أيام ثقيلة تمر على الفلسطينيين، باختلاف أماكن تواجدهم، بعد إعلان السلطات الإسرائيلية إعادة اعتقال أربعة أسرى من أصل ستة، هربوا من سجن جلبوع، في شمال فلسطين المحتلة، في السادس من شهر أيلول/ سبتمبر.
مساء يوم الجمعة 10 أيلول/ سبتمبر الجاري، اعتقلت قوات الاحتلال الأسيرَين محمد العارضة، ويعقوب قادري، بالقرب من مدينة الناصرة، وفي صباح اليوم التالي، اعتقلت الأسيرَين محمود العارضة، وزكريا زبيدي، في قرية شبلي أم الغنم، في شمال البلاد، بعد منع أهالي القرية من الخروج من بيوتهم، وإغلاق القرية نفسها. وما زال الأسيران مناضل يعقوب نفيعات، وأيهم فؤاد كممجي، مطاردَين من قبل كامل هيئات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية المجندة لملاحقتهما، بما في ذلك الإعلام الإسرائيلي.
كان قد عبّر العديد من الناشطين، في الداخل الفلسطيني، عن أن الهدف من هذه الرواية أن تخدم الحرب النفسية التي تشنّها إسرائيل.
تضارب في رواية الاعتقال
مع اعتقال أول أسيرين، وهم محمد العارضة، ويعقوب قادري، نُشرت روايات إسرائيلية عديدة حول سير الاعتقال، عبر بيانات الشرطة، وعبر الإعلام الإسرائيلي، منها أن القبض على الأسيرين تم بمساعدة عائلة عربية من مدينة الناصرة الفلسطينية، في شمال البلاد، لأجهزة الأمن الإسرائيلية، وذلك بعد توجه الأسيرين لطلب الطعام منها. بعد ساعات، غيّرت الشرطة الإسرائيلية بيانها، من دون ذكر العائلة النصراوية التي ادّعت مساعدتها لها، مع ذلك ادّعى الإعلام الإسرائيلي أنه تمت إعادة اعتقال الأسرى الهاربين، وهم في وضع صعب، يبحثون عن الطعام، ومرهقين جسدياً، ولم يجدوا من يستقبلهم، على الرغم من أن العارف بثقافة الأسير الفلسطيني، يعلم اعتياده الإضراب عن الطعام، وفي الصور التي انتشرت للأسيرين قادري والعارضة، في أثناء اعتقالهما، كانا حليقَي الرأس، ويرتديان ملابس جديدة، وفي حالة بدنية جيدة.
وهذا ما عبّر عنه الكثيرون، مما يلغي الرواية الإسرائيلية، ويعني أن الأسرى تلقوا، بالضرورة، المساعدة من أهالي المدينة، في حال تواجدوا فيها بالفعل، لكن ليست المساعدة التي تقصدها أجهزة الاحتلال الإسرائيلي.
السيناريو المتناقض نفسه، طرحته الشرطة الإسرائيلية، عند اعتقال الأسيرين محمود العارضة وزكريا الزبيدي، إذ ادّعت في بيانها الأول، أن متعاوناً من قرية شبلي أم الغنم، في شمال البلاد، هو من أخبرها بمكان اختباء الأسيرَين، ومن ثم توضح في الإعلام الإسرائيلي، عبر موقع "واي نت"، أن شرطي مرور إسرائيلي تعرف إلى الأسيرين، وقامت كل من وحدة قصاصي الأثر العسكرية، ووحدة من المخابرات، بملاحقتهما، حتى ألقت القبض عليهما.
وكان قد عبّر العديد من الناشطين، في الداخل الفلسطيني، عن أن الهدف من هذه الرواية أن تخدم الحرب النفسية التي تشنّها إسرائيل. أما على صعيد الأسرى، فبهذه الرواية تعلن إسرائيل أن الأسير الذي يهرب، لا مكان له في الخارج، ولن يتلقى المساعدة، حتى من العرب. أما على صعيد الفلسطينيين، فالهدف هو صناعة الشرخ بين مركبات الشعب الفلسطيني في أراضي الـ48، والضفة وغزّة.
من جهة أخرى، لم تكتفِ المؤسسات الإسرائيلية بترويج رواية أن متعاونين عرب، هم من أخبروا عن وجود الأسرى الفلسطينيين في البلدات، عبر إعلامها المجند، إنما وجّه وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، عومير بارليف، في ما سماه رسالة شكر إلى "عرب إسرائيل"، على صفحته في فيسبوك، قائلاً:
"إلى جانب الإطراءات لشرطة إسرائيل، وقوات الأمن، على التنفيذ الناجح لغاية الآن، ودون تجاهل حقيقة أن المهمة لم تنتهِ بعد، بودّي أن أشكر مواطني إسرائيل العرب الذين ساعدوا بالقبض على المخربين".
على صعيد الأسرى، فبهذه الرواية تعلن إسرائيل أن الأسير الذي يهرب، لا مكان له في الخارج، ولن يتلقى المساعدة، حتى من العرب. أما على صعيد الفلسطينيين، فالهدف هو صناعة الشرخ بين مركبات الشعب الفلسطيني في أراضي الـ48، والضفة وغزّة.
وأضاف: "خلال أربعة أيام، تجول الهاربون معتقدين أنهم سيجدون مأوى، ومساعدة بين عرب إسرائيل، لكنهم كانوا مخطئين. أينما ذهبوا، وتم التعرف عليهم، لم يتلقوا مساعدة، بل اتصلوا بالرقم 100" (أي رقم الشرطة الإسرائيلية). كما عممت قنوات إسرائيلية عدة، منها القناة الثالثة عشر، والقناة العاشرة، رسائل شكرت فيها من سمّتهم متابعيها من العرب، على "تعميم روايتها"، والتي تقول إن القبض على الأسرى تم بمساعدة متعاونين عرب مع الشرطة الإسرائيلية.
الناصرة وأهلها
إن الرواية الإسرائيلية التي ادّعت أن عائلة من مدينة الناصرة أبلغت عن أول أسيرَين تم إلقاء القبض عليهما، قوبلت بحالة غضب وسط الفلسطينيين عامّة، وأهل الناصرة خاصةً، كما أن حركات سياسية في المدينة أصدرت بيانات تستنكر الرواية، وترفضها، ونُظمت مظاهرات احتجاجية في الناصرة، وعدد من البلدات العربية في الداخل، دعماً للأسرى، واحتجاجاً على ما يتعرضون له من تنكيل داخل السجون الإسرائيلية.
في حديث لرصيف22، مع الناشط مجد عزام، ممثل الحراك النصراوي الفلسطيني في مدينة الناصرة، قال: "نرى ثغرات كثيرة في الرواية الإسرائيلية، ولا نصدقها، ونعلم أن سياسة فرّق تسد، هي منهج رئيسي لتثبيت أساسات الاحتلال الإسرائيلي، وتذويب صورة العربي الإسرائيلي في عقولنا. بالضرورة، وضع مدينة الناصرة في ذيل الحضور الوطني الفلسطيني، هو عار من الصحة. أهل الناصرة يرفضون الرواية، ويلفظون العملاء من نسيجها الاجتماعي".
التكنيل بالأسرى وهندسة الرواية الإسرائيلية
في منشور للصحافية الفلسطينية منى عمري، حول التنكيل بالأسرى، وكيف تمت هندسة الرواية الإسرائيلية، جاء فيه: "القوات الإسرائيلية ألقت القبض على الأسيرين زبيدي والعارضة، تحت شاحنة متوقفة بالقرب من كرم لأشجار الزيتون، في قرية أم الغنم. إذاً من أين جاءت صور المكان الذي يشبه المغارة؟!".
وتتابع: "لماذا لم تصور قوات الاحتلال الأسير الزبيدي، ورفيقه العارضة، في المكان ذاته الذي وجدتهما فيه؟! لماذا بحثت عن مكان قريب (جُرف)، يشبه المغارة، لأخذ صورة لهما، ومعهما، مكبّلَين، وقد تم عصب أعينهما؟!".
"من تابع الإعلام (الإسرائيلي)، هذا الأسبوع، احتاج إلى أعصاب من فولاذ"
وتضيف: "القوات الإسرائيلية التي نكّلت وضربت الأسيرين، كانت تحتاج إلى مكان منزوٍ بعيد عن البيوت، بالإضافة إلى مكان يظهر وحشةً، ووحدةً، ورهبةً، كالمكان الذي تم تصويرهما فيه، ولو قامت بضربهما في المكان ذاته الذي وجدتهما فيه، لخرجت صور وفيديوهات توثق ذلك، الأمر الذي يضر بإسرائيل التي تقودها حكومة غير جاهزة لمواجهة أخرى مع الفلسطينيين، خاصةً وأن لهجة الفصائل واضحة؛ أي مساس بالأسرى، سيقود إلى مواجهة بدأت تلوح في الأفق".
وتختم حديثها: "إن صورة زبيدي، مع العلامة على وجهه، وصور المكان الذي يشبه المغارة (الجُرف)، موجهة إلينا، وإلى الجمهور اليميني الإسرائيلي. من ناحية تفاخر، ومن ناحية أخرى ترهيب، وتخويف، وتكسير للعزيمة، لأن الاحتلال يقاتل العزيمة في نفوس من فعل، ومن صفق للفعل. حماية النفس من الانكسار هي أيضاً فعل مقاوم".
ضمن الحرب النفسية التي تمارسها أجهزة الإعلام الإسرائيلية، يأتي التحريض أيضاً على الفلسطينيين. في منشور لها، عبر فيسبوك، كتبت د.هنيدة غانم: "ما يتعلّق بتغطية الموضوع الفلسطيني على طبقاته، وتفرّعاته، كله لا يمثّل دور الإعلام فحسب، في الترويج لخطاب ‘الدولة وأذرعها ومخطّطاتها’ ونشره، بل يتعدّى ذلك إلى التحريض من أجل أن تكون سياسة الدولة أكثر قسوة، وأكثر تطرفاً، تجاه الفلسطيني، وأشدّ تدميراً وسحقاً".
وتتابع: "من تابع الإعلام، هذا الأسبوع، احتاج إلى أعصاب من فولاذ، لكي يستطيع سماع الاقتراحات التي قدّمها بعض الصحافيين، من أجل زيادة التنكيل بالأسرى، وكان الأشد إثارة، هو الهجوم الشرس الذي قاده جهابذة الإعلام على ‘إدارة مصلحة السجون’، وغيرها، واتهامها بأنها تخاف من ‘الإرهابيين الفلسطينيين’، وتخضع لهم، وأنها خوفاً منهم، تعيّشهم في ‘مخيّم صيفي’، وكانت النكتة السمجة التي تتكرّر أنهم يعيشون في ‘فنادق’".
وتواصل حديثها: "وبالمناسبة، لا يدور الحديث عن صحافيي الهوامش، بل عن إعلاميي الصف الأول، عن الصوت الأساسي الذي يتصدّر النشرات، ويبث سمومه التي تتكثّف وتنشط في مثل هذه المناسبات، كما حدث قبل أشهر عدة، خلال هبّة الكرامة".
الخطاب الإعلامي القمعي والتحريضي المرافق للملاحقة الأمنية، أعاد مشهد الحكم العسكري للفلسطينيين في أراضي الـ48، الذي لم يغادرهم حتى اليوم، ولو تغير شكله
محاولة مستمرة لقمع هبّة الداخل الفلسطيني
التداول الإعلامي الإسرائيلي نفسه، لكل ما يخص قضية الأسرى الفلسطينيين في الأسبوع الأخير، هو ما حدث لفلسطينيي الداخل، خلال الهجمة الشرسة عليهم في الهبّة الأخيرة. والخطاب الإعلامي القمعي والتحريضي المرافق للملاحقة الأمنية، أعاد مشهد الحكم العسكري للفلسطينيين في أراضي الـ48، الذي لم يغادرهم حتى اليوم، ولو تغير شكله.
حواجز أمنية، وتواجد عسكري هائل، في الشوارع، من مختلف وحدات الشرطة العسكرية الإسرائيلية؛ هذا هو المشهد اليوم، في معظم مناطق وجود العرب. مداخل العديد من البلدات العربية مغلقة، وتحولت إلى نقاط تفتيش، ووضع كاميرات مراقبة، واقتحامات يومية، منذ هروب الأسرى الستة من سجن جلبوع.
وسط هذا، هنالك اتفاق شعبي واضح في بيانات أصدرتها أحزاب وحركات سياسية فلسطينية في الداخل، ومنشورات العديد من الناشطين والقياديين في الداخل، بأن إسرائيل التي لم تستفِق من هبّة الداخل الفلسطيني، قبل أشهر، ما زالت تمارس الاعتقالات التعسفية، في أم الفحم، والنقب، والبلدات العربية في الداخل الفلسطيني، وتواصل البحث عن مداخل لأسرلة الفلسطينيين، ووصمهم بالمتعاونين مع أجهزتها. هذا المجهود يعود برد فعل عكسي نراه في الشوارع العربية، في الدعوات للاحتجاج والمظاهرات تضامناً مع الأسرى واحتجاجاً على كل أشكال القمع التي يمارسها الاحتلال على الفلسطينيين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.