شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
تحرش في العمل وعنف في المنزل... صحافيات عراقيات يُحاربن على جبهات عدة

تحرش في العمل وعنف في المنزل... صحافيات عراقيات يُحاربن على جبهات عدة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 3 نوفمبر 202001:19 م

"في عام 2018، بدأت العمل مع قناة الحدث الإخبارية العراقية كمقدمة لبرنامج سياسي، وبعدها تم تغيير البرنامج إلى اجتماعي وسط ضغوط تعرضت لها من مدير القناة"، تروي الإعلامية أميرة الجابري قصتها مع ما تواجهه نساء كثيرات من العاملات في مهنة الإعلام في العراق.

تحكي الجابري لرصيف22 أن مدير القناة محمد هميم تحرش بها لفظياً مرات عدة، كما طلب منها مرة فتح الكاميرا وهي في المنزل، وهو ما دعاها للاستعانة بصديق صحافي كي يساعدها في جمع أدلة واضحة على ما تتعرض له من تحرش، لا سيما وأن "أصحاب السلطة والنفوذ قادرون على تحويل المظلوم إلى مذنب"، كما تقول.

بعد أن قدمت استقالتها، كتبت الجابري على صفحتها عبر فيسبوك ما جرى معها، وهو ما تقول إنه فعل يحفظ حقها أكثر من اللجوء إلى الجهات المعنية. ولتأكيد كلامها، تخبر أنه بعد استقالتها من القناة التقت صدفة بنقيب الصحافيين مؤيد اللامي، فدار حديث بينهما سألته فيه عن الإجراءات القانونية التي تتبعها النقابة إزاء التحرش بالصحافيات، فكان جوابه كما تنقل عنه الجابري أنه "لا توجد حالات مسجلة لدينا إلى الآن"، بينما التزم الصمت حين أطلعته على قصتها.

أميرة الجابري

نور النعيمي هي إعلامية ومذيعة أخبار في إحدى القنوات الفضائية العراقية. تروي بدورها ما تعرضت له من قبل أحد مدراء المؤسسات الإعلامية، فتشير إلى أنه قال لها بالحرف: "أمارس الجنس معك مقابل الترقية في العمل".

قال لها المدير: "أمارس الجنس معك مقابل الترقية في العمل"... هذا ما ترويه مذيعة عراقية عن التحرش بها في مكان عملها، لتضم قصتها إلى قصص صحافيات عراقيات يواجهن مواقف حرجة مماثلة، ولا يكشفن عنها خوفاً من المجتمع ومن العقاب المهني في ظل غياب قانون يحميهن 

تشير النعيمي، في حديثها لرصيف22، إلى أنها التزمت الصمت ولم تخبر أحداً عن عرض المدير، لكنها في المقابل لم تقدم استقالتها ودأبت على ممارسة عملها بإتقان كي تثبت مؤهلاتها من دون الحاجة للمساومة أو الابتزاز، على حد قولها.

نور النعيمي

موقف شبيه تعرضت له رقية، وهي مقدمة برامج إذاعية ومخرجة. تروي لرصيف22 أنها كانت تعمل في إحدى الإذاعات المحلية كي تعيل عائلتها، فتقول: "كان راتبي هو مصدر رزق العائلة الوحيد، فأبي رجل كبير في السن ومصاب بداء السكري، لكن في أحد الأيام عمد صاحب المؤسسة إلى التحرش بي وحاول ممارسة الجنس معي، فقلت له أنت بمثابة أبي فكيف تفعل ذلك وأبي مراراً قال لك ابنتي أمانة عندك"، مضيفة "فوجئت في اليوم الثاني أن المؤسسة تخلت عن خدماتي، فقررت أن أترك الإعلام نهائياً".

قانون لا يحمي

في حديثها لرصيف22، تخبر رئيسة "مركز حماية الصحافيات العراقيات" لمياء العامري عن دور المركز الذي تأسس عام 2019 ويضم عدداً من الصحافيات من مختلف محافظات العراق، وفيه عيادة قانونية تتكون من خمسة محامين ومحامية.

وتشير العامري إلى أنه بعد تعرض عدد من الصحافيات إلى التحرش والابتزاز الجنسي، تواصل المركز مع وزارة الداخلية لمتابعة قضيتهن، لكن يبقى أن صحافيات كثيرات يخشين البوح بسبب قيود المجتمع، في وقت لا يحميهن القانون ويستمر عدد كبير من المسؤولين بالنظر إليهن كسلعة.

من جهته، يشير رئيس التحرير في موقع NET عربية عبد الكريم الحمداني، في حديثه لرصيف22، إلى "افتقار المؤسسات الإعلامية الخاصة في العراق إلى وجود قوانين صارمة تحاسب العاملين لديها في حال حصول حوادث تحرش، بينما تكتفي الإدارة في بعض الأحيان بالتنبيه فقط، باستثناء بعض المؤسسات التي ترتبط إداراتها بمؤسسات عالمية، أما في المؤسسات الحكومية فرغم أن القوانين موجودة لكنها غير مفعلة".

"أخي ضربني وأخو زوجي هددني بالقتل"

هذا الواقع يدفع بعائلات فتيات كثيرات إلى رفض عملهن في مجال الإعلام، كما حصل مع رند، وهي صحافية وناشطة في مجال حقوق المرأة في محافظة كربلاء.

تروي رند لرصيف22 ما تعرضت له من عنف بسبب خيار العمل في مجال الإعلام، قائلة: "اختصاصي ليس الإعلام، لكن الذي جعلني أدخل المجال هو السعي لنقل رسالة إنسانية، علماً أن الصحافيات في مناطق الوسط والجنوب اللواتي يمارسن هذه المهنة هن قلة".

تقول: "كانت بداية عملي عام 2012 من خلال تقديم برنامج إنساني. في البداية، لم تكن أسرتي تعرف أنني أعمل في المجال، وحدهما زوجي وأمه كانا على علم بما أقوم به حيث كنت أقدم برنامجاً أسبوعياً باسم مستعار، لكن في إحدى المرات سمع أخي صوتي عبر الإذاعة المحلية، فاتصل بزوجي وهدده بضرورة أن أترك العمل وإلا سيأتي ويعيدني إلى منزل أهلي، وبعدها تطور الأمر إلى مشاكل بينهما، حتى أتى إلى منزلي الزوجي وضربني ضرباً مبرحاً أقعدني في المنزل ما يقارب الثلاثة أشهر".

بعد أن تمكنت رند من المشي مجدداً، قررت العودة من جديد إلى العمل، بدعم من زوجها ووالدته. كانت علاقتها قد قطعت بأهلها تماماً، لكن لم تتوقف الضغوط عند ذلك الحد، إذ تُخبر: "بعدما علمت أسرة زوجي بأمر عملي في الإعلام، اتصل بي أخوه الأكبر مهدداً إياي بالقتل إن لم أترك عملي الذي يعتبره عاراً عليهم، ثم قام والد زوجي بطردنا من المنزل وانقطعت صلتنا بهم أيضاً، إلا مع أمه التي تأتي لتزورنا خفية".

وتختم رند كلامها بالقول: "زوجي يعلم أنني قدمت من خلال عملي الكثير من الأمور الإنسانية، ويدرك أهمية أن أساعد المرأة في أن تدافع عن حقها في المحاكم، وأن تعرف ماذا تعني النفقة، وكيف تدرس في المنزل وتحصل على شهادة من خلال التقديم على الامتحان الخارجي، وغيرها من المواد التي تساعدها على تحصيل حقوقها".

بين القبلية وغياب الفرص

"المجتمع العراقي مجتمع قبلي تحكمة العشائر"، هكذا تقول الباحثة الاجتماعية وطبيبة الأسرة حوراء الموسوي لرصيف22 في إشارة إلى أن "العيب في المجتمع أكثر من الحرام، حيث نلاحظ أن المجتمع لا زال بنسبة كبيرة يرفض ظهور المرأة في مجال الإعلام".

من هنا تشير الموسوي إلى "عدد من النقاط ينبغي التركيز عليها"، منها أن "يدخل دور منظمات المجتمع المدني من خلال ندوات وتوعية المجتمع أن من حق المرأة ممارسة عملها، خاصة في مجال الإعلام كونه وظيفة مهمة وإنسانية".

وتعتبر الموسوي أن من الضروري أن تأخذ العاملة في المجال قراراً بالوقوف في وجه كل من يصدها عن عملها وتثبت أن الإعلام رسالة إنسانية، في مقابل توفير الجهات الرسمية فرصاً لخريجات الإعلام حتى يشعر الأهل أن ابنتهم في المكان المناسب.

بموازاة ذلك، تركز الموسوي على ضرورة تفعيل القوانين التي تحمي الصحافيات، بموازاة تعزيز فانون العنف الأسري الذي يحمي النساء بشكل عام.

رسل صحافية من محافظة نينوى تبلغ من العمر ثلاثين عاماً، تتحدث كذلك لرصيف22 عن أهم الصعوبات التي تواجه عملها، فتقول: "لسوء الحظ، رغم الخبرة في مجال العمل لا توجد فرصة لنا، حيث تخرجت من الجامعة بدرجة امتياز لكن أغلب المؤسسات الإعلامية متمركزة في العاصمة بغداد، بينما ينحصر العمل في المحافظات بالمراسلة وهو دور يتسابق عليه الرجال ويكون أكثر سهولة بالنسبة إليهم بسبب ما يحظون به من قبول مجتمعي، ما يجبرنا نحن الصحافيات على المكوث في المنزل".

"بعدما علمت أسرة زوجي بأمر عملي في الإعلام اتصل بي أخوه الأكبر وهددني بالقتل إن لم أترك عملي الذي يعتبره عاراً عليهم، ثم طردنا والد زوجي من المنزل وانقطعت صلتنا بهم"... عراقيات يحكين قصص عملهن الصحافي وسط قيود العائلة والمجتمع وضغوط التحرش والابتزاز الجنسي

للصحافية مها الطائي التي تبلغ من العمر أربعين عاماً مشكلة أخرى مع العمل في المجال، فتقول لرصيف22: "من خلال مشواري الإعلامي وجدت أنه كلما صغرت الفتاة في السن كانت حظوظها الصحافية أفضل"، ناسبة رأيها ذلك إلى ما حصل معها خلال عملها في إحدى المؤسسات الصحافية، حيث سمعت من مسؤولين أن "المؤهلات الجمالية" تُحسّن الفرص وتزيد الأجر بعدما تم تخفيض راتبها في المؤسسة، وهو ما دفعها إلى تقديم استقالتها وترك العمل.

يشير رئيس التحرير في "راديو نوا" نوري حمدان، في حديثه لرصيف22، إلى عوامل عدة تقف وراء اختيار الأشخاص للعمل في مجال الإعلام، منها الخبرة والعمر والشكل وتاريخ الأداء، وبرأيه فإن "أغلب المؤسسات الإعلامية تفتقر إلى المعيار المهني في اختيار الأشخاص، لأنه مفهوم غير سائد، في وقت قد يستغل البعض العناصر الشابة كونها في بداية مشوارها".

المراسلة الوحيدة في النجف

"اسمي براء الموسوي من محافظة النجف، أعمل مراسلة ميدانية، ولكوني المراسلة الوحيدة في المحافظة كان لي نصيب من المشاكل، فالعراق بلد متحفظ على النساء وخاصة في محافظات الوسط والجنوب، كل يوم عندما أخرج إلى عملي أتعرض للتحرش اللفظي، من قبل سائق التاكسي، أو المارة الذي يقفون يتفرجون، والبعض يلتقط الصور فبنظرهم لا يجوز للمرأة أن تعمل لأن مكانها في بيتها مع زوجها وأطفالها".

براء الموسوي

تقول الموسوي: "في إحدى المرات، تعرضت للتعنيف أثناء نقل مباشر حيث قام أحدهم بقطع البث وهو يصرخ في وجه المصور أن لا يمكن إبقاء نسائنا على الشاشة، ثم صرخ في وجهي اتركي العمل فوراً، مع العلم أن لا صلة تربطني بذلك الشخص".

 "تعرضت للتعنيف أثناء نقل مباشر، حيث قام أحدهم بقطع البث وهو يصرخ في وجه المصور أن لا يمكن إبقاء نسائنا على الشاشة، ثم صرخ في وجهي اتركي العمل فوراً، مع العلم أن لا صلة تربطني به".

يقول رئيس "المرصد العراقي للحريات الصحافية" هادي جلو مرعي: "في الغالب، تشتكي صحافيات من التحرش الذي يتلون بألوان شتى، فتارة يكون عبر الابتزاز والضغط المادي، والتلويح غير المباشر بالإبعاد عن العمل، أو بالتضييق، وعدم منح الصحافية ما تستحق، ويمكن تقديم صحافية غير مؤهلة على أخرى ذكية لمجرد أن الأولى قبلت بالابتزاز بينما رفضته الثانية".

يذكر مرعي عدداً من الحوادث التي تعكس ما تعانيه صحافيات خلال عملهن في العراق، ومنها حادثة مدير في مؤسسة أبعد امرأة لأنها كانت تتزين وتتحدث بطريقة زعم أنها "تثير غرائز زملائها في المكان"، وحادثة أخرى يقول عنها: "لا أنسى قبل سنوات شكوى صحافية من تحرش أحد المسؤولين في قناة فضائية كان يتصل بها في وقت متأخر من الليل، وكانت تحاول أن تقنعه أنها متزوجة، ولا يليق به أن يمارس ضغوطاً عليها، وهو ما تسبب لها بمعاناة شديدة".

لكن هل تستطيع الصحافية أن توقف التحرش بها بوسائل قانونية، وإلى من تلجأ في حال تعرضت لمضايقات من المسؤولين في العمل؟ يقول مرعي: "ينبغي أن تتحلى بالشجاعة، وأن تظهر حزماً وقوة برغم أن ذلك قد يتسبب لها بخسارات، كما في حالة إحدى الصحافيات التي كانت تعمل كموظفة في قسم الإعلام في إجدى الجامعات، وحين حاولت الحصول على إجازة لإكمال الدراسات العليا لم يوافقوا لها على طلب الإجازة براتب، بينما مُنحت أخريات ذلك الامتياز لكونهن أكثر ليناً مع المسؤولين".

ويختم مرعي كلامه بالقول: "القانون يمكن أن يكون وسيلة حماية، لكن ما يعيق تنفيذه هو العادات والتقاليد، والاعتبارات المجتمعية، والخشية على النفس من التشهير والتأويل، وأظن أن محنة الصحافيات مع التحرش ستستمر رغم وجود قوانين وذلك لضعف الاستقرار المجتمعي والسياسي والاقتصادي، وغياب العقوبات الرادعة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image