شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
اختلاس القبل على ضفاف النيل... رومانسية أم إخلال بالحياء؟

اختلاس القبل على ضفاف النيل... رومانسية أم إخلال بالحياء؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 12 يونيو 201709:55 ص

مع اشتداد شمس الظهيرة، يجلس شاب يرتدي هنداماً متواضعاً، يحتضن بيُسرَاه خاصرة امرأة لم أتبين ملامحها جيداً، ترتدي عباءة سوداء، وتلملم بقايا شعرها بحجاب مزركش. وعلى جانب منزوٍ من ضفة النيل، أوليا ظهريهما للمارة وأمعنا في اختلاس القبلات المشوبة بالحذر من متطفل يقتحم المساحة الكامنة بين شفتيهما. يدان متشابكتان. بعض القبلات غير المتقنة، تقطعها نظرات متوجسة في كل اتجاه، اتقاءً لأي ظرف قد يعكر صفو جلسة نيلية ملؤها الرومانسية العشوائية. تلك المشاهد التي تعج بها ضفاف النيل، كانت، على مدار سنوات، مظهراً يُمتَدَح، كما كانت دليلاً على حياة الحرية التي تتميز بها القاهرة خلال حقبة سابقة. ولما كانت الحياة في معمعة القاهرة وعشوائيتها لا تفضي إلا لمزيد من محاولات ساكنيها إيجاد حلول ترفيهية ربما تكون ملجأ لهم لتفريغ الكبت.

ولما كان الانفتاح سمة أساسية للمجتمع القاهري، فقد كان من الطبيعي أن تروا شاباً يحتضن معشوقته ذات الضفائر الليلية على شواطئ النيل، عله يحظى بقبلة تطيل الأجل إن كان قصيراً. ربما تصدمكم تعليقات المارة على تلك المراهقة، التي ترتدي زياً مدرسياً يوحي ببلوغها المرحلة الثانوية، تسير برفقة حبيبها صاحب الشعر الجميل والعينين العسليتين، وقد خلعت عن شعرها الحجاب وأسدلته حول عنقها. يلهوان معاً على ضفة نيلية، وتدعوه للراحة حين وصولهما إلى أول مصطبة اسمنتية. تنظر إليه وتضحك بخفة ودلال، من دون أن يغزو محياها ما يوحي بخجل. يبدو أنها تحبه. وتسيطر عليه أيضاً. فهي من أمسكت بيديه، ثم غرزت يمناها في شعره الناعم المتناثر قبل أن يبدي امتعاضه من ذلك الفعل.

ومع ظهور طبقات من المتدينين الجدد الذين سافروا للعمل في العديد من الدول العربية والإسلامية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وتزامناً مع عودتهم إلى ديارهم، بعد أن تبدلت أحوالهم، انقلب حال المجتمع رأساً على عقب. فَسَادَ التشدد شوارع القاهرة، التي كانت مضرباً للمثل في الموضة وفنونها. وبدأ الاهتمام بالدين ينصب باتجاه المظهر وما يمثله كالملبس وتسريحة الشعر وحتى طريقة لقاء العشاق الذين باتوا يتحاشون نظرات المتطفلين التي تلاحقهم أينما حلوا.

ثمن القبلة

عم نجيب، رجل خمسيني يملك محلاً صغيراً على ضفة نيلية قريبة من حي الزمالك الراقي، يقول: "فكرتني بأيام زمان وأخلاق زمان والناس الحلوة. ربنا يعيد الأيام دي (هذه)، إحنا نستاهل نعيش أحسن من كده. الدول بتتقدم وبتتطور وإحنا بننزل تحت". ويضيف "زمان كان الشط ده (هذا)، مليان ناس نضيفة ولبسهم كويس وكلامهم كويس. كنت لما تشوف شاب حاضن بِت (بنت) وبيبصوا (ينظرون) على النيل كانت حاجة عادية جداً. بس دلوقتي (الآن)، الحال اتبدل.

تلاقي الواد من دول راكب موتسيكل (دراجة نارية)، ومركب البت بتاعتو (حبيبته) وراه، وفاتح التسجيل على أعلى صوت وأغاني مهرجانات وحاجة تقرف. الناس النضيفة اللي بتحترم نفسها بقت (أصبحت) تحب تقعد بالأماكن المقفولة اللي عالنيل عشان البلطجة اللي بتحصل من بتوع المراكب والرحلات". "نص ساعة بخمسين يا بيه". هذا واحد من  المصطلحات التي ستسمعونها كثيراً إن هممتم بالسير برفقة فتاة على ضفة النيل المقابلة لمنطقة وسط البلد بعد مغيب الشمس. فَسَواد الليل قد يستر القبلات في وسط النيل، برفقة صاحب المركب الذي سيأخذكم وفتاتكم في رحلة قصيرة، تنتهي بابتزازكم بشكل لا أخلاقي، إذ عنوان العرض كان واضحاً. هو يغريكم برحلة نيلية لقاء مبلغ زهيد مع وعود بتوفير أجواء رومانسية، ستكون كلفتها باهظة بعد انتهائها.

وإذا تفاديتم أصحاب تلك المراكب، فلن تكونوا قادرين على تفادي كم الدعوات والتوسلات، التي ستطلقها طفلة تحمل الورود، تلاحقكم يميناً ويساراً، حتى تبتاعوا منها وردة بلا رائحة ولا لون، لإهدائها إلى رفيقتكم، التي باتت تسير مسرعة من شدة الخوف الذي انتابها من تلك المظاهر، التي أفسدت رحلتها مع حبيبها، بعدما فقد تركيزه جراء ما صادفه من مظاهر على ضفاف النيل. يقول سليم، الذي يقف على باب أحد الكازينوهات الفاخرة المنتشرة على ضفاف النيل مرحباً بالزبائن: "الزباين اللي بتيجي هنا من طبقة معينة لأن الأسعار غالية جداً ومش أي حد يقدر عليها. يعني لو هتعزم البت بتاعتك (حبيبتك)، لازم تعمل حسابك عالأقل تدفع 500 جنيه (27 دولاراً) لتشرب كباية شاي مع قطعة جاتوه. وفي ناس كتير بقت تيجي تقعد في المكان المخصص عالنيل تحت، عشان البلطجة والمتسولين اللي عالنيل".

فعل فاضح

المادة (278) من قانون العقوبات المصري، تنص على أن "كل من فعل فعلاً فاضحاً مخلاً بالحياء يعاقبب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو بغرامة لا تتجاوز 300 جنيه (16 دولاراً)". ولا تقوم جريمة الفعل الفاضح العلني إلا بتوافر ثلاثة أركان، الأول فعل مادي يخدش في المرء حياء العين أو الأذن، سواء وقع الفعل على جسم الغير أو أوقعه الجاني على نفسه، والثاني العلانية، ولا يشترط لتوفرها أن يشاهد الغير عمل الجاني فعلاً، بل يكفي أن تكون المشاهدة محتملة، أما الثالث، فهو القصد الجنائي، وهو تعمد الجاني إتيان الفعل. يقول تيخة، شاب ثلاثيني يملك "نَصبَة" لبيع الشاي على كورنيش النيل في منطقة العجوزة: "بتوع المباحث تلاقيهم منتشرين بأي وقت هنا وخصوصي فترة الليل عشان الناس اللي بتيجي تستغل الوقت ده بالذات ومعاهم حريم (نساء)، من كام يوم قفشوا (أمسكوا) راجل كبير معاه واحدة بس شكلهم كانوا مراقبين لأن المباحث طَبِت (هاجمتهم) أول ما نزلوا الحتة دي (مشيراً إلى سلم مظلم يؤدي إلى أسفل النهر)". ويضيف تيخة: "بالنهار في ناس كتير بتنزل من هنا والأمن بيوقفهم بس بعد شوية يمشوهم لأنو مش كل واحد ماشي مع واحدة هيحبسوه، عشان كده بيخوفوهم بس شوية عشان ميرجعوش المنطقة دي تاني ولو رجعو تاني بيكونوا ماشيين باحترامهم وخايفين حد يوقفهم تاني". "واد يا تيخة... احكيلو عالبت (عن البنت) اللي ضربوها قبل رمضان"، قالت إحدى المتسولات الجالسات على الرصيف بجانب تيخة، بعد أن تَفَسَخت شفتاها جراء ابتسامة أظهرت سواد أسنانها. فأوضح: "إسمع يا بيه... في بنت كانت مع واحد ونزلو تحت، غابوا فترة، وبعد كده لقينا ناس طالعة من تحت ومعاهم الولد والبنت وعاوزين يسلموهم للبوليس، الولد استغفل الناس اللي مسكوهم، وساب (ترك) البنت معاهم وهرب. والناس مسكت البنت وفضلو يضربوها لغاية ما اعترفت إنها متعرفش الولد اللي كان معها، هما بس اتفقو على قعدة وهوا كان هيديها (سيعطيها) فلوس مقابل القعدة دي وخلع منها وسابها (هرب) والشرطة يومها أخدتها بس كانت قصة كبيرة".

القانون يحارب القبلات

الناشطة القانونية منال حسن تقول إن عقوبة الفعل الفاضح لا تنفذ إلا إذا توفر فيها عدة شروط، أولها المجاهرة كما نصت المادة 278 من قانون العقوبات، ويتوقف الأمر إجمالاً على محضر الضبط وإمكانية العفو ما دام الأمر لم يتسبب بأذى لأي شخص كان. وأضافت حسن: "ما نراه ليست قبلات شهوانية بل هي بقصد السلام، أو كتعبير عن الاشتياق، لكن أن تكون القبلة في مكان مشبوه ومفعمة بالرغبة، فهذا يوضحه محضر الضبط أيضاً والضابط المسؤول عن الواقعة". وختمت: "لكن إجمالاً، هناك الكثير من الحالات على هذه الشاكلة، يتم الحكم بها في الوقت نفسه من قبل الضباط والأمناء من خلال العفو عن أولئك الشباب الذين يحاولون اقتناص بعض القبلات من حبيباتهم أو عشيقاتهم، لأن الأمر في الشارع لن يتطور إلى أكثر من ذلك. ومن فعل ذلك مرة وتعرض لهذا الموقف لن يكرره مرة أخرى، ولا ضرورة للفضائح، إلا في حالات التطاول على الأمن من قبل هؤلاء الأشخاص".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image