في الوقت الذي يبرز فيه المرشحون الذكور، في الانتخابات المغربية المزمع تنظيمها في الثامن من أيلول/ سبتمبر الجاري، في الملصقات، والصور، وحتى الفيديوهات، جميعها، التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الأحزاب جميعها، بما فيها التقدمية والحداثية، تظهر صور أغلب النساء، بشكل محتشم، وفي الخلفية، وغالباً على الجهة اليسرى من الصورة، أو أسفلها، ودائماً بحجم أصغر من صورة الرجل، باستثناء حالات نادرة، يكنّ فيها وكيلات القوائم الجهوية.
غياب "الحداثة"
الأغرب، هو أن بعض الملصقات والمنشورات الانتخابية، تتضمن صوراً صغيرة لنساء متحجبات، وهذا حقهن طبعاً، لكن كثرة تلك الصور تثير الاستغراب والانتباه، خاصةً إذا ما تعلق الأمر بنساء ينتمين إلى أحزاب محسوبة على الاتجاه الحداثي واليساري. بل إن بعض الملصقات تظهر أسماء النساء فحسب، من دون إظهار صورهن، كما لو أنهن أشباح. فلمن سيصوت الناخب؟ وهل بالإمكان التصويت لامرأة شبح؟ أم هي حيلة من حيل المراوغة السياسية التي أغرقت الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والجماعية (برلمان وبلديات)، بأسماء كثيرة لنساء وذكور، لا قِبل لهن/ م بالممارسة السياسية، ولا نشاطاً سابقاً لهن/ م، في ذلك الحزب الذي يحملون اسمه، ولونه، ورمزه، في هذه الانتخابات، التي يراد لها أن تكون انتخابات التغيير والإقلاع السياسي، في المغرب؟
قائمة لتحالف فيدرالية اليسار
للأسف، ما تعرفه الحياة الحزبية من ظاهرة تغيير النواب لأحزابهم، والتي تُعرف بالترحال السياسي، والتنكيل بصور النساء المصغرة، في مقابل صور الرجال المضخَّمَة، زيادة عن اللزوم ببرمجيات التصميم، يجعل المتابع يتساءل عن هذا المشهد السياسي، وعن الشعارات التي تغنت بها الأحزاب التقدمية، قبل المحافظة، أو الإسلامية، من مساواة، وتحقيق لمبدأ المناصفة، وعن المجهودات التي تقوم بها الجمعيات، والمنظمات الحقوقية النسائية، لحث النخب السياسية على تفعيل مبدأ المناصفة الذي نص عليه دستور 2011 في المغرب، والذي يسقط من جديد في أول امتحانات سياسية في البلاد، بعد تقرير النموذج التنموي الأخير.
عنف مؤسساتي
منذ انطلاق الحملة الانتخابية في المغرب، ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك وتويتر، يسخرون من صور النساء المنشورة في القوائم الانتخابية، والتي تسيء إلى الأحزاب قبل النساء، ويتساءلون هل هي مجرد أسماء تكميليّة أريد بها تأنيث المشهد وتأثيثه فحسب، أم هي أسماء مختارة عن قناعة سياسية، وممارسة على المستوى الحزبي أولاً؟
غُيّبت النساء من القوائم الانتخابية المغربية بشكل كبير في الحملة الانتخابية، وصور بعضهم لم تنشر، ما تراه الحركة النسوية إذلالا وعنفا سياسياً
لكن إلقاء نظرة على مجموع تلك الأسماء النسائية، يُظهر أن غالبيتها أسماء جديدة، ولا علاقة لها، أو صلة، بالعمل السياسي البتة، في حين تم استبعاد مناضلات من مجموعة من الأحزاب بحجج واهية، كما هو الشأن مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وغيره من الأحزاب الأخرى المعروفة بمناضلاتها، وبتاريخهن في العمل السياسي، والحقوقي، ومن خلال الجمعيات.
ومن بين هؤلاء، النائبة البرلمانية المنتهية ولايتها عن حزب الاتحاد الاشتراكي، حنان رحاب، التي لم يرشحها الحزب مرة أخرى، على الرغم من أن كثيرين يرون أن حصيلتها في طرح العديد من القضايا المجتمعية ومتابعتها، تحت قبة البرلمان إيجابية. وهي لم تتردد في التعبير عن امتعاضها من التهميش الذي يطال المرأة، حتى في الصور المقدمة للمرشحات، إذ نشرت تدوينة على صفحتها في فيسبوك، تحتج فيها على هذا العنف المؤسساتي الممارس الذي تتعرض له النساء.
وأكدت رحاب في تصريح لرصيف22 أنه "يصعب القول إن مشاركة النساء في الانتخابات وصلت للمأمول منها، ويصعب كذلك أن نقول إنها لم تتقدم، لكن ما يؤسَف له، أنه في الوقت الذي تبدي فيه الدولة إرادة في توسيع مساهمة النساء في تدبير الشأن العام، وذلك ما يمكن ملاحظته مثلاً عبر التعيينات الملكية في مؤسسات كثيرة، نجد أن الأحزاب على اختلاف ألوانها، ومرجعياتها السياسية، لا زالت أسيرة نوع من الهيمنة الذكورية على القرار الحزبي. وهو ما ينعكس سلباً على صعيد ترشيحهن من الأحزاب. ولولا الكوتا الجهوية في الانتخابات التشريعية (تخصيص عدد معين من المقاعد النيابية للنساء)، والقوائم التكميلية في الانتخابات المحلية والجهوية، التي تم التوافق على تخصيصها للنساء، بضغط من الحركة النسائية، ومناضلات في الأحزاب، ومنتخبات، لكانت نسبة الترشح النسائية أضعف".
وأضافت رحاب أن بعض الأحزاب السياسية: "أخلّت بروح الكوتا النسائية، وعوض تخصيصها لمناضلات تدرَّجن في المسؤوليات الحزبية، تم تمريرها لنساء من خارج الحزب، بسبب علاقات عائلية ومصلحية".
تَشْيِيء المرأة
الشيء نفسه، عبّرت عنه رئيسة "فيدرالية رابطة حقوق النساء" في المغرب، سميرة موحيا، التي أكدت لرصيف22، أن صنّاع القرار، والفاعلين السياسيين في المغرب، لا يؤمنون بأهمية المشاركة السياسية للمرأة، وليس لديهم فهم صحيح لمبدأ المناصفة والمساواة، التي لم تتمثل روحها في النموذج التنموي الأخير، الذي لم يعدّها شريكةً في العمل التنموي، وتحدث عنها كفئة، مع الشباب، والثقافة، وغيرها، ولعل هذا أحد أسباب فشل النماذج التنموية السابقة، لأنه برأيها "لا نموذجاً تنموياً، أو استراتيجية حقيقية، من دون وجود المرأة".
وأشارت موحيا إلى إحصائيات حديثة للمندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة رسمية، تتحدث عن أثر العنف المبني على النوع الاجتماعي على التنمية في البلد، وهو الأثر الذي تم تحديده في 2.85 مليار درهم مغربي، "وهو مبلغ كبير كان من الأجدى صرفه على تحسين صورة المرأة في الإعلام، والعمل على إصلاح القوانين، وملاءمتها"، كما أكدت المتحدثة.
"الأحزاب على اختلاف ألوانها، ومرجعياتها السياسية، لا زالت أسيرة نوع من الهيمنة الذكورية على القرار الحزبي". وهو ما ينعكس سلباً على صعيد ترشيحها للنساء في الانتخابات المغربية
وعلى الرغم من المجهودات التي تقوم بها الجمعيات والمؤسسات النسائية في البلاد، وحملات التوعية من أجل النهوض بأوضاع النساء، وإحقاق المناصفة، فإن واقع الأمر ما زال على حاله، كما قالت رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء، بسبب "غياب إرادة سياسية حقيقية من أجل التغيير، وإشراك المرأة في العمل السياسي، وتدبير الشأن العام، لأنه من غير المعقول، ونحن في عام 2021، أننا ما زلنا نتعامل بالكوتا، كتمييز إيجابي، لتعزيز مشاركة النساء في العمل السياسي، في الوقت الذي كان من الممكن أن نقطع مع هذه الممارسات كلها، لو أن لدينا قوانين تحمي النساء، وتدعمهن، وتحميهن من الشطط، في مدونة الأسرة، وغيرها من القوانين، كالقانون الجنائي الذي ما زال يزكّي تَشْيِيء المرأة".
تنمّر وحضور إعلامي باهت
وإلى جانب الصور المسيئة إلى المرأة المرشحة في الانتخابات، والمتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي، التي تنمّر البعض منها عليها، والحط من قيمة المرأة، والتركيز على جسدها، ومفاتنها فحسب، من دون التركيز على مستواها العلمي، مثلما حدث مع مرشحة حزب "البيئة والتنمية المستدامة"، فإن الحضور الإعلامي للمرشحات في القنوات التلفزيونية المغربية كان باهتاً. هذا ما أكدته الإعلامية المغربية أمينة غريب، من القناة الأولى التي تهتم بقضايا المناصفة، والنوع الاجتماعي.
تحولت النساء في الكثير من القوائم الانتخابية لتشريعيات المغرب إلى "شيء" يزّين اللائحة، وبدت في آخر اهتمامات الأحزاب المتصارعة. هل هي نكسة لصورة المرأة في الرقعة السياسية المغربية؟
وأوضحت غريب لرصيف22، أنه على الرغم من الحضور المكثف للنساء على القوائم الانتخابية، وإغراق المشهد بالكثير من الأسماء والوجوه، فإن حضورهن في الإعلام، في الترويج لبرامج الأحزاب، أو المساهمة في النقاش السياسي الدائر، كان باهتاً.
وأضافت الإعلامية: "بعد إلحاحٍ من قسم الأخبار في القناة الأولى، على مسؤولي الأحزاب، وتنبيههم إلى هذا الحضور الباهت للنساء المرشحات في وسائل الإعلام، اهتدت إدارة الأخبار إلى تخصيص فقرة "عيون نسائية"، كي تضمن مشاركة النساء، إذ تم الاتفاق مع الأحزاب على إرسال نساء كي يشاركن فيها. ولولا إصرار مديرية الأخبار، لما كان هناك حضور للنساء على مستوى الإعلام التلفزيوني، وفي نقاش البرامج الانتخابية".
إحدى قوائم حزب الاستقلال
وعبّرت غريب عن انزعاجها وحرقتها من تسونامي الصور التي تخترقنا يومياً، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تضع النساء في مجموعة من الكليشيهات، والصور النمطية التي لطالما تمت محاربتها، ولكنها للأسف ما زالت راسخة في أذهان السياسيين، وقالت في هذا الصدد: "معظم الصور تكشف عن عقلية تمس النساء في كينونتهن، وفي قدراتهن، وفي كفاءاتهن. فما شاهدناه حتى من أحزاب تدعو إلى المناصفة والحداثة، هو نوع من عدم الاحترام والتقدير للمرأة التي ظهرت بشكل محافظ جداً، وبحجاب مقنّع، لغرض سياسي، وليس بحجاب نابع عن قناعة، واختيار شخصي، وهو ما نحترمه جداً. هذا بالإضافة إلى تغييب صورتها، بتلك الطريقة المشينة، التي إن دلت على شيء، فإنما تدل على أن الأحزاب محرجة، وملزمة بتطبيق الفصل الـ19 من دستور 2011، ولو بهذا الشكل المشوّه".
وأسرّت أمينة غريب لرصيف22، أنها كانت تتمنى لو لم تتقدم النساء إلى هذه الاستحقاقات الانتخابية، لأنهن قُدِّمن بصور تُقزِّمهن، وصور تمس كرامتهن أكثر من إشراكهن في العملية السياسية، وصور كرست النمطية، وجعلتنا نتساءل هل نحن فعلاً في مجتمع حداثي بمكوناته كلها، نساءً ورجالاً؟".
وخلصت غريب إلى أن حملة الانتخابات برهنت على أنه "يجب أن نعمل على القضية النسائية بعمق، وانتزاع العديد من الحقوق، ومطالبة الأحزاب بإعادة التفكير في طريقة اشتغالها، ودمج النساء في العمل السياسي، وعدم تقسيم الحزب إلى قطاعين، نسائي ورجالي، بل يجب الحديث عن مناضلين سواء أكانوا رجالاً أو نساء".
وحمّلت أمينة غريب النساء المرشحات جزءاً من المسؤولية في ما لحقهن من إساءة، داعيةً إياهن إلى العمل على صورتهن، وعدم القبول باجترار تلك الصورة النمطية، وخلخلة المجتمع المغربي، الذي أصبح يعيش ردّة كبيرة، وينحو نحو المحافظة في ما يخص النساء فحسب، والتساؤل: ماذا نريد من النساء مستقبلاً؟
وتجدر الإشارة إلى أن المرشحات من النساء لانتخابات مجلس النواب في المغرب (الغرفة الأولى في البرلمان)، بلغن 2329 مرشحةً من مجموع 6815 ترشيحاً، وهو ما يمثل نسبة 34.17 بالمئة من إجمالي المرشحين، وذلك حسب بيانات رسمية، فيما وصل عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية إلى ما يقارب 18 مليون شخص، 46 بالمئة منهم من الإناث.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com