شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
بيزنس العقارب… لعنة الجنوب الليبي

بيزنس العقارب… لعنة الجنوب الليبي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 30 أغسطس 202104:15 م

تعاني المناطق الواقعة في نطاق ست عشرة بلديّة، على امتداد المنطقة الجنوبية من ليبيا، من غزوات موسمية من العقارب البريّة الموجودة في المنطقة، منذ سنوات عديدة. لكنّ الأمر حمل ملامح مختلفة بعد الثورة، إذ انعدمت طرق المكافحة الحكوميّة التي كانت تطبَّق سابقاً، للحد من وجود العقارب، وتعمل على مكافحة ما تتركه من آثار صحية على أجساد ضحاياها.

أمّا الإضافة التي جعلت للتحدّي وقعاً آخر، فهي مزارع العقارب، المقامة على الخطوط الحدودية لبعض البلديّات التي تكتظ بالعقارب البريّة.

فارقوا الحياة لانعدام الرعاية الطبية

مرعي، ورونق، وفاطمة، وخديجة، أطفال صعدت أرواحهم إلى بارئها، وتعاقبت وفاتهم بين الثامن، والـ15 من آب/ أغسطس الجاري، إثر إصابتهم بلدغات العقارب الموجودة في المنطقة.

انعدام المصل المضاد، وضعف الكادر الطبي، أنهيا حياة الأطفال سريعاً، فقد أمضى مرعي مدّة لا تتجاوز الأربع والعشرين ساعة، قبل أن يفارق الحياة داخل مشفى بلدية براك الطبي، بعد أن وصل به والده إلى هناك، ليجد الطاقم الطبي يبلغه بأنّهم لا يملكون شيئاً لمساعدته، بينما رحلت رونق وفاطمة سريعاً، في سويعات، قبل أن يتم نقلهم إلى المشفى الذي يبعد عنهم مئات الكيلومترات. هذا العجز، وصفه حامد سوسي، أحد نشطاء مدينة براك الشاطئ، لرصيف22، بأنّه أمر اعتادوا على تكرره كل عام، من دون أن تحرّك الجهات المسؤولة ساكناً.

وأشار حامد إلى أنّ خبر وفاة الطفل مرعي، أشعل فتيل الغضب الاجتماعي الذي حمّل حكومة الوحدة الوطنية، ووزارة الصحة المنضوية تحتها، المسؤولية الكاملة في ضعف الكوادر الطبيّة، ونقص الأمصال، بإطلاق بيان مدني من أجل المساءلة، وبدء التحرّك لمعالجة هذه الآفة.

مزارع تربية العقارب... بين المطالب والتنفيذ الخفي

خلال السنوات الأخيرة، انتشرت شائعات حول وجود مزارع مخصصة لتربية العقارب، في الخط الجنوبي، وظلّت حقيقة الأمر بين التأكيد والنفي، ويقول عميد بلديّة براك الشاطئ الحاج الجيلاني، لرصيف22، عن حقيقة وجودها: "العقارب لا توجد إلا في المناطق الصحراوية، والأحراش المليئة في المدن، الواقعة داخل المنطقة الجنوبيّة في ليبيا، أما المناطق الآهلة بالسكان، فلا توجد فيها هذه المزارع بالشكل الواضح والمعروف، خوفاً من ردود فعل السكان، لذا فإنها تُنشأ على الخط الصحراوي البعيد".

وتُعدّ مزارع العقارب مشروعاً مربحاً للكثيرين من أهل الجنوب، إذ إنّ استخراج سمّها، مصدر لمال وفير لهم، لكن نظراً إلى الإهمال المتعمّد من الدولة، فإن الفكرة تُطبّق بشكل خفي، وبطريقة عشوائية، وأيضاً بإمكانات بسيطة، خصوصاً وأن أجهزة استخلاص الأمصال تُعد عالية الكلفة، وتحتاج إلى فنيات معينة لتشغيلها.

المزارع المنشأة حالياً، ما هي إلا إضافة إلى سقف التحدّي الذي تواجهه المناطق المتضررة، في ظل انعدام الدعم الحكومي، من أجهزة مكافحة، ودعم طبيَين. خلال العام الجاري، "حاولنا مراسلة الحكومة مراراً حول ضرورة توفير المصل، ولكنّ الردود كانت دوماً تأتي بأن العجز في الميزانية هو ما يعيقهم، وهذا مبرر لا نستطيع القبول به، ونحن وحدنا في مواجهة هذه الآفة" يضيف الجيلاني.

تُعدّ مزارع العقارب مشروعاً مربحاً للكثيرين من أهل الجنوب، إذ إنّ استخراج سمّها، مصدر لمال وفير لهم، لكن نظراً إلى الإهمال المتعمّد من الدولة، فإن الفكرة تُطبّق بشكل خفي، وبطريقة عشوائية، وأيضاً بإمكانات بسيطة

انعدام توافر الأمصال، والمسافات الشاسعة التي يقطعها المصابون، جعلا التحديات تزداد صعوبة على المواطنين، حتى وصلت بهم السبل إلى إطلاق حملة تبرعات ذاتيّة في الحادي عشر من آب/ أغسطس الجاري، تحت اسم "ترياق الجنوب"، لتوفير الأمصال للمنطقة، ودعم المؤسسات الصحيّة التي تعاني من النقص.

أمصال أم استعداد طبي؟

يعمل سم العقارب عند دخوله الدورة الدمويّة، على تثبيط عمل الأجهزة كلها، عن طريق مجرى الدم، وهو ما يؤدّي إلى الوفاة في آخر المطاف. وتختلف تأثيرات السم على الأشخاص، باختلاف أعمارهم، وقوّتهم البدنيّة، وتأثّرهم النفسي به، فالكثيرون تلازمهم حالة من الهلع حين تعرّضهم للدغة عقرب، الأمر الذي يضاعف مرحلة الخطر التي يمرّون فيها، ويزيد من إمكانيّة توغّل السم في الأجهزة الحيوية.

يحاول أهل المناطق الجنوبية التعامل مع لدغات العقارب، بما يملكون من علاجات بسيطة، مثل بعض الأدوية الشعبية، وبعض التقنيات التي توارثوها في التعامل مع السم، فقد يمضي بعضهم أياماً في اصطياد العقارب، للحد من وجودها في محيط منازلهم، لتأمين أسرهم وأطفالهم من هذه الآفة

إنصاف عمر (24 سنة)، طبيبة مختبرات طبية، ومسعفة في مدينة أوباري، تحدثت لرصيف22، عن الطبيعة الطبية التي يتم التعامل بها مع المصاب عادةً، وعما يجب فعلاً تطبيقه، واصفةً تقنية "الحجامة" بالحل الأفضل: "مع الأسف، يرجع الجميع في آلية التعامل مع الحالات إلى المصل فحسب، ويتناسون أنّ الإسعاف الأولي قد ينقذ الحالة، من دون اللجوء إلى المصل، وفي حالات عديدة، يكون اللجوء إلى المصل سيئاً، أكثر منه نافعاً، فمن البروتوكولات المستعملة في إعطاء الأمصال، إجراء اختبار الحساسية، للتأكد من أن المريض لا يعاني من حساسية تجاه تركيبة المصل، الأمر الذي يجعل المريض يدخل في مرحلة جديدة من الخطر الطبي، وننصح عادة، كمسعفين، بأهميّة تطبيق الإسعاف الأولي، أو ما يعرف شعبياً بالحجامة، وهي استعمال مشرط صغير لخلق شرخ في الجلد، وإرجاع السم في عكس اتجاه دوران الدم، للحد من انتشار السم في جسد المصاب، وضمان استقرار حالته الصحية، بما يجعله يجتاز مرحلة الخطر".

جهود شخصيّة لكن غير كافية

يحاول أهل المناطق الجنوبية التعامل مع لدغات العقارب، بما يملكون من علاجات بسيطة، مثل بعض الأدوية الشعبية، وبعض التقنيات التي توارثوها في التعامل مع السم، فقد يمضي بعضهم أياماً في اصطياد العقارب، للحد من وجودها في محيط منازلهم، لتأمين أسرهم وأطفالهم من هذه الآفة، مثلما نشر الناشط صديق محمد على تويتر، موضحاً الكم الهائل الذي من الممكن حصره، في أثناء القيام بعملية اصطياد واحدة.

على الرغم من أعداد الوفيّات التي تحصدها حالة هياج الآفة، كل عام، إلا أنّ تعامل الجهات المختصّة يكاد يكون معدوماً، فقد نشرت وزارة الصحة في حكومة الوحدة الوطنيّة منشوراً توعوياً، عبر صفحتها على فيسبوك، في الوقت الذي طالب فيه المواطنون بتفعيل دور أجهزة الإمداد الطبي، في إيصال الأمصال التي تُعد أهم من التوعية، بالنسبة إليهم في الوقت الحالي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image