جاء به الدستور، ولما تقتضيه حيثيات التطور الذي يعيشه العالم، وظروفه، يشترط على الأم الحاضنة الحصول على موافقة الأب، من أجل استصدار جواز سفر، أو بطاقة هوية لابنها في المهجر، أو حتى السفر معه خارج أرض الوطن. لكن الأب، في المقابل، ليس مطالباً بذلك. أي أن الأم، وعلى الرغم من أنها حاضنة بموجب القانون، إلا أنها في الحقيقة ليست الوصي القانوني على طفلها، ولا يُسمح لها باتخاذ قرارات في شأن تعليمه، وأنشطته اللا منهجية، وعلاجه الطبي، ولا بإدارة ممتلكاته، ولا بإعطائه جواز سفر، أو إنشاء حساب توفير له، والذهاب في رحلة من دون إذن ولي أمره "الحقيقي"، وفقاً للقانون؛ أي الأب. وحتى عندما تساهم هذه الأم في مصاريف علاج طفلها مثلاً، تذهب تعويضات التغطية الصحية مباشرة إلى الأب. وإذا شاركت- كما هو الحال بالنسبة إلى أغلب الموظفات المغربيات- بأكثر من النصف في المصاريف المنزلية، فإن الأب هو من يحصل على التعويضات الأسرية. بل إن القانون السابق الذي يخص نظام رواتب التقاعد، كان يحرم أبناء الموظفة المتوفية حتى من معاش أمهم، وعلى الرغم من مراجعته، وتصحيحه، إلا أنه لا يزال هناك تمييز في التعامل مع معاش الموظف والموظفة، وإلى غيرها من الثغرات القانونية التي تتحامل على النساء، خلافاً لما ينص عليه الدستور.
إن إصلاح هذه العقلية، من المستحيل أن يتم بغير تحديث المناهج الدراسية، وتنشئة جيل جديد لا وجود للتمييز الجندري في قاموسه
لذلك، لا يمكن استنكار ما فعلته إدارة الفندق، أو التنديد بالتمييز الذي مارسته ضد النساء، أو الذي يمارس ضدهن عموماً، لأن المشكلة جوهرية، ومتغلغلة في المجتمع. وإذا كان الغرض من الإصلاحات القانونية كلها التي لا يزال يعرفها المغرب، منذ إحداث مدونة الأسرة، هو الانتصار للمساواة بين الجنسين بالفعل، والقضاء على العنف التمييزي، أياً كان نوعه، فيجب العمل أولاً، وقبل أي شيء، على تغيير العقليات، وإقرار القطيعة مع الأعراف جميعها، سواء القانونية منها، أو الاجتماعية، التي لا تزال تكرّس الصورة النمطية ضد النساء: المرأة/ الشيطان التي أغوت آدم، وأنزلته إلى الأرض، وبناتها لا يزلن يحاولن الإيقاع بأبنائه؛ الرجال الضحايا الذين لا ذنب لهم سوى أنهم قابلون للانسياق وراء غواية حواء.
إن إصلاح هذه العقلية، من المستحيل أن يتم بغير تحديث المناهج الدراسية، وتنشئة جيل جديد لا وجود للتمييز الجندري في قاموسه. وطبعاً، لا بد أن يرافق هذا التحديث إصلاح قانوني جوهري، يعيد النظر في المواد القانونية جميعها التي تفرّق بين المواطنين في التعامل، حسب نوعهم، ويجرّم بشكل واضح أي معاملة تمييزية ضد النساء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون