شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
قمح سوريا… الرحلة السريعة من الاكتفاء الذاتي إلى طوابير الخبز

قمح سوريا… الرحلة السريعة من الاكتفاء الذاتي إلى طوابير الخبز

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 16 سبتمبر 202106:41 م
Read in English:

Syria’s Wheat: A Journey from Self-Sufficience to Bread Lines


"العام المقبل سيكون عام القمح، من حيث زراعته وإنتاجه". هذا ما تعهده وزير الزراعة السوري، محمد حسّان قطنا، في نهاية العام الماضي 2020، حاثاً الفلاحين على زراعة أكبر مساحة ممكنة بالقمح، وذلك بسبب النقص الهائل الذي تعاني منه سوريا في السنوات الأخيرة، والذي حولها من إحدى الدول المصدرة للقمح إلى دولة تطول فيها طوابير الخبز، وتقنن السلطات الحاكمة في مناطق السيطرة المختلفة حصة كل مواطن. 
صور طوابير الخبز في سوريا صارت لقطة معتادة تعلق عليها وتبرزها شرائط الأخبار في السنوات الماضية. وقال برنامج الأغذيّة العالميّة في آذار/ مارس الفائت إنّ 12.4 مليون سوري - أي أكثر من 60% من سكّان البلاد - يعانون من انعدام الأمن الغذائي والجوع، وهو ضعف الرقم المُسجّل في العام 2018، حسبما نقلت وكالة رويترز للأنباء.
لكن آثار الحرب، وتقاسم السيطرة على الأراضي الزراعيّة بين سلطات الأمر الواقع والحكومة السوريّة، إضافة إلى الجفاف الذي يفتك بالبلاد منذ سنوات وارتفاع تكاليف الإنتاج، فضلاً عن تحكّم تركيا بمياه نهر الفرات المُتدفقة نحو سوريا، عوامل أسهمت جميعها في عرقلة خطط "عام القمح" السوري، وانخفض إنتاج القمح في العام الحالي عن إنتاج العام السابق بما يقارب 200 ألف طن، حسب تصريحات رئيس مكتب الشؤون الزراعيّة في الاتحاد العام للفلاحين في سوريا، محمد الخليف.

برغم ارتفاع نسبة الأرض المزروعة قمحاً خلال الموسم الحالي، انخفض الإنتاج بسبب انحباس الأمطار وإغلاق نهر الفرات، وانقطاع المحروقات عن سوريا، وعدم تأمين السماد بشكل كافِ

"ما طلع حساب الحقل عَ حساب البيدر"

قالت الحكومة السوريّة على لسان مسؤوليها في نهاية العام الماضي إنّها تهدف إلى إنتاج نحو مليون طن من القمح خلال العام 2021، زيادةً على إنتاج العام 2020، الذي بلغ نحو 600 ألف طن. وحتى حزيران/ يونيو كان الإنتاج قد وصل إلى 237 ألف طن، حسب رئيس اتحاد الفلاحين، أحمد صالح، متوقعاً أنّ يبلغ المعدل في نهاية 2021 بين 350 و 400 ألف طن، وهو ما يعادل أقل من ربع حاجة المناطق التي يسيطر عليها النظام.

في تقرير أعدته شبكة روسيا اليوم عن وضع القمح في سوريا، رد المدير العام  للمؤسسة العامة لتجارة وتسويق الحبوب، يوسف قاسم انخفاض إنتاج القمح رغم زيادة مساحة الأراضي المزروعة به خلال الموسم الحالي، إلى "انحباس الأمطار وإغلاق نهر الفرات وانقطاع المحروقات عن سوريا وعدم تأمين السماد بشكل كامل".
فيما أرجع رئيس مكتب الشؤون الزراعيّة، محمد الخليف، أسباب هذا التراجع في كميات القمح، وخاصة في محافظة الحكسة، شمال شرقي سوريا، إلى قيام قوات سوريا الديمقراطيّة (قسد) "بمنع الفلاحين من تسليم إنتاجهم إلى مراكز استلام الحبوب التابعة للحكومة". مضيفاً خلال حديثه مع صحيفة "الوطن" المحليّة المواليّة للنظام السوري، أنّ "لا بديل عن الاستيراد" لأنّ حاجة سوريا (المناطق التي يسيطر عليها النظام) سنوياً تتجاوز مليون طن.

حرب القمح

توجّه الكثير من الفلاحين إلى مراكز البيع التي تتبع الإدارة الذاتيّة في محافظة الحسكة، ومناطق شمال شرقي سوريا، لبيع محصولهم، إذ حدّدت مؤسسات الإدارة الذاتيّة سعر 1150 ليرة سوريّة لكل كيلوغرام من القمح، فيما حدّدت الحكومة السوريّة مبلغ 900 ليرة سوريّة فقط.

وكان الرئيس المُشارك لهيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتيّة، سليمان بارودو، قد قال في تصريحات صحافيّة، إنّ الإدارة الذاتيّة ستعتمد على المحاصيل المرويّة بعد تضرّر البعليّة (المعتمدة على مياه الأمطار) بنسبة كبيرة نتيجة الجفاف، وتوقّع أن يراوح الإنتاج في مناطق شمال شرقي سوريا بين 500 و600 ألف طن.
تنافست السلطات الحاكمة في سوريا الممزقة على شراء القمح من المزارعين، ولجأت القوات التابعة لبشار الأسد إلى مداهمة بيوت ومخازن الفلاحين ومصادرة الغلال وإلقاء القبض عليهم
أما "الحكومة المؤقتة" التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، فقد حدّدت السعر في مناطق سيطرتها في شمال غربي سوريا، بالدولار الأمريكي، وبمعدّل 300 دولار لكلّ طن (ألف كيلوغرام) من القمح، وذلك حسب تقارير صحافيّة، ما يجعل سعر الكيلوغرام الواحد أقل من المناطق الأخرى عند تحويل العملة إلى الليرة السورية بحسب الأسعار الرسمية.
كما أعلنت وزارة المال والاقتصاد في "الحكومة المؤقتة" في تموز/ يوليو الماضي أنّ مجموع كميّة القمح التي تمّ شراؤها من الفلاحين لهذا الموسم قد بلغت 8630 طناً، حتى ذلك التاريخ، متوقعة أن تبلغ الكمية المُتوقع شراؤها في مناطق سيطرتها 20 ألف طن، قبل نهاية العام الجاري.
وفي محاولة لاستمالة الفلاحين ليبيعوا القمح لمراكزها، أصدرت الحكومة السوريّة (بشار الأسد) قرارًا بمنح مئة ليرة سوريّة (0.03 دولار أمريكي) مكافأة عن كل كيلوغرام قمح يبيعه الفلاح لمؤسسات الحكومة وفق الأسعار التي حدّدتها. ما يعني حوالي 28 دولاراً أمريكياً لكل طن (1000 كيلو) من القمح.

أما في مناطق أخرى تقع تحت سيطرة قوات النظام، اعتمد النظام على سياسة الترهيب، إذ نفّذت دوريات أمنيّة مشتركة خلال حزيران/ يونيو وتموز/يوليو الماضيين، عمليّات دهم لمنازل فلاحين، ولا سيما في مناطق السفيرة وتل الضمان ودير حافر والخفسة، وصادرت كميّات كبيرة من القمح المُخزّن في منازل ومخازن الفلاحين، إضافة إلى اعتقال عدد منهم.
كذلك قامت اللجان التابعة للحكومة باعتقال عدد من التجّار بعد مصادرة كميات من القمح، مما أثار الرعب بين الفلاحين في تلك المناطق، حسب تقارير صحافيّة، فقام قسم كبير منهم بتسليم كامل محصولهم إلى مراكز الحبوب التابعة للنظام، فيما اتخذ آخرون إجراءات تخزين أكثر أمناً.
الجدير بالذكر أنّ سوريا مُقسّمة بين ثلاث مناطق نفوذ رئيسيّة، أولاها وأكبرها منطقة سيطرة النظام السوري بقيادة بشّار الأسد، وهذه تحتاج إلى حوالي مليوني طن من القمح سنوياً لتأمين حاجتها من الخبز، إضافة إلى 360 ألف طن من البذور، ونحو 800 ألف طن للاستخدامات الأخرى، مما يجعل المجموع يزيد على ثلاثة ملايين طن حسب إحصاءات وزارة الزراعة.
أما في مناطق سيطرة الإدارة الذاتيّة وقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا، فإنّ الحاجة تبلغ حوالى 600 ألف طن من طحين الخبز "الدقيق" وبذور العام القادم، ونفس الرقم تقريباً تحتاجه مناطق شمال غربي سوريا الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري والحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف المعارض.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image