"أنت لستَ مشاعرك"... هذه العبارة هي أهم ما يفتقده أصحاب الميول الانتحارية، حسبما يقول لرصيف22 طبيب الأمراض النفسية وعلاج الإدمان علي قرقر.
اليوم هو اليوم العالمي للانتحار، ومن الحقائق التي نشرتها منظمات معنية بالصحة النفسية كمنظمة الصحة العالمية، أن أكثر من 700 ألف شخص ينتحرون كل عام، وأن الانتحار رابع سبب للوفاة عند الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً، وأن كل حالة انتحار تسبقها محاولات انتحار عديدة، ومحاولة الانتحار من قبل هي العامل الوحيد الأهم الذي يزيد من احتمال الإقدام مرة أخرى على هذا الفعل.
كذلك تقول المنظمة إن 77% من حالات الانتحار في العالم تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وإن ابتلاع المبيدات، والشنق، والأسلحة النارية، من أكثر الأساليب شيوعاً للانتحار على مستوى العالم.
وشددت مجدداً في تقريرها السنوي على أنه "بالرغم من ثبوت الصلة بين الانتحار والاضطرابات النفسية، فإن كثيراً من حالات الانتحار تحدث باندفاع في لحظات الأزمة، عندما تنهار قدرة المرء على التعامل مع ضغوط الحياة، مثل المشاكل المالية، أو الانفصال، أو الطلاق، أو الآلام والأمراض المزمنة".
طرحنا على طبيب الأمراض النفسية وعلاج الإدمان علي قرقر بعض الأسئلة المتعلقة بالانتحار والصحة النفسية. وفي ما يلي نص الحوار.
1- هل هناك عوامل مشتركة بين من لديهم ميول انتحارية؟ ما المشاعر التي ترافق الغالبية منهم؟
الغالبية تتشارك في مشاعر الحزن وربما الغضب، وبصورة أقل شيوعاً في مشاعر الخوف، وهذا ما قد نراه في الميل الانتحاري لدى مرضى الفصام على سبيل المثال. العامل الأشد تأثيراً ليس المشاعر بل ما تشكلهُ من أثر على قناعات الفرد. ما نجد فيه تشابهاً وتكراراً كبيراً هو قناعات اليأس وانعدام الأمل في المستقبل، أو على وجه التحديد انعدام الأمل في زوال الألم النفسي.
2- "أنت لستَ مشاعرك"... عبارة تتردد على حسابات معنيّة بالصحة النفسية على مواقع التواصل الاجتماعي. هل يمكن شرح أهميتها أو التحدث عنها بشكل أعمق؟
هذه العبارة هي أهم ما يفتقده أصحاب الميول الانتحارية.
كما أشرنا سابقاً، القناعات المرتبطة بعدم الأمل واليأس من زوال الألم هي المحرك الأهم للتفكير الانتحاري، فبطبيعة الحال، هناك افتراض أن الشعور الحالي، سواء كان الحزن أو الإحباط أو الخوف أو أي صورة من صور المشاعر المؤلمة نفسياً، سيستمر إلى الأبد.
"أنت لستَ مشاعرك"، هذه العبارة هي أهم ما يفتقده أصحاب الميول الانتحارية... هناك افتراض أن الشعور الحالي، سواء كان الحزن أو الإحباط أو الخوف أو أي صورة من صور المشاعر المؤلمة نفسياً، سيستمر إلى الأبد
يميل العقل البشري إلى التعامل مع المشاعر السلبية بالتصارع معها، في صراع يشبه صراع من قاده الحظ العاثر للسقوط في بحر من الرمال المتحركة. فكلما ازدادت مقاومته كان غرقه أسرع. سنجد ذلك في أننا عند الصراع مع المشاعر قد نتجه لممارسة أنواع من الإلهاء غير الصحي أو اللجوء للمواد المخدرة للمساعدة على إيقاف المشاعر تلك. لكن في واقع الأمر، فإن أسوأ نتائج ذلك الصراع هو السلوك التجنبي، إذ يتخلى الإنسان عن أنشطته التقليدية التي كانت في المعتاد تساعده على الإحساس بالسعادة أو الدور الحياتي.
هنا تحديداً ستبدأ دائرة مغلقة من المشاعر السلبية. تبدأ بالسلوك التجنبي، ثم المزيد من المشاعر السلبية، ثم المزيد من السلوك التجنبي وهكذا... الحرص على إدراك أننا نستطيع التحكم في سلوكياتنا بصورة أسهل من التحكم في مشاعرنا قد يمنح القناعة، حتى في حال الحزن والشعور السلبي. الحياة لها قيمة وجديرة بالعيش.
3- ما أسوأ نصيحة تقدّم لشخص لديه ميول انتحارية؟ وما أفضل نصيحة؟
الدعم المجتمعي والقناعات الدينية ساهما بشدة في تكوين منطقة عازلة وحامية ضد القناعات المؤدية للفكر الانتحاري. لكن على الرغم من ذلك، قد يؤدي هذان العاملان تحديداً لازدياد الفكر الانتحاري.
فالاستماع وتقبل المشاعر والأفكار دون أحكام يختلف تماماً عن النصيحة بالتوقف عن الابتعاد عن الله أو بـ"التحلي بالرجولة" أو النصح بالتماسك لأجل الآخرين، لإيقاف تأثير مشاعرك السلبية تجاههم.
أما أفضل نصيحة، فقد تكون الاستماع الجيد المتقبل، والتذكير بأن المشاعر لم تكن موجودة طوال الوقت، ولن تستمر للأبد، وربما التوجيه لطلب المساعدة الطبية والمجتمعية.
الدعم المجتمعي والقناعات الدينية ساهما بشدة في تكوين منطقة عازلة وحامية ضد القناعات المؤدية للفكر الانتحاري. لكن على الرغم من ذلك، قد يؤدي هذان العاملان تحديداً لازدياد الفكر الانتحاري
4- كيف يمكن للشخص أن يعرف إن كان بحاجة إلى طبيب نفسي أم مختص نفسي، وما الفرق بين الاثنين؟
الفرق الطبية دائمة التعاون والإحالة من إحداها إلى الأخرى. فقد يستعين الطبيب بأخصائي نفسي أو العكس، وقد يعمل كلاهما في صورة تعاونية مع نفس الحالة. بشكل أساسي، المعتاد هو قيام كليهما بالعلاج النفسي حسب درجة تدريب كل منهما، والمدرسة العلاجية التي يفضل اتباعها ومدى ملائمتها للحالة المستدعية للعلاج. والفارق الأساسي هو أن الطبيب يضطلع بكتابة الأدوية ومتابعة نتائجها وأعراضها الجانبية دون الأخصائي النفسي.
5- هناك من يتهرّب من خطوة الذهاب لزيارة طبيب نفسي لخوفه من فشل النتيجة، فيفقد الأمل في الحياة، أو لا يلجأ لطبيب نفسي بسبب ارتفاع التكلفة، ماذا تقول للمتردد والخائف؟
الوعي بطبيعة الأمراض النفسية المرتبطة بالميل الانتحاري شديد الأهمية هنا. التعامل مع الأعراض على أنها ذات طبيعة بيولوجية وبيئية شديد الأهمية، بالتالي هو هنا لا يختلف عن أي مرض عضوي آخر، على من يعاني منه اللجوء للعون للتخلص من الآلام. الفارق الأساسي هنا هو أن فقدان الشغف واليأس جزء من المشكلة المرضية، لكن قدرة الطبيب/المعالج المدرب في بناء علاقة علاجية صحية سيكون لها أكبر أثر.
بالنسبة لتكلفة العلاج، الأمر لا يختلف كثيراً في رأيي عن كلفة الرعاية الطبية في أي مسألة طبية أخرى، كالجراحات أو الأمراض ذات التكلفة العلاجية العالية. مجدداً، سنصطدم بفكرة أن الألم النفسي حتى الآن لا يعامل كالألم الجسدي في التصور المرضي لدى المجتمع، لكن إن كان الثمن هو الحياة أو الاستقرار في العمل والأسرة أو استعادة القدرة على الشغف بالأمور، فربما تكون حسابات المنفعة والضرر أسهل كثيراً.
"الألم النفسي حتى الآن لا يعامل كالألم الجسدي في التصور المرضي لدى المجتمع"
كذلك، كان لنا حوار مع طبيبة الأمراض النفسية سلمى الديب:
1- ماذا تقولين لمن يتجنب زيارة طبيب نفسي لخوفه من فشل التجربة؟
حينما تواجهني مشكلة مشابهة، أبحث عن شهادات لمرضى نفسيين، كُتبت على أهم مواقع إلكترونية معنية بالصحة النفسية. شهادات الناس وتجاربهم مع العلاج تعطيني أملاً كطبيبة بأن هناك غيري من الدكاترة قابل حالات صعبة، وهذا رأي الحالات بعد فترة من العلاج… أعتقد أن الشهادات قد تغير وجهة نظر الشخص تجاه العلاج.
2- هناك من لا يلجأ إلى طبيب نفسي بسبب ارتفاع أسعار جلسات العلاج. هل ثمة بديل لهؤلاء الأشخاص؟ كيف عليهم التصرف في هذه الحالة؟
لا يوجد بديل للطبيب النفسي، لا "لايف كوتش" ولا غيره من المسميات الجديدة.
تختلف تكلفة العلاج من مكان إلى آخر، وهناك هيئات تقدم خدمات مجانية، ومواقع على الإنترنت تقدم استشارات مجانية، وهناك مستشفيات حكومية تقدم خدمات بسعر مخفض على الأقل. لو كان الشخص مُصرّاً على تلقي العلاج، هناك حلّ دائماً.
3- عبارات تقال/ عبارات لا تقال لشخص لديه ميول انتحارية؟
يعتمد الأمر على الطريقة التي نقول له فيها: "بالراحة على نفسك".
من الممكن قول "أنا عارف إنك بتمر بظروف صعبة" بدلاً من قول "اللي عندك ده ابتلاء"، أو "أنا عارف إن المرض ده صعب وأنت بتعاني" بدلاً من "أصله لو كنت بتصلي، الدنيا هتبقى أفضل".
نحن لا نقول عن المرض النفسي "يأساً" ولا "ابتلاء"، لأن هذا لا يؤثر بشكل إيجابي على حياة الشخص الذي يمر بأزمة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...