شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"نحتاج لنقاش حقوقي لا ديني"... مغربيات يستنكرن التمييز ضدهن بسبب البوركيني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 23 أغسطس 202010:20 ص

"ليست المرة الأولى التي أتعرّض فيها للمنع من السباحة بسبب ارتدائي البوركيني، لكنني الآن قرّرت كسر الصمت والحديث عن التمييز الحاصل على أساس اللباس والبحث عن مدى قانونية ومشروعية هذا المنع"، هذا ما تقوله إيمان نجار، موضحة لرصيف22 أنها مُنعت من السباحة في أحد فنادق الدار البيضاء رغم كونها من نزلاء الفندق، حيث فوجئت حين كانت برفقة زوجها وأولادها بقرار الموظفين منعها من الدخول، دون تقديم أية توضيحات أكثر من أن الإجراء يأتي كتنفيذ لتعليمات مسؤوليهم.

تعلّق إيمان بأن "البوركيني" أو "المايو الشرعي" هو خيارها الوحيد لممارسة السباحة، حالها كحال العديد من صديقاتها المحجبات وكذلك من غير المحجبات اللواتي يفضلن تغطية أجسادهن عند السباحة، وتعتبره حرية شخصية تتشبث بها.

وبينما تشير إلى أنها تتفهم خيار صديقات أخريات وقريبات بارتداء لباس السباحة من قطعتين رغم أنه لا يروقها، تتساءل إيمان في المقابل: "أليس من حق من يرغبن بارتداء لباس سباحة يستجيب لظروفهن الصحية وحريتهن الشخصية ورغبتهن بحماية أجسادهن من الشمس أن يُحترم قرارهن؟".

في سياق متصل، تستغرب إيمان كيف تتعرض للمنع من السباحة بلباس البوركيني في دولة إسلامية، فيما العديد من صديقاتها يرتدين البوركيني في مسابح دول مثل أمريكا وكندا، كما ترى أن منع البوركيني حتى في فرنسا يستند إلى قانون واضح، بينما يُمارَس في المغرب من دون الاستناد إلى قانون أو مبرر مقنع.

من أجل تعايش "البوركيني" و"البيكيني"

بعدما استفسرت إيمان مراراً من العاملين في الفندق عن سبب هذا الإجراء، لم تتلقَّ جواباً مقنعاً، بل مجرد اعتذار استعادت على إثره مصاريف الحجز وطُلب منها البحث عن فضاء آخر.

من هنا، لجأت إيمان إلى صفحتها في فيسبوك لتستنكر ما تعرضت له من منع وتمييز، فلاقى منشورها تفاعلاً واسعاً من محجبات كثر يتعرضن بدورهن للمنع من السباحة بالبوركيني.

ومن خلال منشور إيمان، خرجت مجموعة من النساء باتفاق لاستحداث مجموعة على فيسبوك بعنوان: "لا للتمييز ضد النساء في المسابح"، تهدف إلى نشر قصص نساء ضحايا المنع من السباحة بسبب البوركيني، والتعريف بقضيتهن بقصد الترافع من أجل تحقيق المساواة ونبذ التمييز بين النساء على أساس اللباس واحترام الحرية الشخصية للمحجبات في لباسهن.

تفضل إيمان مناقشة قضية المنع في سياق حقوقي، فتقول: "بعض الأشخاص يصرون على إضفاء طابع ديني على النقاش، ورغم أنني مسلمة وملتزمة بالتعاليم الإسلامية لكنني أرفض إضفاء الصبغة الدينية على هذا الموضوع، وأفضل مناقشته ضمن مقاربة حقوقية".

من جهة أخرى، تنتقد إيمان من يقول إن البوركيني يتنافى مع شروط اللباس الإسلامي للمرأة المحجبة، مردفة: "رفضنا مناقشة الموضوع ومعالجته وفق مقاربة دينية شرعية صرفة لأن ذلك يفتح الباب على مناقشة مدى مشروعية ارتداء بعض الناس لباس السباحة من قطعتين وهن مسلمات، وقد تجرنا المقاربة الدينية إلى متاهات نحن في غنى عنها".

وتختم كلامها: "كيف يحق لهم أن يمنعونني ويحرمونني من الاستمتاع بالسباحة مع أبنائي وزوجي، فقط بسبب ارتدائي للبوركيني، فيما نساء أخريات بلباس البيكيني يتمتعن بهذا الحق. لماذا التمييز؟".

"بعض الأشخاص يصرون على إضفاء طابع ديني على النقاش، ورغم أنني مسلمة وملتزمة بالتعاليم الإسلامية لكنني أرفض إضفاء الصبغة الدينية على هذا الموضوع، وأفضل مناقشته ضمن مقاربة حقوقية"... مغربيات يناقشن منعهن من السباحة بالبوركيني في "بلد إسلامي"

من جهتها، تحكي سكينة العلوي لرصيف22 قصة تعرضها للمنع من السباحة بالبوركيني في فندق مصنف في مدينة المضيق، شمالي المغرب.

تصف سكينة المنع بأنه "اعتداء على الحريات وتمييز تتعرض له النساء"، متسائلة: "كيف للعالم أن يُدافع عن حقوق المرأة بشكل عام، ويأتي المُشرّع المغربي بعدد من القوانين التي تضمن حقوق المرأة وتكافؤ الفرص بينها وبين الرجل، ثم يقوم شخص أو مؤسسة بخرق هذه القوانين و حصرها بفئة معينة من النساء".

من جهة أخرى، ترفض سكينة المزاعم التي تدافع عن المنع بدعوى النظافة، مؤكدة أن "البوركيني يُغسل مباشرة بعد كل نشاط سباحة، ومصنوع من المادة نفسها المستخدمة لملابس السباحة الأخرى"، كما ترفض الرد على الاتهامات التي تعتبر البوركيني لباساً مثيراً لا يتناسب مع خصائص اللباس الإسلامي الذي تدافع عنه المحجبات، وتتشبث باعتبار اللباس حرية شخصية، ولا مبرر من منع المرأة من الاستمتاع بالسباحة وبالحياة.

ولمواجهة التمييز ضد النساء المحجبات، تقترح سكينة سن قوانين وعقوبات لزجر كل شخص أو مؤسسة تقوم بمنع المحجبات من السباحة/العمل أو أي شيء ذي صبغة تمييزية، آخذة على عاتقها العمل على محاربة كافة أشكال التمييز ضد النساء المحجبات في جميع مجالات الحياة.

لباس ساتر و "غير شرعي"

تقول الباحثة في الاجتهاد المعاصر وفقه النوازل رحمة معتز، في حديث لرصيف22، إن قرار المنع يشمل فقط المسابح والمنتجعات الخاصة، فيما لا يوجد أي اعتراض على السباحة بالبوركيني في المسابح العمومية والشواطئ، واصفة المنع بالجائر من الناحية القانونية وبالانتهاك لحرية الأشخاص، بما فيها حرية اللباس التي تضمنها القوانين الجاري العمل بها وخاصة دستور 2011. 

مع ذلك، تبدي الباحثة في الاجتهاد المعاصر وفقه النوازل ملاحظات حول البوركيني وطبيعته وشكله من الناحية الشرعية وفق خصائص اللباس الإسلامي للمرأة، وتقول: "الماركات الأولى من البوركيني تميزت بخصائص تجعله لا يَصف جسد المرأة ولا يلتصق به، عكس الماركات الأخيرة التي أُدخلت عليها تعديلات وأصبح ملتصقاً بجسد المرأة أثناء السباحة، مما قد يُعتقد منه أنه مجرد تغيير للون جسد المرأة فقط وهذا يتناقض مع التعاليم الإسلامية بشأن اللباس الشرعي".

وجواباً على تعليقات بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي التي تصف سباحة المحجبات في مسابح فيها رجال و"مظاهر العري" بأنها تتناقض مع تعاليم الدين الاسلامي، ترى الباحثة أن "الأمر يتعلق بمن يريد أن يُضَيّق على نفسه ويجعلها في حرج شرعي، ويمكن للمرأة المحجبة التي تراعي الاعتبارات الشرعية أن تستغني عن هذه المسابح لما تتضمنه من اختلاط وعري و تبحث عن فضاء بديل للسباحة، كالمسابح الخاصة بالنساء والشواطئ".

"لا مبرر للمنع لا في القوانين السماوية ولا في القوانين الوضعية، وكيفما كانت المبررات فهي غير مقبولة، لأن البوركيني صُنع من نفس مادة المايو، ولا يُمكننا بأي شكل من الأشكال قبول هذه القرارات المخالفة للدستور"... قصص مغربيات تعرضن للتمييز بسبب البوركيني

وبينما تستنكر رحمة قرار منع النساء من السباحة بالبوركيني باعتبار الأمر "حق دستوري وحقوقي وشرعي"، ترفض في المقابل استغلال الدين الإسلامي من طرف بعض المحجبات لفرض السباحة بالبوركيني في المسابح الخاصة المختلطة.

اعتداء على الحريات الشخصية 

في سياق متصل، تستنكر الناشطة الحقوقية كريمة نادر التضييق على المحجبات ومنعهن من السباحة بالبوركيني. ترأس نادر"ائتلاف 490" أو ما يُعرف في المغرب بجمعية "خارجة عن القانون"، وهي مبادرة نسائية حداثية تدافع عن حماية الحريات الفردية.

تقول نادر لرصيف22: "من جهتنا، نعتبر المنع تعدياً سافراً على الحريات الشخصية للأشخاص، ولا يمكن أن تفرض على سيدة لها قناعات معينة إما أن ترتدي المايو أو تمنعها من السباحة"، ثم تضيف "لا مبرر للمنع لا في القوانين السماوية ولا في القوانين الوضعية، وكيفما كانت المبررات فهي غير مقبولة، لأن البوركيني صُنع من مادة المايو المعروفة نفسها، ولا يُمكننا بأي شكل من الأشكال قبول هذه القرارات".

وتنتقد الناشطة الحقوقية ما وصفته برغبة بعض المستثمرين في تسويق صورة معينة عن المغرب لفائدة الأجانب تتوافق مع مواقفهم وآرائهم، فتقول: "إذا كان هؤلاء الأجانب فرضوا قانون منع البوركيني في بلدهم فليس من حقهم فرضه هنا في المغرب، وحتى منع البوركيني في بلدانهم يتناقض مع مبادئ الديمقراطية".

ورغم الاختلاف الأيديولوجي والنظرة إلى مفهوم الحريات بين "خارجة عن القانون" باعتبارها تدافع عن الحريات الفردية من منطق تحرري حداثي والمحجبات اللواتي يستندن إلى المرجعية الاسلامية، تؤكد نادر استنكارها التضييق على المحجبات، قائلة: "رغم أننا نعرف أنهن محافظات ويعارضن حرية المعتقد والعلاقات الرضائية، ويتحدثن عن الحرية حينما تتناسب مع مصالحهن ويتذرعن بالعادات والتقاليد حيناً آخر، لكننا لا نؤمن بالمنطق نفسه بل بالحريات في شموليتها، وبأنها كلٌ لا يتجزأ، وذلك بعيداً عن الاعتبارات السياسوية الضيقة". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image