بعد أيام من التكهنات بشأن وجهة فراره، أعلنت الإمارات مساء 18 آب/ أغسطس، عن استقبالها للرئيس الأفغاني الهارب أشرف غني. الذي فر من أفغانستان نهاية الأسبوع الماضي، بعد دخول حركة طالبان العاصمة كابول.
وذكرت الخارجية الإماراتية أن "دولة الإمارات استقبلت الرئيس أشرف غني وأسرته في البلاد وذلك لاعتبارات إنسانية". ويأتي بيان الإمارات بعد انتشار تقارير روسية عن هروب غني وأسرته بـ"أكوام" من النقود حملتها أربع سيارات على الاقل.
وانتشرت الشائعات حول المكان الذي قد يلجأ إليه. إذ توقعت تقارير أنه ذهب إلى أوزبكستان أو طاجيكستان المجاورة. لكن التكهنات الأقوى كانت حول لجوئه إلى دولة خليجية، اعتقدت بعض وسائل الإعلام الافغانية - التي باتت تحت سيطرة طالبان- أنها قد تكون سلطنة عُمان، وكان هناك حديث عن موافقة السعودية على منحه حق اللجوء بسبب تاريخها الطويل في استقبال القادة الفارين.
إلا أن نشطاء ومعارضين خليجيين ألمحوا بتهكم منذ بداية الأزمة في كابول أن الرئيس الأفغاني سيلجأ إلى الإمارات التي استقبلت في نفس التوقيت من العام الماضي الملك الإسباني السابق خوان كارلوس، الذي غادر مدريد وسط تحقيقات تتهمه بالفساد.
انتشرت الترجيحات بأن الرئيس الأفغاني سيلجأ إلى دولة خليجية، بسبب تاريخ دول الخليج في حماية زعماء الدول الفارين من بلدانهم بعد الإطاحة بهم، بدءًا من محمد البدر مروراً بعيدي أمين وبن علي وصولاً إلى الملك الأسباني خوان كارلوس. فضلاً عن أنها دول غنية تتمتع بالبنية التحتية التي توفر لهؤلاء الفارين مستوى مناسباً من الرفاهية.
انتشرت الترجيحات بأن الرئيس الأفغاني سيلجأ إلى دولة خليجية، بسبب تاريخ دول الخليج في حماية زعماء الدول الفارين من بلدانهم بعد الإطاحة بهم. فضلاً عن أنها دول غنية تتمتع بالبنية التحتية التي توفر لهؤلاء الفارين مستوى مناسباً من الرفاهية
بدأ هذا التاريخ في القرن الماضي عندما فر الإمام اليمني محمد البدر إلى السعودية بعدما أطاحه انقلاب عسكري عام 1962، وألغى الملكية وحوّل البلاد إلى نظام جمهوري. وعاش البدر في المملكة حتى وفاته عام 1996.
استضافت السعودية أيضاً الرئيس الأوغندي عيدي أمين الذي أطاحه انقلاب عسكري عام 1979، وبقى مقيماً في جدة حتى وفاته عام 2003. كذلك رئيسة وزراء بنغلادش خالدة ضياء التي فرت إلى السعودية عام 2007 بعد إجبارها على ترك الحكم.
هرب أيضا إلى السعودية رئيس وزراء باكستان السابق نواز شريف، بعدما أطاحه انقلاب عسكري قاده الجنرال برويز مشرف الذي تولى الحكم حتى أُجبر أيضاً على التنحي والفرار إلى الرياض. لكن نواز شريف تمكن من العودة من السعودية عام 2007 ليحكم من جديد.
الربيع العربي
عام 2011 فر الرئيس التونسي زين العابدين بن على من بلاده إلى فرنسا التي رفضت استقباله، ليتوجه بعدها إلى السعودية التي رحبت به بعدما شهدت بلاده ثورة شعبية أطاحته من الحكم.
وبقى زين العابدين في جدة برفقة أسرته حتى وفاته عام 2019 وعجزت السلطات التونسية عن ملاحقته قضائياً، في قضايا قتل متظاهرين، وجرائم أخرى تتعلق بفساد مالي واسترداد أموال الدولة المنهوبة.
وفي توقيت مقارب لإزاحة زين العابدين بن علي، تمت إزاحة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح" (1978 ـ 2012)، ليحل نائبه عبد ربه منصور هادي رئيساً للبلاد في فبراير / شباط 2012.
عام 2015، فر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي تولى الحكم خلفاً لعلي عبد الله صالح الذي أطاحته ثورة شعبية. وهرب هادي إلى السعودية بعدما حاصر الحوثيون القصر الرئاسي، وأعلنوا سيطرتهم على العاصمة صنعاء، بالتحالف مع قوات موالية لصالح.
ولا يزال هادي في الرياض، ومنها يدير بلاده التي تخوض حرباً أهلية بين مقاتلي الحكومة اليمنية وحلفائها بدعم من الجيش السعودي، والحوثيين المدعومين من إيران.
لماذا الخليج؟
في دراسة نشرتها كلية الصحافة بجامعة شيكاغو. أحصى الباحثون الوجهات التي فر إليها القادة الهاربون بعد إجبارهم على ترك الحكم في بلادهم بسبب الفساد السياسي أو المالي أو الثورات ضدهم، المدفوعة غالباً بالأسباب عينها. ووجدوا أن هناك دولاً عديدة ظلت تقدم خدمة حماية الحكام الهاربين منذ عام 1946، وإن كان لأسباب ودوافع مختلفة.
اللافت أن على رأس قائمة تلك الدول - من حيث الإحصاء- لم تأت دول الخليج ولا الدول العربية كلها التي ظهرت أسماؤها في القائمة مثل ليبيا ومصر، بل أتت الولايات المتحدة وإسبانيا اللتان قدمتا خدمات حماية وإيواء لأكثر من دكتاتور كان يحكم وفقاً لأجندتهما في دول أمريكا الجنوبية وبعض المستعمرات الإسبانية السابقة الأخرى.
خلال العقود الثلاثة الأخيرة، توقفت دول العالم الغربي عن إيواء الحكام الفارين أو تقديم الحماية إليهم. وخلال العقد الأخير صارت دول الخليج هي الوجهة شبه الحصرية للقادة الفارين
لكن خلال العقود الثلاثة الأخيرة، توقفت دول العالم الغربي عن إيواء الحكام الفارين أو تقديم الحماية إليهم، حتى أن المملكة المتحدة قبلت بإعادة دكتاتور تشيلي الأشهر أوغستو بينوشيه إلى بلاده حيث قضى ما تبقى من حياته "محتجزاً" في منزله الفاخر بدلاً من السجن. وخلال العقد الأخير صارت دول الخليج هي الوجهة شبه الحصرية للقادة الفارين.
لا تبحث الدراسة في أسباب فتح تلك الدول أبوابها أمام هؤلاء الزعماء. وإنما اهتمت بفحص نموذج الاختيار، ووجدت أن القادة الفارين ليس لديهم أي خيار بالنسبة للوجهة التي سيهربون إليها، وغالباً ما ترفض الجهات التي يبغون الاستقرار فيها استضافتهم، كما حدث مع الرئيس التونسي بن علي الذي اضطر إلى الحياة في السعودية رغم أنه كان راغباً في الحياة في فرنسا. وترصد واشنطن بوست أن القادة الفارين غالباً ما يتلقون دعوة للحياة في منفى فاخر من الدول التي ترحب في إيوائهم، أو تمنحهم إشارة بالموافقة بعد أن تتقطع بهم السبل.
الدراسة لاحظت أيضاً أنه عندما يكون للحكام خيار، فإنهم يتفادون الفرار إلى الدول التي تتمتع بآليات حكم ديمقراطية، ويفضلون الاستقرار في دول تحكمها دكتاتوريات شبيهة بأساليب حكمهم، ربما لضمان غياب أية ضغوط شعبية لتحقيق العدالة أو المساءلة، ما يجعل من دول الخليج التي تغيب عنها آليات الحكم الديمقراطي وجهة مثالية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...