انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.
هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.
تراجع الاهتمام الرسمي في مصر بالتعليق على أزمة سد النهضة الإثيوبي، واكتفت الدولة بترحيل الأزمة إلى عام قادم، بعدما مر الملء الثاني من دون التسبب في أزمة مائية لمصر، مع ارتفاع منسوب الفيضان. ومع بداية أيلول/ سبتمبر المقبل، ينتهي الفيضان رسمياً وتترقب مصر وإثيوبيا الغارقة في حرب أهلية مفتوحة على جبهات متعددة، معركة تصريحات أخرى قريبة بعد هدنة موسمية.
لكن تراجع الاهتمام الرسمي الظاهر لم يؤد بالضرورة إلى تراجع القلق الشعبي من مستقبل تشهد فيه مصر العطش، خاصة مع تعدد الإجراءات الحكومية التي اشتم الناس منها أن أزمة مياه كبيرة تلوح في الأفق ترفض الدولة الاعتراف بها، وتمثل ذلك في تحركات واسعة لإنهاء انتشار اللون الأخضر في كثير من مدن مصر وقراها بإزالة أشجار ومساحات خضراء واسعة وبعض الحدائق العامة إزالة كاملة أو شبه كاملة تحت مسمى التطوير. كما تطبق الحكومة غرامات صارمة على من يزرعون بعض المحاصيل "الشرهة للمياه" على الرغم من الاحتياج المحلي الواسع لها، وعلى رأسها الأرز وقصب السكر، وخطوات أخرى يرى فيها المتابعون تحركات للسيطرة على أزمة كبيرة منتظرة.
وبينما كان المصريون يدقون طبول حرب لن تقع بين مصر وإثيوبيا، أنتجوا كذلك – بعيداً عن الدولة- أغاني موّلت في ذاتها حرباً فنية سرعان ما وجدت صدى معاكساً في مصر وإثيوبيا، خاصة أن الحرب الدعائية الإثيوبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لم تتوقف.
تراجع الاهتمام الرسمي المعلن لم يؤد بالضرورة إلى تراجع القلق الشعبي من مستقبل قد تشهد فيه مصر العطش، خاصة مع الإجراءات الحكومية التي اشتم الناس منها أن أزمة مياه كبيرة تلوح في الأفق
حرب البوب
في حزيران/ يونيو لماضي، بدأت إثيوبيا عملية الملء الثاني لخزان السد، وفي 19 تموز/ يوليو أعلن مسؤولون في إثيوبيا الانتهاء من المرحلة الثانية لملء سد النهضة، وبينما اكتفت الحكومة المصرية عبر إعلامها بالإعلان عن "فشل" الملء الثاني للسد، أطلق نجوم الأغنية الشعبية مهرجان "انهيار سد النهضة"، التي تضمنت تهديدات علنية وصريحة إلى أديس أبابا.
تتبنى الأغنية صراحة خطاب انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي في مصر، نبع من أفكار تضمنتها مقالات وأحاديث كتاب وصحافيين وخبراء محسوبين على الدولة، لوحوا بامتلاك مصر القدرة العسكرية على حل مشكلة السد، واستندوا في توقعاتهم بحرب وشيكة إلى تصريحات للرئيس عبدالفتاح السيسي، فسروها كتهديد بضربة عسكرية مصرية للسد الإثيوبي.
وتنتقد الأغنية ما يراه مصريون تعنتاً إثيوبياً، ومحاولة استئثار بمياه النيل على حساب مصر. وتجاوزت الأغنية الـ80 ألف مشاهدة خلال أسبوع واحد بعدما تمت إذاعتها على منصة يوتيوب في 27 يوليو/ تموز المنقضي.
وتريد مصر التوصل إلى اتفاق ملزم مع إثيوبيا يضمن حقوقها التاريخية في مياه نهر النيل، والحقوق التي أقرتها اتفاقية تقاسم مياه نهر النيل عام 1959، بواقع 55 مليار و500 مليون متر مكعب إلى مصر، وهو الأمر الذي لا تقبله إثيوبيا وتعتبره محاولة للحفاظ على اتفاقيات "المرحلة الاستعمارية".
أما الأغنية الأخرى فكانت لفنان بدوي إسمه إبراهيم بوخشيم حملت عنوان "سد النهضة"، وتطرقت إلى تمجيد الجيش المصري، والرئيس عبد الفتاح السيسي، وحرضت رئيس الجمهورية وقادة الجيش إلى ضرب إثيوبيا حفاظاً على حقوق مصر المائية.
"أنا بكره إثيوبيا مش إسرائيل بس" أغنية شعبية لعصام شعبان عبد الرحيم، نجل الفنان الشعبي شعبان عبد الرحيم. وعلى غرار إيقاع أغاني والده، قام عصام بأداء الأغنية التي استدعى فيها بطولات الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973 وقدرته على تحطيم خط بارليف المنيع، ولذلك فإن الجيش لن يجد صعوبة في تحطيم سد النهضة الإثيوبي.
ربما لن تشتبك القوات العسكرية في مصر وإثيوبيا، لكن حرب الأغاني والـ"تيك توك" مستعرة بين الشعبين
ويظهر من عنوان الأغنية أنها تضع إثيوبيا كإسرائيل على السواء، في مستوى العداوة الشعبية للكيان الصهيوني، إذ استلهمت نفس إيقاع الأغنية الشعبية الشهيرة "أنا بكره إسرائيل" لوالده شعبان عبد الرحيم. أيضاً لم تخل الأغنية من التهكم على آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا "العميل الإسرائيلي" حسب الأغنية، في مقابل التمجيد بالرئيس السيسي. ويقول شعبان في أحد مقاطع الأغنية "السيسي قالك براحتك نتفاهم بالهداوة. مش عاوز خلاص براحتك هتشوف آخر العداوة".
"الحاجة أثيوبيا"
في المقابل، أطلق تيدي أفرو، وهو واحد من أشهر نجوم موسيقى البوب في إثيوبيا، أغنية تشير إلى تحذيرات لمصر بأن عليها أن تتعلم المشاركة في مياه النيل.
.
حملت الأغنية عنوان "ديمو لي أباي" باللغة الأمهرية وتعني "إذا جربونا على النيل". وبحسب بي بي سي، تنتقد الأغنية ما تعتبره "وقاحة مصرية"، كما ألمحت إلى أن مصر لم تعد هي التي تتحكم في مياه النيل.
وحققت أغنية "أفرو" ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وحظت بما يزيد عن 16 مليون مشاهدة على موقع يوتيوب، منهم مليون مشاهدة خلال 24 ساعة تلت إطلاقها.
أغنية أخرى تحمل اسم " ياتيتبيت كال" وتعني بالأمهرية " النيل كلمة النبوة"، وتدعو الجمهور الإثيوبي إلى التبرع من أجل إكمال بناء السد، وحققت الأغنية مشاهدات تجاوزت نصف مليون مشاهدة.
وهناك أغنية رابعة اسمها "واسي واسي" وهي من الأعمال الفنية الإثيوبية في حب "النيل الأزرق" التي بنيت عليه إثيوبيا سدها العملاق، وهي أغنية حماسية ومحفزة في دعم القضية، وقد شارك فيها فنانون من جميع القوميات الإثيوبية.
في رأي الناقدة الفنية نرمين يسر، فإن الأغنية الشعبية الوطنية لم تنفصل عن القضايا الوطنية المصيرية، مثل أغاني سيد درويش والشيخ إمام، ولكن الأغنية - بحسب يسر - تختلف من مطرب لآخر، فالأغنية الشعبية التي غناها محمد رشدي وأحمد عدوية تختلف عن مثيلاتها التي غناها شعبان عبد الرحيم أو رمضان البرنس أو الليثي وأوكا وأورتيجا، وإن كانت الفئات الأخيرة أقل جودة.
وقالت لرصيف22 إن الأغاني الشعبية المصرية التي تناولت سد النهضة تعد نوعاً من أنواع المقاومة الشعبية، مثل التي كانت حاضرة أيام الاحتلال الإنجليزي أو الإسرائيلي "يا عزيز كبة تأخد الإنجليز، خد البزة واسكت وخد البزة ونام". والأخيرة طقطوقة للمطربة المصرية نعيمة ومن تلحين سيد درويش، وقد واكبت ثورة 1919. وبالرغم من أنها تبدو للوهلة الأولى موجهة للأطفال لم تخلُ من تلميحات واضحة للوطن، مثل "نينتك مصر يا ابني/ اصحى عنها تنام/ الليلة افديها بمالك/ ماتسوقش عليها دلالك/ صونها ح تصون أحوالك/ خليك عاقل ياعنيا / إنت تحن عليا/ إنت تحب الحرية والاستقلال التام/ نينتك مصر يا ابنى اصحى عنها تنام/ خد البزة واسكت/ خد البزة ونام"، وقد طالت هذه الطقطوقة اتهامات بالإسفاف في ذلك الوقت.
الناقدة نرمين يسر: الأغاني الشعبية المصرية التي تناولت سد النهضة تعد نوعاً من المقاومة الشعبية، مثل التي كانت حاضرة أيام الاحتلال الإنجليزي أو الإسرائيلي
ويلاحظ أن الأغاني الشعبية عن سد النهضة اقتصرت إذاعتها عبر منصة يوتيوب وعلى مطربين غير مشهورين، بخلاف أغان أخرى أخذت شهرة على نطاق واسع مثل "تسلم الأيادي" التي ظهرت عقب منعطف 30 حزيران/ يونيو 2013 لدعم الجيش المصري ضد جماعة الإخوان أو أغان الفنان الشعبي حماده هلال عن ثورة يناير أو الأغاني التي واكبت حدث نقل المومياوات الملكية، أو مسلسل الاختيار الذي يقدم في جزئيه "بطولات" الجيش والشرطة المصريين، بالرغم من أن قضية سد النهضة المصرية لا تقل أهمية عن أهمية القضايا الأخرى.
فسرت يسر ذلك بأنه لو أخذت الأغاني الشعبية عن السد اهتماماً أكبر فإن ذلك يزيد من "حساسية " الأزمة المائية مع إثيوبيا، ولذلك فإن السلطات في مصر لم ترغب في ظهور هذا النوع من الأغاني لأسباب سياسية.
وأضافت أن القاهرة استعاضت عن ذلك ببرامج سياسية ودعائية ضد إثيوبيا، وحشدت مقدمي برامج "التوك شو" المحسوبين على السلطات، لشن حملات ضد أديس أبابا، في حين أن رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد استطاع في مقابل ذلك تحقيق مكاسب سياسية له، مستخدماً نفس "أساليب الزعماء العرب في البروباغندا والتجييش من أجل البقاء في السلطة، بما في ذلك استخدام الأغاني والأناشيد والدين"، وفقاً لقولها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...