من تحت القصف في درعا، جنوب سوريا، إلى العيش في أحد أكثر أحياء بيروت فقراً، فإلى تجسيد دور البطولة في الفيلم اللبناني كفرناحوم، ثم إلى السجادة الحمراء في مهرجان كان السينمائي حيث عُرض الفيلم حاصداً في ختامه تصفيقاً استمر نحو 13 دقيقة، فالأوسكار وصولاً إلى عالم مارفل السينمائي حيث تُروى قصص خيالية لأبطال خارقين.
هكذا يمكن اختصار رحلة اللاجئ السوري زين الرافعي (13 عاماً) الذي أعطى "الطفولة" فرصة أُخرى، منذ مشاركته في فيلم كفرناحوم للمخرجة اللبنانية نادين لبكي، مجسداً فيه دوراً لا يختلف كثيراً عن دوره في حياته ما قبل الفيلم الذي تناول قضايا اجتماعية قاهرة كعمالة الأطفال والزواج المبكر وانعدام الجنسية والفقر.
النقلات اللافتة مستمرة في حياة زين. لم تقف عند انتقاله إلى النرويج ولا عند وصول فيلم كفرناحوم إلى القائمة القصيرة لترشيحات جوائز الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي، إذ أعلنت الممثلة الأمريكية ذات الأصول اللبنانية سلمى حايك في 17 نوفمبر/تشرين الثاني عن مشاركة زين في فيلم "The Eternals" (الأبديون) الذي يعود إلى سلسلة أفلام عالم مارفل الخيالية. وبذلك يصبح الفتى الموهوب أوّل لاجئ من سوريا يلعب دور بطل خارق في السلسلة المعروفة.
وعلقت لبكي على الخبر بالقول: "قلبي يكاد ينكسر. أشعر بالسعادة".
وتفاعل جمهور حايك كذلك، فقال أحدهم عن زين: "إنه البطل الخارق الحقيقي"، واعتبر آخر أن "زين يُمثل كل طفل سوري". ولاحظ كثيرون الكوفية، أو "الحطة" الفلسطينية التي يضعها زين على عنقه، وهذا ما دفعهم للقول "فلسطين حرة" و"تحيا فلسطين".
هل ما يجري مع زين حالياً نوع من أنواع "التعويض"؟ تعويض عن طفولة شاهدة على حرب ولجوء؟ أو تعويض عن العيش في الفقر والحرمان من الذهاب إلى المدرسة؟ أو الاثنان معاً؟
فرّت عائلة زين من درعا عام 2012، وهو في السابعة من عمره، بعد إتمامه الصف الأول، بحثاً عن الأمان في لبنان، تحديداً في أحد أكثر الأحياء فقراً في بيروت، قبل أن تنتقل بعد ست سنوات إلى النرويج عقب قبول إعادة توطين العائلة بمساعدة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وكانت المفوضية قد قالت إن زين "ينام منذ ستة أعوام مع والديه وثلاثة أشقاء على فرشات رثة على الأرض في شقتهم الضيقة والباردة".
وتم اللقاء الأول بين لبكي وزين في أحد شوارع بيروت، ثم اختارته بطلاً للفيلم. تشرح لبكي: "عندما رأيت زين كان من الواضح أنه سيكون بطل الفيلم. هناك حزن ظاهر في عينيه وهو يعرف المعاناة التي نتناولها".
معاناة زين وصلت إلى مهرجان كان السينمائي عام 2018، بعد تصوير 500 ساعة خلال 6 أشهر، ومونتاج دام سنةً ونصف السنة. وتلا مشاهدة الفيلم تصفيقٌ استمر نحو 13 دقيقة، قبل أن يُعلن فوزه في نهاية الدورة من المهرجان بجائزة لجنة التحكيم، في حضور زين بكامل أناقته، وزغاريد لبكي.
قال زين آنذاك: "شعرت بأنني عاجز عن الحركة تماماً. لم ألقَ يوماً تصفيقاً حاراً كهذا، وكان ذلك أفضل ما في الحفل".
من تحت القصف في درعا، جنوب سوريا، إلى العيش في أحد أكثر أحياء بيروت فقراً، فإلى تجسيد دور البطولة في كفرناحوم، ثم المشي على السجادة الحمراء في مهرجان كان السينمائي، فالأوسكار، وصولاً إلى عالم مارفل السينمائي حيث تُروى قصص خيالية لأبطال خارقين
هل ما يجري مع زين حالياً نوع من أنواع "التعويض"؟ تعويض عن طفولة شاهدة على حرب ولجوء؟ أو تعويض عن العيش في الفقر والحرمان من الذهاب إلى المدرسة؟ أو الاثنان معاً؟
نهاية سعيدة؟
وعقب عودة زين من مدينة كان الفرنسية بفترة قصيرة، تلقت أسرته رسالة من المفوضية أُبلغت فيها بإمكان إعادة توطينها في النرويج.
بينما كانت تستعد العائلة للانتقال إلى النرويج. © UNHCR/Sam Tarling
وبرغم ما مرت العائلة به في لبنان، أشارت المفوضية إلى أن "المغادرة لم تكن سهلة" إذ كانت ليلة وداع الحيّ حزينة جداً. ونقلت عن زين ليلتذاك: "أنا سعيد وحزين في الوقت نفسه. سأشتاق إلى أبناء أعمامي هنا ولكنني هناك سأتمكن من الذهاب إلى المدرسة وتعلم القراءة والكتابة".
ولفتت إلى أن زين بدأ يتأقلم رفقة عائلته مع الحياة الجديدة في النرويج، وأصبح لديه سرير ينام عليه ويذهب إلى المدرسة، مشيرةً إلى أنه في عداد أقل من 1% من العائلات اللاجئة التي تحصل على فرص بدء حياة جديدة في بلد ثالث.
أما لبكي، فقد ودّعت زين برسالة تقول فيها: "لم يكن زين سورياً، أو لبنانياً، أو نرويجياً، أو مسيحياً، أو مسلماً. كان طفلاً يدفع ثمن حروبنا السخيفة من دون أن يدري سبب وقوعها". ولفتت إلى أنه بكى أثناء وداع مُخيمه في لبنان، وقال لها إنه سيفتقد "أصدقاءه والعصافير وبيروت وحياته فيها برغم الخوف والصعوبات"، إلا أنها متيقنة من أن "مستقبلاً فريداً" سيكون في انتظاره في النرويج لأنه "يحمل كل القوة والحكمة".
وكان للبكي وزين لقاء في لوس أنجلوس في فبراير/شباط لدى حضور جوائز الأوسكار على أمل الفوز عن فئة أفضل فيلم أجنبي، إلا أن الفيلم لم ينل الجائزة. عام 2020، سيطلّ زين بحلّة جديدة على العالم، ولكن هذه المرة في سلسلة عالم مارفل.
يشبه حال زين النهاية السعيدة. بدأت قصته مأسوية في الفيلم، وانتهت مُنتصرة على الظلم، لا في الفيلم، بل في الواقع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...