عقب نجاح 6 أسرى فلسطينيين بالفرار صباح الإثنين من سجن جلبوع "الاسرائيلي"، تظهرُ تخوفاتٌ "إسرائيليّة" من وصولهم إلى الأردن الذي يعد وجهة محتملة لهم، خاصةً مع وجود السجن بالقرب من الحدود الأردنيّة "الإسرائيليّة"، ووصول أسرى فلسطينيين آخرين خلال سنواتٍ سابقةٍ بعد هروبهم من السجون إلى الأردن وانتقالهم من خلاله إلى بلادٍ أُخرى.
وفي ضوء أنَّه يعد الوجهة الأولى والأقرَب للهاربين من الأسر، تُثار التساؤلات حول ملف الأسرى الأردنيين المحررين من السجون "الإسرائيلية" والتضييقات الأمنيّة التي يتعرضون لها بعد الإفراج عنهم، والحياة التي يعيشونها بعد الخروج من السجن.
الأسرى الأردنيون في سجون الاحتلال
بعد أكثر من ربع قرنٍ على معاهدة وادي عربة للسلام، ما يزال 18 أسيراً يقبعون في السجون "الإسرائيليّة" ؛ بحسب اللجنة الوطنية للأسرى والمفقودين الأردنيين في المعتقلات "الإسرائيلية".
في حين انتهت محكوميّة كلٍ من الأسير عبدالله أبو جابر، الذي أُفرج عنه العام الحالي بعد أكثر من 20 عاماً قضاها في سجون الاحتلال "الإسرائيليّ" وعاد بعدها إلى ذويه في مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين، والأسير ثائر شعفوط الذي أُفرج عنه بعد أكثر من عامين قضاهما في المعتقل بتهمة التخابر مع الفصائل الفلسطينية.
عميد الأسرى الأردنيين سلطان العجلوني لحكومته: "إذا إسرائيل حلّت عني، انتو ما بدكم تحلو!"
هناك شكاوى متكررة من تضييقات أمنية تطول الأسرى الأردنيين السابقين من قبل اجهزة الامن الاردنية، حيث يتعرّض بعضهم للاعتقال والمحاكمة على خلفيّة تُهمٍ تتعلق بدعم المقاومة وجمع الأموال لها.
عانى عميد الأسرى الأردنيين في السجون الإسرائيليّة سلطان العجلوني من التضيقات الأمنيّة عقب عودته لبلاده الأردن، وذلك بالرُغم تعيينه للعمل في إحدى المؤسسات الحكوميّة.
يقول العجلوني لرصيف 22 المخابرات الأردنيّة كانت توقفني في كل مرةٍ أُسافر بها إلى لبنان، حيث كنت اعمل في قناة القدس وهو ما استوجب سفري لبيروت أسبوعيا. كانوا يقومون بتفتيشي في كل مرة دون أي سبب سوى أني أسيرٌ محرر. "ذات مرة سألتهم: ما الذي تريدونه مني؟ هل ترغبون بأن أُعيد الجنديَّ الإسرائيليّ الذي قتلته للحياة! إذا إسرائيل حلّت عني، انتو ما بدكم تحلوا!"
ويلفت إلى تعرّض أفراد عائلته –حتى البعيدين بصلة القرابة عنه- إلى التضييق من قبل الأجهزة الأمنيّة، حيث يمنعونهم من التوظيف لأن خالهم أو عمهم أسير. يختتم العجلوني حديثه معنا قائلا: ما الذي تستفيده الدولة من التضييق على شخصٍ قام بعمليّة ضد الاحتلال قبل نحو 25 – 30 سنة!".
إعادة اعتقال في الأردن
الأسير الأردنيّ المحرر أحمد عريقات كان أحد الأشخاص الذين تم اعتقالهم بتهمة "دعم المقاومة ماليّاً" عام 2007، وطُلب منه التوقيع على تعهدٍ يتيح للسلطات الأردنيّة إعادة سجنه 7 سنوات في حال قام بدعم المقاومة مرةً أخرى.
يقول لرصيف 22 إنَّ "هناك أسرى مكثوا في السجن مدةً أطول بعد اعتقالهم بنفس التهمة، ورغم ذلك فحتى أفراد المُخابرات يعتبرون الأسرى أبطالاً، أعتقد أنها ضغوطات سياسيّة تمارس عليهم".
ويضيف عريقات أنَّ للصعوبات القانونيّة نصيباً كبيراً من معاناة الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم، موضحاً "حينما كنت أسافر لأداء العمرة كان يتم حجز جواز سفري لأنني معتقل سابق لدى اسرائيل، وحينما سافرت إلى لبنان تم توقيفي 3 ساعات، وعقب الإفراج عني من السجون "الإسرائيلية" اعتقلتني المخابرات الأردنيّة وأفرجوا عني بنفس اليوم بعد الضغط الشعبي"، واستمرت المخابرات باستدعائي يومياً مدة 3 أشهر بعد ذلك.
لم تقتصر الصعوبات على الأسير وحسب، بل امتدت لتشمل عائلته، يقول "ابني كان يعمل في المطار، وفصلوه لأني والده ومعتقل سابق في سجون إسرائيل.
ويتجنب عريقات إلقاء اللوم على طرفٍ بعينة نتيجة التصرّفات الأمنيّة بل يلفت إلى أنهم "كأشخاص، ربما يحبون المقاومة أكثر مني، لكن الوظيفة تحتّم عليهم القيام بهذا"، منوهاً إلى منع الحكومة لهم إنشاء مؤسسات معنيّة بالأسرى السابقين.
أحكام بالسجن تطول داعمي المقاومة
اصدرت محكمة أمن الدولة الأردنيّة عام 2014 أحكامها بحق معتقلين سابقين في السجون الإسرائيلية تراوحت بين البراءة والسجن من سنة - 5 سنوات، في القضية التي عرفت اعلاميا بـ"معتقلي دعم المقاومة الإسلامية في فلسطين"، وكان من ضمنهم الأسير الأردنيّ المحرر أنس أبو خضير، والذي حكمت عليه المحكمة بالسجن مدة سنة واحدة.
وأدين المتهمون بـ"تصنيع مواد مفرقعة بقصد استعمالها على وجه غير مشروع بالاشتراك، والقيام بأعمال من شأنها الإخلال بالنظام العام، وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، وتجنيد أشخاص بقصد الالتحاق بجماعات مسلحة، والالتحاق بجماعات مسلحة"، وفق لائحة الاتهام.
فيما أقدمت الأجهزة الأمنية عام 2014 على تفتيش منازل أسرى أردنيين محررين، واعتقال أحدهم، وهو الأسير الأردنيّ المحرر مازن ملصة.
أقدمت الأجهزة الأمنية عام 2014 على تفتيش منازل أسرى أردنيين محررين، واعتقال أحدهم، وهو الأسير الأردنيّ المحرر مازن ملصة
الأسرى والمتابعة الحكوميّة
تفتقر الأردن إلى وجود مؤسسات معنيّة بشؤون الأسرى المحررين من السجون الإسرائيليّة وإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع بعد خروجهم من السجن على الرغم من وجود مئات الأسرى المحررين في الأردن والذين يواجهون صعوبات ماديّة أو نفسيّة أو صحيّة؛ بحسب الناطق الإعلاميّ باسم اللجنة الوطنية للأسرى والمفقودين في المعتقلات "الإسرائيلية" فادي فرح.
ويقول لرصيف 22 إن الأسير يبني حياته من نقطة الصفر بعد الخروج من المعتقل، فهو يحاول جاهداً إنهاء عمله ودراسته ومتابعة حياته والاندماج مع المجتمع، رغم أن الطرف الحكوميّ لا يعترف بحقوق الأسير، في حين يقتصر حضوره شعبياً على المناسبات أو المبادرات البسيطة، لافتاً إلى أنَّ "الناس يقدّرونهم من تقديرهم للمقاومة، لكن هذا التقدير يقتصر على المناسبات، لا على التعامل الشخصي أو اليوميّ".
فادي، وهو أسير أردنيّ تم تحريره عام 1999 يقول "لم يكن من السهل عليَّ بناء حياتي بعد الخروج من السجن فقبل 20 سنة خرجت، وحاولت جاهداً البحث عن عمل؛ لأجد واحداً في إحدى منظمات المجتمع المدنيّ، وبدأت دراستيَّ الجامعيّة خلال عملي، كنت أدرس مساءً، كما واجهت صعوبةً بالعودة لحياتي الزوجيّة إضافةً للحياة بشكلٍ عام".
ويضيف أنَّه لم يتلقَ أيَّ دعمٍ أو تأهيل، بل إن ملفه الطبيَّ معه للآن، ويعاني من التهابات في المفاصل والأوعية الدموية نتيجة السجن ولا يملك غير المسكنات للتعامل معها، حيث لم يخضع لأي علاجٍ لها حتى الآن.
وتعرّض فادي للتوقيف الإداريّ 14 يوماً قبل أعوام بعد زيارته لأحد موقوفي ما يعرف بقضيّة "دعم المقاومة" حيث أوقفته الأجهزة الأمنية، وحققت معه بسبب زيارته لأحد المعتقلين، فيما اوقف خلال سنواتٍ سابقة عند المخابرات دون إخباره بالسبب.
القانون الأردنيّ لا يجرم دعم المقاومة
ينفي المحامي الدولي فيصل الخزاعي وجود تهمةٍ تتعلق بدعم المقاومة الفلسطينيّة في قانونيّ؛ العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية الأردنيين، أي القوانين المدنيّة؛ لذا تقوم محكمة أمن الدولة الأردنيّة بتكييف التهم ضمن قانون منع الإرهاب رقم 55 لسنة 2006.
ويصف لرصيف 22 هذا القانون المعمول به في محكمة أمن الدولة بـ"المطاط"، مضيفاً أن "محكمة أمن الدولة تحاول الخروج من القانون المدنيّ بتحويل المتهمين إليها تحت ما يسمى قانون منع الإرهاب وتوجيه مختلف التهم لهم تحت هذا القانون".
ويشير الخزاعي إلى عدم وجود نصٍ صريح حول دعم المقاومة؛ لذلك يلجأ القضاة لقانون منع الإرهاب؛ لأنه أوسع وأشمل ويمكنهم من خلاله تكييف أي قضيّة تحت مسمى دعم منظمات مسلحة أو تنظيم مسلح.
ويوضح صعوبة التعامل مع ممارسات الأجهزة الأمنيّة الأردنيّة التي تقوم بها للتضييق على الأسرى، إذ لا يمكن حلّها قانونيّا ومع ذَلك يمكن التعامل معها في حال أصبحت قضيّة رأي عام، منوهاً إلى أنَّ هذه الممارسات "مخالفة للقانون الدولي واتفاقيات حقوق الإنسان التي وقّع الأردن عليها، ولا تقوم بتطبيقها على أرض الواقع".
وشدد الخزاعي والذي يعدّ مستشاراً قانونياً لنادي الأسير الفلسطينيّ، على التعسّف باستخدام السلطة من قِبل الأجهزة الأمنيّة الأردنيّة، خاصةً وأن الدستور لا يمنح المخابرات الحق بالتضييق على الأسرى المحررين، "لهم الحق بالحركة والإقامة والكلام وإبداء الرأي، كل هذه الأمور كفلها الدستور".
ومع ذَلك فإن التضييقات الأمنيّة قد تزيد في حال أراد الأسير التقدّم بشكوى بعد معرفته لاسم الضابط أو القسم أو الشعبة التي تعسفت باستخدام السلطة معه، باعتبار دائرة المخابرات مؤسسة أمنيّة ذات سيادة "لا يحاكمون ولا يحق لأي شخص أن يشتكي عليهم"، على حدِّ تعبيره.
ويؤكد الخزاعي حق الأسرى رفض التوقيع على تعهداتٍ تمنعهم من جمع الأموال أو دعم المقاومة، إلا أنَّ ذلك سيعرضهم لعقوبات نفسيّة مثل المنع من العمل أو السفر وعدم الموافقة على تشغيل أقاربهم لدى المؤسسات الحكوميّة أو الشركات الكبيرة إلا بموافقة المخابرات.
وحاولت رصيف 22 التواصل مع الناطق الإعلامي باسم الحكومة الأردنيّة صخر دودين والجهات الحكوميّة والأفراد المعنيين لأخذ ردّهم حول التضييقات الأمنية على الأسرى بعد الإفراج عنهم والصعوبات التي يواجهونها، إلا أنها لم تتلقَ أيَّ رد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...