اعتقل حرس الحدود التونسي خلال الأسبوع الفائت اثنين وخمسين سورياً حاولوا دخول البلاد بطرق غير قانونيّة، بحسب تقارير صحافيّة، بينهم على الأقل أحد عشر طفلاً، كان يتنقلون داخل المنطقة الحدوديّة العازلة بنيّة اجتياز الحدود الليبيّة التونسيّة للوصول إلى تونس.
هذه واحدة من حوادث متكررة على الحدود التونسيّة، حيث تشكّل تونس محطة انطلاق للكثير من اللاجئين من أجل الوصول إلى الطرف الأوروبي من البحر المتوسط. لكن بعد العام 2011 استقر العديد من اللاجئين في تونس، المُنضمة رسمياً منذ العام 1957 إلى اتفاقية اللاجئين لسنة 1951، كما أنها من الدول المُوقِعَة على بروتوكول العام 1967 لهذه الاتفاقيّة، إضافة إلى مصادقتها على الاتفاقيّة الإفريقيّة لسنة 1969 الخاصة باللاجئين في القارة.
بحسب إحصائيات مكتب المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين، فقد بلغ عدد طالبي اللجوء في تونس حتى كانون الثاني/ يناير الماضي، نحو 6500. ويحتل السوريون الصدارة من حيث عدد اللاجئين إلى تونس.
وبحسب الناطق الرسمي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة، رمضان بن عمر، الذي قال لرصيف22 إنّ عدد اللاجئين السوريين في تونس قد بلغ، حسب آخر إحصائيّة، 2142، يمثلون ما نسبته 25% من جملة عدد اللاجئين في تونس".
هذه واحدة من حوادث متكررة على الحدود التونسيّة، حيث تشكّل تونس محطة انطلاق للكثير من اللاجئين من أجل الوصول إلى الطرف الأوروبي من البحر المتوسط
أمّا عن اعتراف الدولة التونسيّة بالسوريين كلاجئين على أراضيها، قال بن عمر لرصيف22 إنّه "بإمكان السوريين تقديم طلبات لجوء، والطلبات تقدم مباشرة إلى المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين، باعتبار أنّ تونس لا يوجد لديها قانون لجوء".
ويقول لرصيف22 طارق الغوراني، الصحافي السوري والناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والمقيم في تونس، إنّ "كل السوريين الذين قدموا طلبات لجوء إلى المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين يحصلون على صفة طالب لجوء، ولا يحصلون على حق اللجوء، حيث يوجد تقصير كبير من جانب المفوضيّة في هذا الشأن".
الاندماج في المجتمع التونسي
ويضيف الغوراني أنّ صورة سوريا والسوريين كانت إيجابيّة جداً لدى أبناء تونس عند انتقاله للعيش فيها بداية العام 2012. أمّا الآن فقد تغيّر الوضع لتصبح الصورة سلبيّة بشكل مبالغ فيه. ويرجع الأمر، حسب تقديره، إلى انضمام مجموعة كبيرة من التونسيين إلى المجموعات المُجاهدة في سوريا، ولا سيما تنظيم داعش، مما أثرّ على النقاش العام المُتعلق بموضوع سوريا في تونس، وأصبح هناك "ارتباط بين سوريا ومفهوم الإرهاب في الوقت الراهن".
تهميش وإقصاء
يؤكد رمضان بن عمر على ذلك قائلاً لرصيف22 إنّ موجة كبرى من التعاطف مع اللاجئين السوريين وُجدت في سنوات اللجوء الأولى (2011 و2012)، نتيجة الحرب والانتهاكات والتشريد الواقع على الشعب السوري، لكنّه يستدرك ويقول إنّه نتيجة لنقص الخدمات المقدّمة للسوريين والسوريّات، فإنّهم اضطروا لقبول العمل في مهن فيها العديد من الانتهاكات، من حيث ساعات العمل والأجور، إذ يحصل العامل السوري على أجور أقل من العامل التونسي، رغم أن ساعات عمله أكثر.
كما يذكر وجود "وضعيّة تهميش وإقصاء وصعوبات في الاندماج نتيجة مشاكل في الولوج إلى الحق في التعليم وخاصة للأطفال الصغار، وصعوبات مرتبطة بالمدارس التونسيّة. فرغم أنّ القانون يسمح بتدريس أبناء اللاجئين وطالبي اللجوء لكن هناك صعوبات، لأنّ المدارس التونسيّة تستعمل اللغة الفرنسيّة، وهناك صعوبات مرتبطة بأداء بعض مديري هذه المؤسسات الذين يرفضون قبول أطفال اللاجئين بادعاء صعوبات التعليم التي من الممكن أن يتعرضوا لها".
إضافة إلى ذلك، يذكر بن عمر وجود"صعوبات في الحق في الولوج إلى الصحة، باعتبار أن الوضع الصحي صعب جداً، لأنّ المؤسسات العموميّة لا تضمن هذا الحق للاجئين، ويترك الأمر إلى تقدير العاملين في قبول تقديم العلاج للاجئين، إضافة إلى الصعوبات التي تمر بها منظومة الصحة في تونس، وهؤلاء اللاجئون الهاربون من الحروب ومن الانتهاكات المتعددة الأبعاد في بلادهم، يحتاجون متابعة صحية ونفسيّة خاصة، وهو ما لا يتوفر لهم".
يواجه السوريون في تونس مشاكل جمة في إلحاق أبنائهم بالتعليم أو الحصول على الخدمات الصحية، نتيجة عرقلة منحهم صفة اللجوء التي تعطيهم الحق في حياة طبيعية بالبلاد
المشاكل القانونيّة
يقول الغوراني إنّ المشكلات المتعلقة باللاجئين السوريين موجودة في كلّ مكان في تونس، لكن المنظمات الأمميّة، وعلى رأسها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لا تحاول حل هذه المشكلات، بينما تبدي السلطات التونسيّة استعدادها الدائم للحل، من دون أن توفي بهذه التعهدات.
يُذكر أن عدد السوريين في تونس قليل جداً، مقارنة بأعدادهم في دول أخرى، ويعود الأمر إلى صعوبة الحصول على تأشيرة دخول إلى تونس، كما أنّ موقع تونس الجغرافي بعيد عن سوريا، فكثير من السوريين والسوريات وصلوا تونس من الجزائر أو من ليبيا، كمحطة توصلهم إلى الأراضي الأوروبيّة، حسب تعبير الغوراني.
مشكلة المشكلات هي عدم وجود سفارة سوريّة وخدمات قنصليّة للسوريين/ات في تونس. فانتهاء مدة صلاحيّة جوازات السفر أو أيّ أوراق قانونيّة أخرى يعني عدم القدرة على تجديدها، أو في أحسن الأحوال فإنّ ذلك يكلفهم مبالغ طائلة وأوقات انتظار طويلة. انتهاء مدة صلاحية هذه الأوراق يعني أنّهم لا يستطيعون فتح حساب بنك على سبيل المثال أو توقيع عقد ما أو الحصول على إقامة عمل أو استكمال دراسة.
حسب المعلومات التي وصل إليها رصيف22، فإنّ أوراق معاملة الإقامة في تونس منفصلة تماماً عن أوراق معاملة حق الحصول على اللجوء. لكن حق اللجوء يعني القدرة على العيش بشكل "طبيعي" في البلاد. وهو ما لم يحصل عليه الكثير من السوريين، بل حصلوا على توصيف "طالب/ة لجوء"، دون الحصول على صفة لاجئ.
حياة السوريين في تونس
في دراسة أجرتها مؤسسة "سيغما كونساي" التونسيّة، ورد أنّ حوالي نصف نفقات السوريين كانت على الغذاء والصحة، وأنّ 62.7% من الأطفال يلتحقون بالمدارس وأنّ 80% منهم يواصلون تعليمهم في المدارس الحكوميّة، كما بينت الدراسة أنّ معظم السوريين يسكنون أحياء الطبقة العاملة في أطراف العاصمة. وقالت إنّ 58.4% من السوريين راضون عن شروط الإقامة، وإنّ 75% منهم دخلوا البلاد بشكل قانوني أو عبر الحصول على تأشيرة، و28.2% منهم برروا اختيارهم للبلد الصغير الواقع في شمال قارة إفريقيا بانخفاض سعر إيجار المنزل، فيما قال 44% منهم إنّ لهم أقارب في تونس، كما قال 91% إنّ علاقاتهم مع جيرانهم التونسيين، علاقة جيّدة.
يقول الغوراني: "بالمقارنة مع دول جوار سوريا، لا توجد عنصريّة بشكل عام ضدّ السوريين في تونس بسبب قلّة أعداد السوريين".
"صورة سوريا والسوريين كانت إيجابيّة جداً لدى التونسيين في بدء العام 2012، أمّا الآن فقد تغيّر الوضع لتصبح الصورة سلبيّة بشكل مبالغ فيه"
"وضع اللاجئين السوريين في تونس هو وضع صعب مثل أوضاع جميع اللاجئين من البلاد الأخرى الباحثين عن اللجوء في تونس نتيجة الظروف السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي تمر بها تونس" يقول بن عمر، ويضيف أنّ الظروف اشتدت "نتيجة تداعيات الجائحة (كورونا) وخاصة على أولئك الذين يعمل معظمهم في قطاعات غير منتظمة، وهي القطاعات المتضررة بشكل رئيسي من الجائحة وتداعياتها، إضافة إلى القصور في الخدمات المقدمة إلى اللاجئين وطالبي اللجوء السوريين في تونس، وهذه الخدمات تقدمها فقط المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين وبعض شريكاتها من منظمات المجتمع المدني التونسيّة".
ويقول إنّ بعض العائلات التي لا سند لها، والتي لم تحصل على أي خدمات من المفوضيّة ذات الخدمات الضعيفة أصلاً، أُجبرت على امتهان التسوّل، "حتى أصبح هناك وصم للاجئين السوريين في تونس بأنّهم متسولون، واتّهموا في العديد من المناسبات بالتحايل" حسب وصف بن عمر.
ويشدّد بن عمر، الناطق الرسمي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة، على أنّ هذا الوصم "خرج نتيجة سياسة مارستها الدولة التونسيّة، باعتبار أنّها لم توفر الحد الأدنى للاجئين وأيضاً كانت المنظمات الأممية شريكة في هذا من خلال ضعف الخدمات المقدمة لهؤلاء، فألقت بهم فريسة سهلة في المجتمع؛ وفريسة سهلة للباحثين عن اليد العاملة الرخيصة، وفريسة سهلة لشبكات الاتجار بالبشر، وفريسة سهلة لشبكات العنف والجريمة ولشبكات التهريب عبر البحر وغيرها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون