شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
اضمحلال الاجتماع اللبناني في خمسة فيديوهات

اضمحلال الاجتماع اللبناني في خمسة فيديوهات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 9 أغسطس 202112:58 م

خمسة فيديوهات، قبلها مقدمات، وبعدها نتائج، أو هي مقدمات ونتائج، تدور في حلقة، وسوف تنتج عنها حلقات. ستوّلد غيرها، أو ستوقف غيرها عن التوالد. تقول الكثير: تقول إن الاجتماع اللبناني قد وصل إلى نقطة اللا عودة، وتقول إن هذا الاجتماع قد وصل إلى خواتيمه.

لماذا حدث هذا؟ استعراض الفيديوهات كفيل بتوضيح النتيجة.

الفيديو الأول


هو حصيلة إشكال مسلح بالعصي، والسكاكين، وقنابل المولوتوف. إشكال بين تنظيمين على هامش الحياة السياسية اللبنانية. تنظيمان هامشيان بالقدر الذي تستعير التنظيمات الأساسية منهما خطابات، لتجعل منها مقاطع في آلة خطاباتها الضخمة. ليس من المهم في هذا المجال التفكير في هذه الخطابات، فلذلك مجال آخر.

قداسة: الفيديو يمارس عنفاً إلى حدود قصوى بحق فتية، لا حول لهم ولا قوة، لحظة تصويره. هو يمارس العنف الذي يتخطى حدّ القتل. عنف لا يصيب المُعنَّف، إلا على سبيل الكناية: هذه سمة العنف المصوّر، حين يصبح العنف عبارة عن رسالة، وموضوع التعنيف عينة، وحالة تُختصر وتُختزل. فلا يُعنّف الفتى بذاته، إنما يتم تعنيف الصورة. يُعنَّف المشاهد، ويوضع تحت حذاء المعتدي، ليقول له سمعاً وطاعة. هذا ما أراده نظام البعث السوري عندما سرّب في بداية الثورة السورية، صور تعذيب المطالبين بالحرية، فسألهم السؤال الاستهجاني: "بدك حريّة ولاك"؟ أو بالأحرى أجاب على السؤال بالشكل التالي: هذا مصير المطالب بالحرية، ممارسة الحرية في الإجابة على سؤال لا إجابة عنه إلا بالنفي، حرية النفي تحت النعال. ليس السؤال في هذا الفيديو حول الحريّة بذاتها، إنما حول الدخول إلى منطقة محرمة، وقول أمر ما بحرية، أو بالأحرى الدخول إلى مكان مقدس، من دون خلع الدناسة المتمثلة في الاختلاف عن قداسة المكان.

في هذا المكان، القداسة هي أن تخلع عنك هويتك، وأن تشبه المكان وإلّا...

خمسة فيديوهات تقول الكثير: تقول إن الاجتماع اللبناني قد وصل إلى نقطة اللا عودة، وتقول إن هذا الاجتماع قد وصل إلى خواتيمه

الفيديو الثاني


اختلاس: الثاني هو فيديو فيه دخول إلى مكان ما، وفيه أيضاً تعنيف، لكن الصورة هنا مأخوذة من دون أن ينظر صاحبها إلى عدسة التصوير. يصح القول في هذا الفيديو أنه صُوِّر خلسة، أو بالأحرى هو الخلسة التي اكتشفت خلسة أخرى متلبسة. اختلست ضحية التصوير فيه، الدخول إلى قلب الشاشة. الدخول إلى مكان لتصنع المشهد. الاختلاس الأول هو فعل إطلاق الصواريخ. أن يكون الفعل في مكان ما من دون أن يدري أحد بذلك. أن يكون المكان من دون هوية، حتى تتمكن الصواريخ من صبغ المكان كله بهويتها. لن يكون هذا الأمر ممكناً، إلّا إذا احتل المختلس هوية المكان. لم يكن لهذا الاختلاس أن يكون، إذا لم يكن هناك في السابق ثغرة ما، لكن عندما حدث أن اكتملت هوية المكان، ولم يعد في الإمكان أن يظل هناك مكان "عام"، وأن يكون الإحراج مشاعاً يمكن الاستيلاء عليه. عندما استيقظ في الشجر إحساس هويتها، لم يعد في الإمكان أن يُصبغ المكان بما ليس هو. الاختلاس الثاني في المشهد، هو فعل "تلصص"، كان فيه موضوع التصوير عارياً، وظهرت فيه فجأة حقيقة يحاول دائماً إخفاءها. كان يريد الظهور بمظهر الجبروت والقوة، فاكتشفته عين الشاشة، وقبضت عليه متلبساً بالخوف.

في هذا المكان، هناك الخوف من هوية أخرى اكتملت، واستيقظ فيها غول الجماعة فجأة...

الفيديو الثالث


زراعة: لن تصرّف إنتاجك على الطريق. لن تصرّفه بيننا. أرضك التي انتجت تينك، هي أرض غرباء. هي أرض اكتملت هوية الغربة فيها، حتى أضحى تينها غريباً ينقل فيروس الغربة والغرابة. هو لا يشبهنا، وعليه سنمنع انتشاره بيننا. اقطعوا شجرة التين الغريبة التي ستنبت بيننا. سيتسرب سمها إلى عقولنا، ويغيّر فيها صفو إيماننا. الأرض التي لفظتنا هناك في الفيديو الأول، لا يمكن أن يدخل إنتاجها إلى بطوننا.

في الطريق إلى بيوتنا، لن نأكل الخطيئة، وسنمنع انتشار ثمارها، حتى لا تُنبِت بذورها خطيئة بيننا.

 ليس السؤال هو حول الحريّة بذاتها، إنما حول الدخول إلى منطقة محرمة، وقول أمر ما بحرية، أو بالأحرى الدخول إلى مكان مقدس، من دون خلع الدناسة المتمثلة في الاختلاف عن قداسة المكان. في هذا المكان، القداسة هي أن تخلع عنك هويتك، وأن تشبه المكان وإلّا...

الفيديو الرابع


مواصلات: يفترض في هذا الفيديو أن صاحب المركبة غريب. لا يعطف هذا الفيديو على الفيديو الثالث، بقدر ارتباطه بالثاني، بفيديو الصواريخ. المركبة غريبة، وركابها غرباء. ركابها صواريخ، ويجب أن تُقطع عليها الطرقات. لا يفترض هذا الفيديو ما يعكر صفو يقينه بأنه لا هوية إنسانية للركاب، فهم أشياء مفخخة. هم خطوط إمداد، ويجب أن تُقطع. النظر إلى المواصلات في هذا المجال هو نظر عسكري.

على طرقاتنا لا مكان للغرباء، فكلهم صواريخ...

الفيديو الخامس 


تجاري: يربط هذا الفيديو العلاقة التجارية بخطاب تفوق. يقول إن التين لا يكون سلعة تبادلية، إلا إذا مرّ عبر قبول الحماية. إذا لم يكن تحت حماية "درع المقاومة"، لا يمكن أن يباع. الدرع شرط البيع، يجب أن يفهم التين ذلك. يجب أن يوضع التين تحت قبة ما. في فيديو التين إذعان، إذ يُطلب فيه من البائع ألا يقول شيئاً، وأن ينقل خطاباً من الذات، إلى ذاتها. البائع يجب ألا يكون إلا خط مواصلات الخطاب، حتى يكون بائعاً. لا تستوي علاقة التجارة إذا لم يكن الزبون على حق، والحق درع. والدرع يمتلك الحق. لا يفترض صاحب الفيديو أن موضوع التصوير سيقول شيئاً. يحسبه يهز برأسه كعلامة من علامات الرضا والموافقة، أو بالأحرى أن يظهر الموافقة. هدوء "ابن المقاومة" في هذا الفيديو صارم جداً، وهو من عدة الدرع.

إما أن تكون التجارة تحت الدرع، أو لا تكون.

النتيجة: هوية الأماكن مكتملة ومقدسة. لا طرقات بينها، ولا تجارة، وثمار زراعاتها إما خطيئة معدية، أو فضيلة مستحبة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image