قضى عادل محمود شهرًا وهو يبحث عن اللقاح الذي أعلنت وزارة الصحة تخصيصه للمسافرين في مصر من دون جدوى. أبدى الرجل الخمسيني رغبته في تلقي اللقاح عبر الموقع الإلكتروني لوزارة الصحة، إلا أنه لم يتلق رداً حتى الآن بالرغم من تشجيع السلطات الصحية جموع المواطنين على تلقي اللقاح، وإعلان وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد في تصريحات عدة عن تسريع إجراءات تلقي اللقاح للمسافرين.
يعمل محمود محاسباً في إحدى الدول الخليجية التي حددت قائمة باللقاحات المقبولة لديها لاستقبال العمالة والزائرين من الخارج، وهو لا يملك رفاهية الانتظار أكثر من شهر، إذ ربما يفقد وظيفته إذا تأخر حصوله على اللقاح، لا سيّما أن الدول الخليجية دخلت في موجة من خطط توطين الوظائف على حساب الوافدين، وهو ما يجعل عادل وآلاف المهنيين المصريين الآخرين يعيشون في قلق مستمر من فقد مصادر أرزاقهم.
"ذهبت إلى أكثر من مكان بحثاً عن لقاح المسافرين، فوجدت سوء تنظيم كبيراً وزحاماً شديداً، ليس هناك مسؤول تستطيع التحدث معه، ومن يقومون بجمع الأسماء مواطنون متطوعون، وفي بعض المراكز يتولى رجال الشرطة جمع الأسماء"
يقول محمود لرصيف22: "ذهبت إلى أكثر من مكان بحثاً عن لقاح المسافرين، فوجدت سوء تنظيم كبيراً وزحاماً شديداً، ليس هناك مسؤول تستطيع التحدث معه، ومن يقومون بجمع الأسماء مواطنون متطوعون، وفي بعض المراكز يتولى رجال الشرطة جمع الأسماء".
مثل عادل هنالك العشرات من المواطنين المصريين الذين سجلوا أسماءهم لتلقي اللقاح الذي خصصته الدولة للمسافرين، أو من يسعون للحصول على أي لقاح متاح خشية انتشار المتحور دلتا المعروف بالسلالة الهندية في مصر. إلا أنهم ينتظرون منذ شهور لتلقي رسالة تشترط وزارة الصحة وصولها إلى هواتفهم كي ينالوه.
آمال حكومية عريضة
اطلع رصيف22 على تعليقات كثيرة على منصات التواصل الاجتماعي، أفادت في مجملها بتباطؤ عمليات التلقيح، بالرغم من ضجيج الإعلانات الحكومية على القنوات الفضائية بالمسارعة لحجز لقاح كورونا، والاتهامات المتواصلة من المسؤولين الرسميين للمواطنين بالعزوف عن تلقي اللقاحات التي وفرتها الدولة.
منذ منتصف يوليو/ تموز، تلقى مواطنون مصريون رسائل على هواتفهم المسجلة لدى الوزارة تعلمهم بتأجيل موعد تلقي الجرعة الثانية للحاصلين على لقاح أسترازينيكا الذي طورته جامعة أوكسفورد وتحصل عليه مصر عبر مبادرة كوفاكس. وهو ما سبب حالة من الارتباك والتكهنات بشأن نقص الجرعات، مما دفع وزارة الصحة بالرد على ذلك بأن التأجيل جاء لأسباب تنظيمية لإتاحة العمل خلال الفترة المقبلة في مراكز تلقي اللقاح للمسافرين والبالغ عددها 126 مركزاً على مستوى الجمهورية.
جاءت رسائل التأجيل عقب قرار الهند - التي تنتج اللقاح الذي تحصل مصر على شحنات منه - بوقف التصدير وتوجيه الإنتاج لتلقيح مواطنيها، بعد الكارثة الصحية التي ضربت البلاد مع انتشار المتحور دلتا (السلالة الهندية)، وتوجيه اللوم للسياسات الحكومية التي أولت التصدير اهتمامها على حساب تلقيح المواطنين، ما تسبب في وفاة ما يقرب من نصف مليون شخص في غضون أسابيع.
حتى الآن بلغ عدد الحاصلين على الجرعة الأولى من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد في مصر نحو خمسة ملايين مواطن، حسب تصريحات الدكتورة نهى عاصم، مستشارة وزيرة الصحة لشؤون الأبحاث. وتستهدف وزارة الصحة تطعيم نحو 40 مليون مواطن مع نهاية العام الحالي. وهو ما يبدو هدفاً بعيداً مع معدلات التلقيح الحالية، إذ حددت الحكومة هدفاً هو تطعيم ربع مليون مواطن أسبوعياً في مارس/أذار الماضي، أي نحو مليون مواطن شهرياً على الأقل، ما يجعل عدد من تلقوا التلاقيح بنهاية العام تسعة ملايين بحسب المعدل المعلن.
وتأمل مصر في مضاعفة أعداد الحاصلين على اللقاح في أغسطس/ آب الجاري، بفضل استقبال نحو 261 ألف جرعة من لقاح جونسون آند جونسون الأمريكي عبر آلية الاتحاد الإفريقي، وهي كافية لتلقيح العدد نفسه من المواطنين، ما دفع وزارة الصحة للإعلان عن تخصيصه للمقبلين على السفر، خاصة أنه من بين اللقاحات المقبولة في دول الخليج.
الخط يفقد سخونته
ما حدث مع عادل تكرر مع عبد الجواد عبدالله، الذي يبلغ من العمر 70 عاماً، يقول عبد الجواد لرصيف22 إنه تقدم للحصول على اللقاح عبر موقع وزارة الصحة قبل شهرين للوقاية من كورونا، ورغم حاجته إلى اللقاح بصفته من الفئات التي حددتها منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة المصرية أنها الأكثر احتياجاً إلى اللقاح، وهم كبار السن، لم يحصل عليه حتى الآن.
غير أن الحصول على اللقاح لا يسير على خط واحد، فهناك من استطاعوا التعجيل بالحصول على اللقاح برغم صغر سنهم، ومنهم منى*، ربة منزل عشرينية، حصلت على لقاح جونسون أند جونسون البريطاني ذي الجرعة الواحدة المخصص للمسافرين، في وحدة صحية نائية بإحدى قرى الجيزة.
على مجموعة مغلقة على فيسبوك، مخصصة لمشاركة خبرات الحاصلين على لقاحات فيروس كورونا، تعددت الأسئلة التي تتكرر فيها صيغة واحدة "قدمت على اللقاح في شهر كذا ولم تأتني الرسالة. حد يعرف إزاي أحوِّل مسافرين؟"
قدمت منى على طلب الحصول على اللقاح في 15 يوليو/ تموز المنقضي، وجاء الرد من وزارة الصحة بضرورة حضورها إلى مركز اللقاح في 15 أغسطس/ آب الجاري. ذهبت في الوقت المحدد، وحصلت على الجرعة المخصصة للمسافرين، وتحكي عن تجربتها في الحصول على اللقاح، فتقول إن "المكان كان مزدحماً جداً، ولم يراع المسؤولون هناك الإجراءات الاحترازية، فكل الخطوات بطيئة، لكن في النهاية تمت المهمة".
على مجموعة مغلقة على فيسبوك، مخصصة لمشاركة خبرات الحاصلين على لقاحات فيروس كورونا، تعددت الأسئلة التي تتكرر فيها صيغة واحدة "قدمت على اللقاح في شهر كذا ولم تأتني الرسالة. حد يعرف إزاي أحوِّل مسافرين؟". السؤال مدفوع بتكرار سرد تجارب من يئسوا من قدوم الرسالة لتلقي اللقاح عبر الآلية "المجانية" البطيئة، فبادروا إلى الاتصال بالخط الساخن لوزارة الصحة والسكان، لأنه الطريق الوحيد لتحويل طلباتهم إلى تلقي جرعات المسافرين. وقد أوفت الوزارة بتعهداتها بتلقي المسافرين جرعاتهم خلال 72 ساعة على الأكثر من قيامهم بالتقديم، ما دفع إلى تكدس هائل في مراكز تطعيم المسافرين، وكذلك في محاولات الاتصال بالخط الساخن، الذي أصبح خارج الخدمة بشكل دائم منذ منتصف الشهر - بالتزامن مع بدء عمل مراكز تلقيح المسافرين- نتيجة الضغط الكبير على خطوط الاتصال.
تباطؤ لا إرادي
تشهد مصر تباطؤاً في عملية التلقيح، ويردّ الدكتور علاء غنام مسؤول "الحق فى الصحة" فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية سبب هذه الأزمة إلى بعد عالمي وآخر محلي. قال لرصيف22 "إن البعد العالمي يتمثل في عدم عدالة توزيع اللقاح بين الدول الغنية والمتوسطة والفقيرة، وهو ما انعكس على سياسات اللقاح المحلية في دولة متوسطة مثل مصر، وبالتالي عانينا في السياسة العامة لتلقيح الناس، وهو ما شاهدناه في تأخر حصول بعض المواطنين على الجرعة الثانية من اللقاحات".
وتابع أن سبباً آخر يضاف إلى البعد العالمي، وهو عدم إيفاء المنظمات الدولية بوعودها لمصر في إمدادها باللقاح، مثل منظمة كوفاكس التي تأخرت في "إمدادنا بلقاح استرازينيكا نتيجة أزمة كورونا الضخمة التي ضربت الهند المصنع الأول لاسترازينيكا، وهو ما انعكس على مصر".
أما البعد المحلي، حسب غنام، فيتمثل في سوء الإدارة الذي بدأ في حصول عدد من الشباب على اللقاح، دون كبار السن الذين قدموا على تلقي اللقاح ولم يصلهم رد حتى الآن، وهو ما سبب خللاً في أولوية متلقّي اللقاح، بالإضافة إلى سوء توزيع مراكز تلقي اللقاح على مستوى الجمهورية.
وتحدث غنام عما وصفه بـ"غياب الرؤية المصرية" في إدارة أزمة اللقاح على المستوى المحلي، وقال: "كان من المفترض أن لا تنتظر السلطات المصرية حدوث أزمة محلية حتى تتحرك، كان يجب عليها أن تستبق الأزمة وتدفع مقدم الجرعات للمورِّد، عشان لما يكون فيه أزمة يكون المورد مضطر يديك".
بدأت السلطات المصرية في منتصف العام الماضي في حسم (خصم) 1% من مرتبات العاملين، ونصف بالمئة من دفعات المعاش الشهرية للمتقاعدين، تخصص لشراء اللقاحات. إلا أن السلطات لا تزال تعتمد على المنح المقدمة إليها من دول صديقة أو من منظمات مانحة
وأصدرت السلطات المصرية، في منتصف العام الماضي قراراً بدأ تنفيذه على الفور، يقضي بحسم 1% من مرتبات العاملين في جميع القطاعات في مصر، ونصف بالمئة من دفعات المعاش الشهرية للمتقاعدين، لصالح صندوق "تحيا مصر"، على أن تخصص لشراء اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد. وبرغم هذه المبالغ، لا تزال السلطات تعتمد في تلقيح مواطنيها على المنح المقدمة إليها من دول صديقة كالإمارات والصين أو من منظمات داعمة كمبادرة كوفاكس التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.
وحسب منظمة "اليونسيف"، عززت مصر معدلات التلقيح في الأشهر الماضية، إذ فتحت العديد من المراكز القادرة على تقديم اللقاح لآلاف الأشخاص يوميًا في جميع أنحاء البلاد، إذ بلغ عدد تلك المراكز 539 موزعة في محافظات الجمهورية، بالإضافة إلى 126 مركزًا لتطعيم المسافرين واستخراج الشهادات الموثقة للحاصلين على اللقاح.
___
* تم تغٰيير الاسم بناء على طلب صاحبته
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...