في بيروت، حين حلّ الانفجار قبل سنة، تحوّل الرعب العام الذي اختبره جميع المواطنين إلى قصص خاصّة تروى بحسب شعور ومنطق وذكريات كل فرد.
للانفجار زمان ومكان وأحياناً رائحة ولون ملابس، وسيبقى مطبوعاً في ذاكرة كل من عايشه كحدث مفصلي غيّر مسيرة الحياة الحاصلة من بعده.
الزجاج الذي كان يفصل الداخل عن الخارج اختفى، وتوحّد كل شيء في قلب الانفجار
أخاف حتى اللّحظة
“عدت هذا العام إلى مقاطع الفيديو والصور التي التقطتها في الرابع من آب/ أغسطس من العام 2020. وردّة فعلي الأولى تبقى هي نفسها 'وقف شعر بدني'.
رأيت الدخان يتصاعد من مرفأ بيروت. توقفت لألتقط المشهد. ومن ثمّ كان الانفجار.
ومن كثرة الوجع، لا أستطيع حتى الساعة أن أسترجع مشاهد الجثث والناس الغارقة بدمائها.
كان يوماً عادياً في بيروت وكنت أمارس الرياضة. حدث الانفجار ونجوت. وتلك اللحظات التي لم أدرك حجمها إلا مع مرور الأيام، مطبوعة في ذاكرتي، وحتّى اللّحظة أخاف”.
محسن (30 عاماً)
واجهات شارع الحمراء وأغنية
“سرت من منطقة المنارة نحو شارع الحمراء غير مدركة لما حصل. كل واحدة فينا ظنّت أن الانفجار استهدف الحي أو المنطقة الموجودة فيها.
جلست في أحد المقاهي حيث استعرت سيجارة من رجل لا أعرفه، منتظرة عودة الإرسال للاتصال بمن أحبّهم. سمعت صوت أخي الصغير وهو يبكي ظناً منه أنني متّ. كانت أخبار الانفجار قد وصلته قبلي. وبقيت أردّد أنني على قيد الحياة وبخير على مسمع كل من كلّمني، ومن بعدها أقفلت هاتفي وبدأت بالسير في الأحياء الفرعية مستمعة إلى أغنية أحبّها.
هذا الانفجار جاء ليقول لنا جميعاً: ”أنا نتيجة سنوات من سياسات هذه المنظومة ولن أستثني أحداً منكم”
الزجاج الذي كان يفصل الداخل عن الخارج اختفى وتوحّد كل شيء في قلب الانفجار. أصحاب المتاجر وضعوا الكراسي أمام الأبواب المخلوعة ليحموا أملاكهم. وأنا بدوري التقطت الفستان المتطاير نحو الرصيف، فنظّفته من الزجاج وسلّمته إلى صاحب محل الملابس ليعيد عرضه على الواجهة المحطّمة.
هبة (29 عاماً)
منطقة الحمراء في الرابع من آب/ أغسطس 2020- تصوير هبة
صوت الزجاج لون الزجاج
“من أين أتى لون الزجاج؟ هذه الفكرة شغلتني منذ لحظة خروجي بأعجوبة من منطقة وسط المدينة وتوجّهي نحو منزلي في منطقة قريطم.
حسناً يا ندى، الزجاج حين ينسكر لديه صوت موسيقى. وحين تتكاثف قطعه الصغيرة بعضها فوق بعض، يصير له لون فيروزي خفيف. اللون الفيروزي كان لوني المفضّل. ولذلك حين رأيت المدينة منهارة في الشوارع ركّزت على الزجاج لأتجنّب النظر إلى السيارات والباطون والجرحى.
هذا الزجاج نفسه وقع على يد زوجي وعطبها، وهو نفسه أيضاً تطاير بالقرب منّي ولم يطلني. هذا الزجاج صار صوتاً لمدينة بأكملها وجعلني أبقى بلا نوافذ لمدّة شهر خوفاً من الانفجار القادم”.
ندى (28 عاماً)
منطقة قريطم في الرابع من آب/ أغسطس 2020- تصوير ندى
المصرف والانفجار
“تركت منزل شقيقتي في منطقة الجميزة وتوجّهت نحو الجنوب. سمعت الانفجار أثناء قيادتي على الأوتوستراد لكنّي لم أعره اهتماماً.
في منطقة الجية أخبرني أخي أنه شعر وكأنّ أحدهم أدخل سيارة مفخّخة إلى داخل المبنى الذي يسكن فيه. لم أعره اهتماماً أيضاً.
في تلك الليلة، أظنّ أن عقلي حاول أن يحميني من الوجع فجعلني أخلد إلى النوم باكراً. لم أشاهد صور الضحايا. لم أتأمّل الجثث ولم أشعر بشيء وحلّ عليّ العجز المرافق لي حتّى اللحظة. فأنا مقتنعة أن الطبيعة البشرية غير مؤهلة لتمتص أو لتدرك حجم الكارثة التي اختبرناها. وأن الانفجار أكبر وأقوى من جهازنا العصبي.
في اليوم التالي حين عدت إلى منزل شقيقتي لأساعدها بتنظيفه، رأيت الانفجار يطال كل جوانب حياتنا.
للانفجار زمان ومكان وأحياناً رائحة ولون ملابس.
قبل أسبوع من تحطّم المدينة كنت في أحد المصارف أحاول أن أسترجع أموالي. في الخامس من آب/ أغسطس وبعد يوم من الانفجار وقفت أمام أحد المصارف لأشاهده محطّماً، وحينها شعرت بشيء ما. شعرت أن هذا الانفجار جاء ليقول لنا جميعاً: ”أنا نتيجة سنوات من سياسات هذه المنظومة ولن أستثني أحداً منكم”.
رلى (اسم مستعار) (33 عاماً)
منطقة الجميزة في الخامس من آب/ أغسطس 2020- تصوير رلى
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت