تخبرني إحدى الصديقات، أنها أصبحت ترى حربها ضد النظام الحاكم، وهماً، إذ أدركت أن حربها الحقيقية هي ضد الذكورية. وهذا ما استنتجته أنا أيضاً. فنحن تعاونّا مع رفاق ذكوريين؛ يستخفون بقضايانا، وبمعاركنا اليومية، هم أولئك الذين لا يضعون مسألة حقوق النساء في قائمة اهتماماتهم. عام 2010، كنت في الثالثة والعشرين من عمري، وأعاني من سلطة الأهل. كنت ساخطةً على الأوضاع العامة في البلد، والتي ظننت بأنني، مع انتهائها، سأتحرر من هذه السلطة، وبأن تحرري الشخصي، سيبدأ من تحرير الدولة. كانت رياح التغيير تهب، وحادثة مقتل خالد سعيد قد أشعلت الغضب في نفوسنا. قررت الانضمام إلى إحدى الحركات السياسية، والجمعية الوطنية للتغيير. كنت أجوب الشوارع لتوزيع بيانات الجمعية الوطنية على الناس، وهو الأمر الذي انتهى باعتقالي لمدة 24 ساعة، مسبباً زيادة سيطرة أهلي عليّ، وقمعهم لي.
كنت في الثالثة والعشرين من عمري، وأعاني من سلطة الأهل. كنت ساخطةً على الأوضاع العامة في البلد، والتي ظننت بأنني، مع انتهائها، سأتحرر من هذه السلطة، وبأن تحرري الشخصي، سيبدأ من تحرير الدولة.
لكن ماذا يعني أن تعمل فتاة في الشأن العام؟ تتعرض النساء اللواتي يعملن في الشأن العام لكثير من المضايقات، إذ يظن الكثيرون أن من حق أي شخص لمسهن، لكونهن متحررات. لذا، نجد أن هذه الحركات لا تعبأ تماماً بحقوق النساء، فالمعركة الأساسية مع النظام تجيء أولاً. رأيت أشخاصاً يحملون آراءً ثورية في السياسة فحسب، لكن علاقتهم بالنساء ملخصها التعنيف، والخيانة، والتلاعب النفسي. قابلت أشخاصاً يحملون آراءً تقدمية، ويملؤون محيطهم بالتنظير عن حرية النساء، وضرورة امتلاكهن لأجسادهن، لكن عندما يتعلق الأمر بشريكاتهم، يشعرون بالتهديد، ويقمعوهن.
قامت الثورة، وشارك فيها الجميع، نساءً ورجالاً. لكننا سنسمع كثيراً بعدها عبارة: "هذا ليس وقت حقوق النساء". وغالباً، لن يجيء وقت حقوق النساء أبداً، فقد رفع البعض شعار الدستور أولاً، أو الفقراء أولاً، لكن النساء لم تكن على قائمة أوليات أحد. فاتّبعوا أسلوب: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. كنا وحيدين في معاركنا، لم يدعمنا أحد فيها، لا مع أهلنا، ولا في خلع الحجاب، ولا في استقلالنا. على العكس، حاول الأصدقاء استغلالنا، كوننا فتيات "متحررات". حتى عند تعرض بعض النساء للتحرش، في ميدان التحرير، بعد الثورة، كان الثوار يخبرونهن بأنهن سيسئن إلى سمعة الميدان. فالميدان يجيء أولاً، قبل أجسادكن.
بعد حين، سنسمع عن بعض الاتهامات للعاملين في المجال الحقوقي، بالتحرش، والاغتصاب. اعترف البعض بأنهم قاموا بالتحرش، واستغلوا سلطاتهم. سنعرف أيضاً عن حقوقيين معنِّفين لزوجاتهم. أتذكر قيام إحدى الحركات السياسية بتنظيم مظاهرة أمام وزارة الداخلية بعد الثورة، رفع فيها المتظاهرون ملابس داخلية نسائية، محاولين بهذا إهانة أفراد الشرطة من خلال تشبيههم بالنساء! الأمر الذي أغضب الكثيرات من النسويات، فما كان من مسؤول في الحركة إلا أن ردّ عليهن بقوله: "إحنا مش فيمينست".
نجد أن هذه الحركات لا تعبأ تماماً بحقوق النساء، فالمعركة الأساسية مع النظام تجيء أولاً. رأيت أشخاصاً يحملون آراءً ثورية في السياسة فحسب، لكن علاقتهم بالنساء ملخصها التعنيف، والخيانة، والتلاعب النفسي
بسبب حراك النسويات، وظهور شهادات عن تعرض بعضهن للتحرش الجنسي، في قلب منظمات المجتمع المدني، استفاقت بعض مؤسسات العمل الحقوقي في مصر، فبدأت مؤسسة حرية الفكر والتعبير بالعمل على سياسة مناهضة العنف الجنسي، في 15 نيسان/ إبريل 2021، وذلك بعد اتهام أحد الباحثين في المؤسسة، بالتحرش الجنسي، واعترافه بالفعلة. وأوضح بيان للمؤسسة أنه تم في السنوات الأخيرة تشكيل عدد من لجان التحقيق، للنظر في الشكاوى المرتبطة بالعنف الجنسي، ولإثباتها، والتحقق من وقوعها. واستندت سياسة المؤسسة في الوقوف ضد العنف الجنسي، إلى مسودة طرحها حزب العيش والحرية. وكان اتُهم عضوان منه أيضاً بالتحرش، والاغتصاب. وتقول مسودة حزب العيش والحرية أنها تتبنى مبدأ عدم التسامح مع العنف الجنسي، ووضعت قواعد تنظيمية تساعد الناجيات على الإبلاغ. بدوره، وضع موقع المنصة الذي تديره الصحافية نورا يونس سياساتٍ، وآلياتٍ، لضمان بيئة عمل آمنة.
لست ساذجة، وأعرف أن الدولة كيان ذكوري أبوي، وأنه لن تكون هناك ثورة من دون تغيير قانون الأحوال الشخصية، كما قالت الراحلة نوال السعداوي. لكني أيضاً لن أتورط مجدداً في الاصطفاف مع ثوار لا يرون في حقوق المرأة أولويةً، أو مع ترشيح رئيس يساري لا تقع حقوق النساء في سلم أولوياته، أو ذكوريين لا يختلفون كثيراً عن الدولة. لن أقع في فخ التعميم، لكني لن أصطف مع ثوار معنِّفين، ومتحرشين، ومغتصبين. نعم، أعاني من الخوف من السجن، وأخاف على أصدقائي منه، لكن أولوياتي الثورية تغيرت. أولوياتي الآن أن يكون جسدي آمناً، وألا أتعرض للتحرش، أو التعنيف، أو الخيانة، ولن يكون ذلك أمراً بسيطاً إن اقترفه شخص ثوري. كما أنني لن أدعم معنِّفاً، لأنه ثوري. لن أدعم سوى النساء في معاركهن، التي هي معركتي أيضاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...