خلال اليومين الماضيين، نفذت القاهرة إجراءات حكومية وقضائية لضبط سوق الدواء ومحاولة الحد من المتاجرة بأدوية ما يعرف بالبروتوكول المصري لعلاج فيروس كورونا المستجد في السوق السوداء (سوق موازية يتم بيع الدواء فيها بأضعاف السعر الرسمي).
شملت الإجراءات ضبط صيدليتين تحملان لافتات تابعة لاثنتين من سلاسل الصيدليات الشهيرة، تقومان ببيع حقن الأكتميرا بضعفَي ثمنها الأصلي (الأكتيمرا هو علاج مثبط للمناعة يستخدمه مرضى الروماتويد وبعض الأمراض المناعية الأخرى، وجرى إدراجه من وزارة الصحة ضمن ما يعرف ببروتوكول كورونا)، وتم القبض على مندوبي البيع التابعين للصيدليتين وإحضار مديريهما. أما الإجراء الثاني فكان قراراً صادراً عن محكمة مصرية بتجديد حبس ثلاثة أشخاص لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيق لاتهامهم ببيع أدوية بالسوق السوداء.
طبيب خبير في آليات الخدمة الصحية: "تخفيف الإجراءات والعودة إلى مواعيد العمل الصيفية سيفتحان الباب إلى ارتفاع أعداد الإصابات، خصوصاً أن الدولة في ذروة الموجة الثالثة بالفعل، ولا تزال عملية التطعيم متأخرة جدًا"
"الصيف بيحب اللمة"
جاءت الإجراءات السابقة وسط استمرار ارتفاع أعداد المصابين بالفيروس في موجة تضرب البلاد منذ مارس/ آذار الماضي، وتخطت أعداد الإصابات اليومية حاجز الألف، حسب الإحصاءات الرسمية التي اعترف مسؤولون في الدولة بعدم دقتها، واتجهت الحكومة إلى تخفيف الإجراءات الاحترازية التي كانت قد فرضتها قبل شهر تقريباً، في ظل بدء ذروة الموجة الثالثة، على مواعيد إغلاق المحال التجارية والمقاهي وغيرها من مساحات التجمعات، وقد سرى القرار من أول يونيو/ حزيران الجاري، وهو الأمر الذي انتقده الدكتور علاء غنام مسؤول "الحق فى الصحة" فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في حديثه إلى رصيف22.
وقال غنام – الطبيب والخبير في القطاع الصحي- إن تخفيف الإجراءات والعودة إلى مواعيد العمل الصيفية سيفتحان الباب إلى ارتفاع أعداد الإصابات، خصوصاً أن الدولة في ذروة الموجة الثالثة بالفعل، ولا تزال عملية التطعيم متأخرة جدًا (تم تطعيم نحو مليوني مواطن فقط من أصل 102 مليون حسب الإحصاءات الرسمية، ومن جرى تطعيمهم ليسوا جميعهم من بين 35 مليوناً مصنفين ضمن الفئات ذات الأولوية للحصول على اللقاح).
لذا يرى غنام أن تخفيف الإجراءات الاحترازية مجازفة، وكان لا بد من تشديد الإجراءات السابقة حتى نهاية الخريف المقبل - على الأقل - للتأكد من انكسار ذروة الموجة الثالثة.
لا حظر في القاهرة
يرى أستاذ أمراض الجهاز الهضمي والكبد الدكتور علاء عوض والخبير في الأمراض الفيروسية، إنه لم يكن هناك حظر أو إجراءات فرضتها الحكومة من الأساس ضد كورونا، معتبراً أن ما حدث هو تقليل وتمديد مواعيد فتح وغلق المحال التجارية، و"هذه إجراءات غير فاعلة لمنع العدوى"، ومع ذلك يبقى توقيت تخفيف الإجراءات الحكومية غير مناسب، لا سيما في ذروة الموجة الثالثة من كورونا.
وتطرق عوض إلى ما يراه "أهم من تخفيف الإجراءات" وهو ملف اللقاح، وقال لرصيف22 إن الأهم في الوقت الحالي هو تكثيف حملات التلقيح، والسعي وراء توفير أكبر كمية من اللقاحات عن طريق تشجيع الإنتاج المحلي أو الحصول على اللقاح عن طريق الإمدادات الخارجية، معتبراً أن "اللقاح أهم من الإجراءات الاحترازية".
يرى أستاذ أمراض الجهاز الهضمي والكبد الدكتور علاء عوض والخبير في الأمراض الفيروسية، إنه لم يكن هناك حظر أو إجراءات فرضتها الحكومة من الأساس ضد كورونا، معتبراً أن ما حدث هو تقليل وتمديد مواعيد فتح وغلق المحال التجارية، و"هذه إجراءات غير فاعلة لمنع العدوى"
الدواء للأثرياء
في الوقت الذي خففت فيه الحكومة إجراءات الحد من انتشار كورونا، قامت بحملات أمنية مكبرة لضبط سوق الدواء بعد أن رصدت بيع بعض الأدوية المستخدمة ضمن بروتوكول علاج مصابي كورونا في السوق غير الرسمية. من هذه الأدوية حقن "أكتيمرا" وهي في الأساس تستخدم كدواء مساعد لمرضى التهاب المفاصل الروماتويدي، لكن وزارة الصحة أقرت استخدامها لعلاج مرضى فيروس كورونا ووفرتها لعلاج المصابين في مستشفى قنا العام بصعيد مصر، كما أشار البرتوكول العلاجي الصادر عن وزارة الصحة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 إلى استخدام مادة " توسيليزوماب (Tocilizumab) كمادة مضادة للالتهاب" والتي سوق لها تجارياً تحت اسم أكتيمرا لعلاج المصابين بكورونا في الحالات الحرجة.
غير مضمون أيضاً
وظهرت على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك مجموعات خاصة رصدها رصيف22 لبيع حقن "أكتيمرا"، بضعفَي السعر الرسمي، استغلالاً للحاجة الملحة للمرضى بكورونا المستجد وكذلك مرضى الروماتويد في تلقي العلاج، إذا تسبب إدراج الدواء ضمن البروتوكول والارتفاع الكبير في الإصابات في عمليات سحب كبيرة حالت دون توفر الدواء لمرضى الروماتويد، وذلك وسط غياب تام للجهات الرقابية عن هذه المجموعات التي يتفاعل عليها آلاف المواطنين، الذين صاروا عرضة لعمليات النصب والاحتيال من قبل أشخاص يدعون حيازتهم للعقاقير.
محمد علاء أحد الضحايا الذين تعرضوا لفخ الاحتيال، كان يبحث عن علاج أكتيمرا لجدته المريضة بمتلازمة كوفيد-19 الناجمة عن الإصابة بعدوى كورونا المستجد، وصف طبيب الدواء لجدة محمود، فانطلق باحثاً عنه ولم يجده في الصيدليات أو المنافذ الرسمية، إلا أنه وجد ضالته مع شخص يدَّعي أنه تاجر أدوية، لكن صيادلة متخصصين أكدوا له أنه "مضروب" ومقلد.
محمد علاء أحد هؤلاء الضحايا الذين تعرضوا لفخ الاحتيال، كان يبحث عن علاج أكتيمرا لجدته المريضة بمتلازمة كوفيد-19 الناجمة عن الإصابة بعدوى كورونا المستجد، وترقد في العناية المركزة داخل أحد المستشفيات، وصف الطبيب المعالج الدواء لجدة محمود، الذي انطلق باحثاً عنه فلم يجده في الصيدليات أو المنافذ الرسمية، إلا أنه وجد ضالته مع شخص يدَّعي أنه تاجر أدوية، فاشترى منه العقار، لكن الشك جعله يعرض الدواء على صيادلة متخصصين أكدوا له أنه "مضروب" ومقلد.
حاول الشاب جاهداً الاتصال بالشخص الذي باعه الدواء وطلب منه استرداد قيمة الدواء التي بلغت في السوق الموازية نحو 15 ألف جنيه مصري (نحو 1000 دولار تقريباً)، بعد أن تبين له أنه مزيف، فأخبره الشخص أنه تعرض هو الآخر لعملية نصب واحتيال، وأخذ يماطل ولم يسترد الشاب قيمة الدواء، وقرر أن يحرر محضراً ضد التاجر. ومثل علاء، تعرض أكثر من مواطن للاحتيال من تجار أدوية عبر فيسبوك، ونشروا ما تعرضوا له لكن من دون جدوى.
ولا يتجاور السعر الرسمي دواء أكتميرا 6500 جنيه مصري للحقنة الواحدة تركيز 400، حسبما أكد صيادلة تحدثوا إلى رصيف22.
(ضبط تاجر أدوية مهربة ومغشوشة - المصدر: إدارة الإعلام الأمني بوزارة الداخلية المصرية)
يحدد الدكتور علي عوف رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية المصرية قواعد صرف حقن "أكتيمرا"، فيقول لرصيف22 إن هذا الدواء لا يؤخذ إلا بطلب من المستشفيات العامة أو الخاصة حسب الحالة الصحية للمريض، أو بناء على روشتة مختومة بختم الطبيب والرقم القومي للمريض الذي يحتاج هذا النوع من العقار. ويُصرف في الصيدليات الرسمية التابعة للشركة المصرية لتجارة الأدوية ومنها صيدلية الإسعاف الشهيرة، وهي إحدى الصيدليات التابعة للشركة المصرية لتجارة الدواء.
ويؤكد الدكتور عصام عبد الحميد، وكيل نقابة الصيادلة (تحت الحراسة القضائية) لرصيف22 ما ذهب إليه عوف، بأن الأدوية الهامة مثل "أكتيمرا" لا تؤخذ من الصيدليات، وإنما تباع في المستشفيات أو الصيدليات التابعة للشركة المصرية للأدوية. وحتى يتم صرفها، لا بد من تقديم تقرير طبي من المريض يثبت أحقيته في هذا الدواء. وبرغم ذلك فإنها تباع في السوق السوداء بضعفَي أسعارها عن طريق تهريبها من بعض المستشفيات، وهو ما أكده رفعت صبري، وهو طبيب صيدلي في محافظة كفر الشيخ بدلتا مصر.
وبالرغم من هذه التأكيدات الرسمية وشبه الرسمية بوجود الدواء في كل الصيدليات التابعة للشركة، أكد محمد علاء أنه لم يجده في صيدلية الإسعاف، وهو ما جعله يذهب إلى شرائه في السوق السوداء.
كيف تذهب الأدوية إلى السوق السوداء؟
يفسر عوف سبب خلق سوق سوداء رغم مساعي الدولة لإخضاع أدوية بروتوكول كورونا للرقابة المشددة، هو احتيال بعض المستهلكين وشراؤهم العقار على أنه لحالة مريضة، ومن ثم يبيعونه بأضعاف سعره، أو تصرف بعض المستشفيات الخاصة حصتها من العقار وتقوم ببيعه في السوق السوداء، مشيراً إلى أن الشركة رصدت مخالفة من هذا النوع، وتمت إحالة المخالفين إلى النيابة العامة.
لكن الدكتور علاء عوض ردّ أسباب ظهور السوق السوداء إلى "فوضى استخدام البروتوكول" من قبل المرضى أو الجهات الرقابية الحكومية، مؤكداً أن الأدوية من عينة "أكتيمرا" يجب ألا تؤخذ إلا في المستشفيات داخل العناية المركزة.
وقال عوض إن الدولة مسؤولة عن ترشيد وتنظيم البروتوكولات العلاجية، فالعلاج المنزلي له حزمة علاجية معينة، والعلاج في المستشفى له حزمة علاجية مختلفة، مطالباً الدولة بوضع قواعد لصرف هذه الأدوية والرقابة عليها، في وقت تتم كتابة الأدوية للمرضى على صفحات التواصل الاجتماعي، و"هذا أمر غير موجود في أي مكان في العالم".
وذهب وكيل نقابة الصيادلة أيضاً إلى قضية الرقابة، وطالب هيئة الدواء المصرية (تتبع رئيس مجلس الوزراء) بتكثيف الرقابة على المجموعات التي تباع عن طريقها أدوية مغشوشة ومقلدة، والعمل على متابعة وجود نواقص في بروتوكول العلاج الطبي لكورونا، وأرجع عبد الحميد سبب وجود عجز في بعض الأدوية إلى كتابة الأطباء بعض الأدوية في روشتات المرضى، فيزيد الطلب عليها، ومن ثم يحدث العجز من دون وجود رقابة على النواقص، بالإضافة إلى سحبها من بعض المستشفيات تحت اسم صيدليات وهمية، مشيراً إلى أن النقابة تعاونت مع جهاز حماية المستهلك في هذا الملف وأبلغته عن الأماكن المطلوب ضبطها.
وحاول رصيف22 التواصل مع الدكتور تامر عصام، رئيس هيئة الدواء، لاستطلاع رأيه في حملات الرقابة التي تقوم تحت إدارة الهيئة والتعرف على حجم المتوفر من أدوية بروتوكول كورونا العلاجي في مقابل الاحتياج الفعلي لحالات كوفيد-19 والامراض الأخرى التي تحتاج لتلك الأدوية، لكنه لم يستجب للاتصال، وكررنا المحاولة عن طريق تطبيق "واتسآب"، لكن من دون جدوى.
ختامًا يرى الدكتور علاء عوض أن الإسراع في تلقيح المواطنين وإنشاء مراكز اللقاح على مستوى الجمهورية، وتوطين صناعة اللقاح هو الحل للخروج من أزمة بيع أدوية بروتوكول كورونا في السوق السوداء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ اسبوعينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...