شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
منع جماعي من السفر... مخاوف في تونس من تغوّل السلطة التنفيذية على القضاء

منع جماعي من السفر... مخاوف في تونس من تغوّل السلطة التنفيذية على القضاء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 11 أغسطس 202103:36 م

لا تزال الأزمة بين القضاة والسلطات التنفيذية في تونس تتصاعد، بعد قرارات وزير الداخلية المكلف رضا غرسلاوي بوضع عدد من القضاة قيد الإقامة الجبرية، تلاها صدور قرار آخر بمنع القضاة من السفر إلى الخارج إلا بإذن خاص.

القرار الأخير أشعل غضب القضاة، فقد أصدر 45 منهم مساء الإثنين 9 أغسطس/ آب، بياناً، نددوا فيه بما وصفوه بـ"ضرب القضاء في وضع الاستثناء"، في اتهام إلى السلطات التنفيذية التي تجمعت في يد الرئيس قيس سعيّد باستغلال الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد في الضغط على القضاة. بعد أن سرت أنباء عن إخضاع جميع القضاة التونسيين إلى الفصل "S17" المعروف بـ"إجراء الاستشارة الحدودية" وتنفيذه الفوري ضد قاضية بالمحكمة الابتدائية.

واعتبر القضاة الإجراءات الأخيرة التي بدأت بوضع اثنين من كبارهم قيد الإقامة الجبرية، "انزلاقاً خطيراً في تعامل السلطة التنفيذية مع السلطة القضائية"، داعين إلى التراجع الفوري عن هذه الإجراءات وإخضاع القضاة المتهمين لمحاكمات بصفة عاجلة مع كفالة حق الدفاع. كما أعربوا عن رفضهم للاعتداء على حقوق القضاة في التنقل والسفر في ظل غياب أي إجراء قضائي يمنعهم من ذلك.

وكان وزير الداخلية رضا غرسلاوي المكلف من الرئيس قيس سعيّد، قد أصدر قراراً في 5 الشهر الجاري، بوضع وكيل الجمهورية السابق للمحكمة الابتدائية في العاصمة البشير العكرمي تحت الإقامة الجبرية. وتلاه القاضي الطيب راشد، الرئيس الأول لمحكمة التعقيب (الاستئناف)، وهي أعلى رتبة قضائية في البلاد. وذلك على خلفية اتهامات بالفساد والتواطؤ مع الإرهاب.

اعتبر القضاة الإجراءات الأخيرة التي بدأت بوضع اثنين من كبارهم قيد الإقامة الجبرية، "انزلاقاً خطيراً في تعامل السلطة التنفيذية مع السلطة القضائية"

شجار أفضى إلى الإقامة الجبرية

القاضي البشير العكرمي متهم بالتواطؤ مع الإرهاب والتستر على 6268 ملفاً إرهابياً، أبرزها ملف اغتيال النائبين بالمجلس التأسيسي محمد البراهمي وشكري بلعيد وأحداث سوسة وباردو الإرهابية.

أما الطيب راشد، فهو متهم بالفساد، "وامتلاك ثروة طائلة بطرق غير مشروعة تناهز المليارات". وساهم خلاف بين القاضيين في تحرك السلطات ضدهما، فقد توجه البشير العكرمي بمراسلة إلى وزارة العدل، تؤكد تورط الطيب راشد في اقتناء العديد من العقارات بقيمة تتجاوز بكثير القيمة المنصوص عليها في العقود. بدوره، رد الطيب راشد بتوجيه مراسلة لوزارة العدل أيضاً، أكد فيها تورط العكرمي في التلاعب بملفات ذات صيغة إرهابية لصالح جهات معينة، على اعتبار أنه المشرف على القطب القضائي لمكافحة الإرهاب والقطب القضائي الاقتصادي والمالي.

وعلى إثر ذلك تمت إحالة القاضيين إلى مجلس التأديب، الذي قضى بتاريخ 13 يوليو/ تموز الماضي، بإيقاف البشير العكرمي عن العمل إلى حين بت ما نسب إليه من اتهامات، في حين لم يستمع المجلس إلى الطيب راشد بسبب حالته الصحية. وتأجَّل النظر في ملفه إلى 20 أغسطس/ آب الجاري.

وكان وضع هذين القاضيين قيد الإقامة الجبرية مجرد بداية، ففي تصريح لرصيف22، أكد رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمايدي أن عدد القضاة الموضوع قيد الإقامة الجبرية "مجهول". واستنكر "الغموض الذي يلف الموضوع" في إشارة إلى عدد القضاة الموضوعين قيد الإقامة الجبرية في منازلهم وأسباب اتخاذ هذا الإجراء ضدهم، "خاصة أن أسباب اتخاذ هذه الإجراءات لا تزال غامضة". 

ودعت منظمة "أنا يقظ" في بيان إلى "إعلان شغور منصب الرئيس الأوّل لمحكمة التعقيب (الاستئناف)"، على اعتبار أن الطيّب راشد لا يمكنه ممارسة مهامه على رأس محكمة القانون، بسبب حالته الصحية والاتهامات الموجهة ضده.

كما أصدر وزير الداخلية المكلف قراراً يمنع العديد من القضاة الآخرين من مغادرة تراب البلاد، منذ أن أعلن رئيس الجمهورية عن الإجراءات الاستثنائية وتطبيق الفصل 80.

قاض سابق: "خرجنا الآن من الدستور وانطلقنا في الحكم الفردي. لم يعد هناك أي ضمانات وكل شي متوقع... رئيس الجمهورية قيس سعيّد أوَّل الدستور كما يحلو له، وهذه هي النتائج"

تعدٍّ على الاستقلال

منذ إعلان رئيس الجمهورية عن العمل بالإجراءات الاستثنائية وتطبيق الفصل 80 من الدستور تنامت المخاوف من تغول السلطة التنفيذية على باقي السلطات، خاصة أن هذه القرارات جمدت السلطة التشريعية، وتحسست الطريق نحو السلطة القضائية باستحواذ الرئيس على قرار الادعاء العام.

وقد أكدت جمعية القضاة التونسيين في بيان أن إخضاع القاضي للإقامة الجبرية "يقتضي إعلام المجلس الأعلى للقضاء مسبقاً بحقيقة ما ينسب إليه من نشاط يمكن أن يشكّل خطراً على الأمن والنظام العامين. و[ضرورة] الحصول على الموافقة المسبقة للمجلس قبل اتخاذ ذلك الإجراء"، مشددة على أن المجلس الأعلى للقضاة "هو المؤسسة الدستورية الوحيدة المخولة بت المسار التأديبي للقضاة".

وبيّنت الجمعية أن تطبيق إجراءات حالة الطوارئ على القضاة فيه تجاوز لصلاحيات المجلس الأعلى للقضاء الضامن لاستقلالهم، ومن شأنه "أن يشيع أجواء الخوف والترهيب في صفوف كل أعضاء السلطة القضائية، بما يؤثر سلباً على استقلالهم وحيادهم في حماية الحقوق والحريات في ظل سريان التدابير الاستثنائية".

واعتبر القضاة الموقعون على البيان الذي سبقت الإشارة إليه، أن "تقييد حرية التنقل وباقي الحقوق الدستورية طبق ما تقتضيه أحكام الفصل 49 من الدستور، لا يكون إلا بمقتضى نص تشريعي تستوجبه متطلبات حماية حقوق الغير، أو الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العامة أو الآداب العامة…، ويرجع للقضاء حماية تلك الحقوق والحريات من الانتهاك خصوصاً في الحالات الاستثنائية". كما استهجنوا "إطلاق يد وزير الداخلية – من دون سند قانوني صحيح – لبسط يده على أعضاء سلطة قضائية هي الضامنة الأساسية لعلوية الدستور وسيادة القانون والحامية للحقوق والحريات".

في سياق متصل دعا القضاة المجلس الأعلى للقضاء إلى تحمل مسؤولياته الدستورية والقانونية في ضمان استقلال السلطة القضائية خصوصاً في الظرف الاستثنائي المُتميّز بتجميع السلطات بيد رئيس الجمهورية، مستنكرين صمته اللحظة عن افتكاك صلاحياته من قبل السلطة التنفيذية.

تحذير من تواصل خرق الدستور

بيّن القاضي السابق في المحكمة الإدارية أحمد صواب أن الإجراءات التي تم اتخاذها ضد القضاة تعتمد على آليتين اثنتين، هما الاستشارة الحدودية والإقامة الجبرية، "وكلتاهما مخالفة للدستور والحريات، واستخدامهما يعد مخالفة جسيمة في حق السلطة القضائية". وأعرب صواب في حديثه لرصيف 22 عن مساندته التامة للبيان الصادر عن عدد من القضاة، قائلاً: "تمنيت لو تم تعميم العريضة على جميع المواطنين وليس على القضاة فقط".

وأضاف القاضي صواب: "خرجنا الآن من الدستور وانطلقنا في الحكم الفردي. ولم يعد هناك أي ضمانات وكل شي متوقع... رئيس الجمهورية قيس سعيّد أوَّل الدستور كما يحلو له، وهذه هي النتائج".

بدوره اعتبر القاضي حمادي الرحموني أن منع قضاة من السفر "فصل جديد من فصول الاعتداء على السلطة القضائية الضامنة للحق في التنقل والسفر".

وفي تدوينة بموقع "فيسبوك"، دعا الرحموني رئيس الجمهورية إلى "التوقف عن استباحة القضاة بواسطة وزير الداخلية، والكفّ عن التجرؤ عليهم خارج أي غطاء قانوني" و"إقحامهم تعسّفياً في سياقات التنازع السياسي لتحميلهم أوزاره دون موجب".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image