قبل يوم واحد من حلول الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/ أغسطس، نشرت منظمة هيومان رايتس ووتش تحقيقاً قدمت خلاله أدلة جديدة على تورط مسؤولين رسميين لبنانيين في التسبب في الانفجار الذي خلّف خسائر مالية فادحة وأودى بحياة 218 شخصاً.
وأطلقت المنظمة على تقريرها الجديد اسم "دبحونا من جوا"، وهو يتضمن تقارير رسمية ومقابلات على مستوى رفيع، تظهر أدلة على تورط مسؤولين من كافة المستويات السياسية والعسكرية في الكارثة.
ولم تقع محاسبة أي مسؤول في الدولة – حتى لحظة نشر هذا التقرير- عن الانفجار الذي تسبب في إصابة سبعة آلاف شخص، وتشريد 300 ألف، وخسائر مادية بلغت قيمتها نحو أربعة مليارات دولار أمريكي.
نتيجة تراكمية
يشير التحقيق إلى أن المشاكل البنيوية في النظام القانوني والسياسي اللبناني تسمح لهؤلاء المسؤولين الكبار بتجنب المساءلة القضائية في وقوع هذه الكارثة.
وفي بيان للمنظمة، قالت لما فقيه، مديرة قسم الأزمات والنزاعات في هيومان رايتس ووتش: "تُظهر الأدلة أن انفجار مرفأ بيروت نتج عن أفعال كبار المسؤولين اللبنانيين وتقصيرهم، إذ لم يبلّغوا بدقة عن المخاطر التي تشكلها نيترات الأمونيوم".
المشاكل البنيوية في النظام القانوني والسياسي اللبناني تسمح لهؤلاء المسؤولين الكبار بتجنب المساءلة القضائية في مسؤوليتهم عن هذه الكارثة.
تفاصيل التحقيق
يعرض التقرير أدلة على وجود فساد وسوء إدارة في مرفأ بيروت سمحا بتخزين أطنان من المركّب الكيميائي القابل للانفجار نيترات الأمونيوم "عشوائياً، وبطريقة غير آمنة" طوال ست سنوات تقريباً.
واتهم التقرير مسؤولين لبنانين بالتسبب في الانفجار بسبب "أفعالهم وتقصيرهم، إذ لم يبلّغوا بدقة عن المخاطر التي تشكلها نيترات الأمونيوم، وخزّنوا المواد عن سابق علم في ظروف غير آمنة، وتقاعسوا عن حماية الناس".
وينشر التحقيق مراسلات جرت مع السفينة "روسوس"، التي جلبت نيترات الأمونيوم إلى المرفأ، وحمولتها، تثير كلها شكوكاً في أن مرفأ بيروت كان وجهتها المقصودة من البداية، وليس موزمبيق كما أُعلن من قبل.
دخلت السفينة إلى بيروت من أجل حمل معدات زلزالية من لبنان إلى الأردن لصالح شركة "سافاروا ليميتد" المملوكة لرجال أعمال روس وسوريين، يتساءل التقرير "كيف اتجهت إلى بيروت لحمل المعدات الزلزالية منها خلال وجهتها إلى موزمبيق، وهي بالفعل تحمل على متنها حمولة زائدة؟".
عندما رست السفينة في ميناء بيروت، تبين أنها غير صالحة للإبحار. وما فاقم من المشكلة، وجود ديون مستحقة على السفينة، مما أدى إلى حجزها من قبل إدارة إنفاذ القانون في لبنان في 20 كانون الأول/ديسمبر 2013.
يظهر أيضا أن ملاك السفينة تمت معاقبتهم من قبل الولايات المتحدة، لأنهم يتصرفون مالياً نيابة عن الحكومة السورية.
معدات المسح الزلزالي التي كان من المفترض أن تقوم السفينة بتحميلها في بيروت، كان يفترض أن تحصل عليها السفينة بموجب عقد بين شركة Spectrum البريطانية، ووزير الطاقة والمياه –آنذاك- جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية ميشال عون. "والسؤال من دفع الشركة إلى التعاقد مع هذه السفينة، هل كانت تعلم حالتها وماذا تحمل؟".
نفى مسؤولون قضائيون قابلتهم هيومن رايتس ووتش صحة ما ادعته إدارة الجمارك أنها تحتاج إلى إذن قضائي لبيع، أو إعادة تصدير، أو إتلاف المواد الخطرة
كتبت هيومن رايتس ووتش إلى كل شركة من الشركات المعنية، لتسأل عما إذا كانت مسؤولة عن اختيار تلك السفينة تحديداً لنقل معدات الزلازل إلى الأردن، وإذا كان الأمر كذلك ، فعلى أي أساس قاموا بالاختيار؟ ولكن لم يتلقوا أي ردود على المراسلات.
وفقا للوثائق، فإن السفينة كانت تحمل 2750 طنًا من نيترات الأمونيوم، لكن الخبراء يقولون إن الكمية الموجودة في المخزن 12 عندما انفجرت في 4 آب/أغسطس 2020، قد تكون 700-1000 طن.
في مقابلة مع هيومن رايتس ووتش في 8 يونيو /حزيران 2021، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، إنه وفقًا لتقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI)، فقد انفجر 500 طن فقط من نترات الأمونيوم من أصل 2750 مسجلة رسمياً. فأين ذهبت بقية المواد؟
إهمال متعمد
تُظهر الوثائق الرسمية أن بعض المسؤولين الحكوميين توقعوا وقبلوا ضمنياً بمخاطر وجود نيترات الأمونيوم في المرفأ، "وهو أمر يرقى إلى جريمة القتل عمداً و/أو القتل بغير قصد وفقاً للقانون المحلي.
وتذكر الوثائق أنه تم تحذير المسؤولين في "وزارة الأشغال العامة والنقل"، التي تشرف على المرفأ، من الخطر، لكنهم لم يبلغوا القضاء كما يجب، ولم يحققوا بشكل كافٍ في طبيعة شحنة السفينة القابلة للانفجار والاحتراق، والخطر الذي تشكله. "خزنوا نيترات الأمونيوم مع مواد أخرى قابلة للاشتعال أو متفجرة لستّ سنوات تقريباً، في عنبر غير مؤمّن كما يجب، وسيئ التهوية في وسط منطقة تجارية وسكنية مكتظة".
وبحسب التحقيق، فإن المسؤولين في الوزارة لم يشرفوا بشكل كافٍ على أعمال الإصلاح التي أجريت في العنبر 12، والتي ربما تسببت في الانفجار.
وتبين المراسلات الرسمية مع مسؤولي الجمارك التابعين لوزارة المال أن عدداً من مسؤولي الوزارة كانوا على دراية بالمخاطر. وأفاد مسؤولو الجمارك أنهم أرسلوا ما لا يقل عن ست رسائل إلى القضاء يطلبون فيها بيع أو إعادة تصدير المواد، لكن سجلات المحكمة تظهر أن مسؤولي الجمارك أُبلغوا مراراً بأن طلباتهم غير صحيحة من الناحية الإجرائية.
"خزنوا نيترات الأمونيوم مع مواد أخرى قابلة للاشتعال أو متفجرة لستّ سنوات تقريباً، في عنبر غير مؤمّن كما يجب، وسيئ التهوية في وسط منطقة تجارية وسكنية مكتظة"
كما قال مسؤولون قضائيون قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن الجمارك لا تحتاج إلى إذن قضائي لبيع أو إعادة تصدير أو إتلاف المواد.
ويشير التحقيق إلى أن قيادة الجيش اللبناني لم تعطِ أهمية كبرى للمسألة لدى معرفتها بشأن حمولة نيترات الأمونيوم، قائلة إنها ليست بحاجة إليها، حتى بعد أن علمت أن نسبة النيتروجين فيها تجعلها بموجب القانون اللبناني من المواد المستخدمة لتصنيع المتفجرات وتحتاج إلى موافقة من الجيش لكي يتم استيرادها.
ويثبت التقرير أن مخابرات الجيش، المسؤولة عن جميع المسائل الأمنية المتعلقة بالذخيرة، والمخدرات، والعنف في المرفأ، لم تتخذ أي خطوات على ما يبدو لتأمين المواد أو وضع خطة استجابة طارئة أو إجراءات احترازية.
أقرّ في التحقيق وزير الداخلية آنذاك والمدير العام لـ "الأمن العام" بمعرفتهما بشأن نيترات الأمونيوم على متن روسوس، لكنهما قالا إنهما لم يتخذا إجراءات بعد علمهما بها لأن ذلك لم يكن ضمن صلاحياتهما.
وكانت "المديرية العامة لأمن الدولة"، وهي ذراع "المجلس الأعلى للدفاع"، الذي ينفذ السياسة الدفاعية للبلاد، على علم بوجود نيترات الأمونيوم ومخاطرها منذ أيلول/سبتمبر 2019 على الأقل، "لكن كان هناك تأخير في إبلاغ التهديد إلى كبار المسؤولين، وكانت المعلومات المقدمة غير كاملة".
حتى أكبر رأس
ينشر التحقيق أولى المراسلات التي أرسلها أمن الدولة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في 20 تموز/يوليو 2020، قبل أسبوعين من الانفجار.
اعترف رئيس الجمهورية ميشال عون، رئيس المجلس الأعلى للدفاع، بأنه كان على علم بوجود نيترات الأمونيوم منذ 21 تموز/يوليو 2020 على الأقل، وطلب من أحد المستشارين متابعة الموضوع، لكنه زعم أنه غير مسؤول.
كان رئيس الوزراء حسان دياب على علم بوجود نيترات الأمونيوم منذ 3 حزيران/يونيو 2020، لكنه لم يتخذ أي إجراء غير إحالة تقرير أمن الدولة المرفوع في 20 تموز/يوليو 2020 إلى وزارتَي العدل والأشغال العامة.
في العام الذي أعقب الانفجار، أدت العيوب الإجرائية والمنهجية في التحقيق المحلي إلى جعله غير قادر على تحقيق العدالة بشكل موثوق به. وتشمل هذه العيوب "عدم استقلال القضاء، وحصانة كبار المسؤولين السياسيين، وعدم احترام معايير المحاكمات العادلة، وانتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة".
تغريدات
تُظهر الأدلة أن انفجار مرفأ بيروت نتج عن إهمال كبار المسؤولين اللبنانيين وتقصيرهم، إذ لم يبلّغوا بدقة عن المخاطر التي تشكلها نيترات الأمونيوم
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...