شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"حظر نشر"... أورجازم "المنع" وشهرزاد التي تربح دائماً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 23 أغسطس 202110:22 ص

لم تحظ حكايات شهرزاد في "ألف ليلة وليلة" بشهرتها التاريخية لمجرد أنها حكايا مسلية، بل كان هناك عاملان من أكثر عوامل الإنسانية تأثيراً في كتابة التاريخ، الأول هو السطوة الذكورية المتمثلة في قدرة شهريار على قتل امرأة كل ليلة، والثاني هو "حظر نشر" أحد أهم كتب الأدب العربي "ألف ليلة وليلة" بسبب احتوائه على ألفاظ "تخدش قيم الأسرة".

ومع انطلاق معرض القاهرة الدولي للكتاب 2021، فوجئ رواده بملفات خاكية اللون في جناح دار الشروق، مقيدة برباط من ذلك النوع المستخدم في المؤسسات الحكومية، تعلوها عبارة "حظر نشر"، ليكتشفوا أن هذا ليس سوى رواية جديدة للكاتب والسيناريست هيثم دبور.

تتناول "حظر نشر" قصة مستشارة إعلامية في وزارة الأوقاف، تتعرّض للتحرّش من الوزير نفسه، فترسل بريداً إلكترونياً من عنوان الوزارة الرسمي، لجميع الصحفيين، تتهم الوزير بالتحرّش، فتفتح عليها وعلى خطيبها أبواب الجحيم، لكنها تصمم على المضي قدماً في إثبات حقها، يساندها رجلان، خطيبها وصديقها رئيس التحرير  المخضرم، حتى تتمكن بلعبة بسيطة في النهاية من دفع سيدات وفتيات تعرّضن للتحرّش من الوزير، إلى الاعتراف علانية، بعد أن كبّل القانون يدها بقرار حظر النشر في قضية الوزير.

لم تحظ حكايات شهرزاد بشهرتها التاريخية لمجرد أنها حكايا مسلية، بل كان هناك عاملان من أكثر عوامل الإنسانية تأثيراً في كتابة التاريخ، الأول هو السطوة الذكورية لشهريار، والثاني هو "حظر نشر" كتاب "ألف ليلة وليلة" لاحتوائه على ألفاظ "تخدش قيم الأسرة"

كلما ترتقي يقترب رأسك من السقف

على مستوى المضمون، طرق هيثم حديداً ساخناً، زادت مواقع التواصل من سخونته في الآونة الأخيرة، ليس في مصر والوطن العربي فحسب، بل في العالم أجمع، وأذكر أغرب حادثتين، الأولى اتهام حاكم ولاية نيويورك، عاصمة الحرية في العالم، بالتحرّش بـ11 سيدة، والثاني مقتل فتاة كويتية في مجتمع شديد المحافظة، على يد ضابط جيش متحرّش، طاردها ورفضت الاستجابة له، رغم أنها متزوجة وأم.

لذا، لن يكون مدخل فهم قضية التحرش في الرواية الكبت الجنسي أو سوء الأخلاق أو لباس المرأة، بل المدخل الوحيد هو إحساس السطوة والنفوذ، قدرة المتحرّش على ارتكاب جريمته والإفلات من العقاب، فهي لا تستهدف شخصاً يتمتع بمنصب يشبه القفل ذي التكات الثلاث، الوزارة وأموال الأوقاف وحشود من عمار المساجد، بل تكشف كل من يتمتع بقداسة منحها له نفوذه أو منصبه، من شهريار إلى المسؤولين، كل ما خلف الأبواب المغلقة بمقابض ذهبية، يستحيل دخولها حتى على سلطات القانون.

ويشكّل خروج بيان الفضيحة من قلب سكرتارية مكتب الوزير، مفارقة تعطي معاني عدة، كأن تأتيه الطعنة من مكمنه، وأن تخرج رائحة الفضيحة من مكان وقوع الجريمة، وأن ما يظنه الجميع غرفاً مغلقة، هو أماكن مكشوفة كساحات انتظار السيارات، سواء مع التقدم التكنولوجي أو قبله، فشهرزاد يمكنها قصّ حكايتها على الناس مهما كان المانع.

أيضاً، لم يكن الهدف الأول من الرواية هو الحادث نفسه، فتفاصيل الحادث تظل مبهمة طول الحكاية، ويتركها الكاتب لخيال القارئ، كما أن الحكم في القضية لم يذكر نصاً، لأن الهدف في الأساس هو رسم لوحة لا الإجابة على أسئلة، هو التحذير من خطر اجتماعي ومن آثاره، لا إثارة الغرائز ومحض انتصار الخير على الشر في معركة.

حظر النشر وأورجازم المنع

في المقابل، يظهر الرجل بمظهر المسيطر ذي النفوذ، لكن في الحقيقة يستمد نفوذه من ضعف المرأة والسيطرة عليها، يشعر بنشوة عجيبة في فرض الوضع ولو بالقوة، يمنعها من الخروج أو الكلام أو الشكوى أو حتى الصراخ، وكأن المنع يمنح الرجل "أورجازم" خاصاً.

مع انطلاق معرض القاهرة الدولي للكتاب 2021، فوجئ رواده بملفات في جناح دار الشروق، مقيدة برباط من ذلك النوع المستخدم في المؤسسات الحكومية، تعلوها عبارة "حظر نشر"، ليكتشفوا أن هذا ليس سوى رواية جديدة للكاتب والسيناريست هيثم دبور

فشهريار كان يمنع المرأة حتى من الحياة، وفي الأزهر، شعر المشايخ بنشوة عجيبة في منع حكاياتها من النشر، أما في حالة الوزير فكان يمنع المتحرش بهن من الشكوى بحكم نفوذه، ويمنع زوجته من مسائلته ومحاسبته.

أيضا قرار حظر النشر في القضايا، مهما بدا له من وجاهة قانونية لحجب الشائعات وحماية العدالة، يكون في بعض الأحيان في صالح سمعة طرف ذي نفوذ، دون إخلال بالجانب القانوني، تماماً كما حاول "سيادته" منع "الفضيحة" السياسية، والتخلص من الفتاة الشاكية، عبر محام يعرف ما يجب فعله في مثل هذه المواقف، أو التخلص من الوزير نفسه، المهم منع تأثير الفضيحة على الحكومة.

حتى التفكيك اللغوي لأسلوب السرد، حمل فقرات تنتصر انتصاراً مبطناً لقضايا للمرأة ضد "المنع"، مثل "الأرق سيتراقص أمامه كفتاة استعراض حسناء تشعل بحركاتها الغرائز"، "تطارده الأفكار كفتاة خرجت من مدرستها الثانوية فوجدت تجمعاً من المراهقين من المجاورة"، "تطارده الأفكار كفتاة في التاسعة من عمرها يلاحقها والدها السلفي لترتدي الإسدال حين تخرج لمدرستها"، "تطارده الأفكار كسيدة في أوائل الثلاثينيات تهرب من سهام قضاة مواقع التواصل الاجتماعي لأنها اتهمت وزير الأوقاف صباح اليوم بالتحرش".

تطويع الأسطورة في أسلاك التكنولوجيا

استطاعت كل من شهرزاد ومنى، كسر حظر النشر المفروض بحيلة تثبت أن المرأة عظيمة الكيد والتدبير فعلاً، وأن الرجل مهما بلغت سطوته لا يضمن نتيجة المعركة معها، فهي أسلحة حبتها بها الطبيعة لتتمكن من الدفاع عن كيانها.

استطاعت كل من شهرزاد ومنى، كسر حظر النشر المفروض بحيلة تثبت أن المرأة عظيمة الكيد والتدبير فعلاً، وأن الرجل مهما بلغت سطوته لا يضمن نتيجة المعركة معها

ففي تنويع جديد على ما قبل حكايات شهرزاد، وعلى الأسطورة نفسها التي أصبحت ملك الأدب مادام دخل ذكرها في مادة أدبية، نشرت شهرزاد قصصاً عن ملك عاجز جنسياً، فيضطر لقتل امرأة كل ليلة حتى لا تفضح سره، وسرّبت وريقات الحكايا للأسواق، وأصبح أمام شهريار أحد أمرين، أن يقتلها فيصدّق الناس وأعداؤه الحكاية، أو يتركها تحيا لتقلب مضامين الحكايا في صالحه.

وعلى الرغم من أن هذا التنويع جاء ليعادل مسألة كسر حظر النشر في عهدنا الحالي، باستخدام التكنولوجيا ومواقع التواصل أو المؤتمرات الصحفية، إلا أنه في حد ذاته مثّل خلقاً جديداً للأسطورة، أصبح مسجّلاً باسم الكاتب ومحسوباً له، بما فيه من حرفة معالجة قضايا الماضي في ضوء أفكار المستقبل أو العكس.

في المجمل، الرواية هي جولة ممتعة في التاريخ والثقافات والفنون من الأدبية وحتى التشكيلية، وجبة تليق بقارئ يبني ثقافته وتشبع قارئاً مثقفاً بالفعل، تطرقت لتفاصيل يومية عدة، من علاقة منى بأبيها، وعلاقتها بخطيبها، ومسألة الثقة بين الأصدقاء والأهل.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard