"نتعرّض أنا وأبنائي لإحراج يومي بسبب عدم حصولنا على أرقام وطنية تثبت انتماءنا لوطننا، وهو ما انعكس سلباً على أبنائي الملتحقين بمدارسهم إلى جانب اللاجئين".
هذا ما يقوله حسن النعيم (43 عاماً) لرصيف22، وهو واحد من الأردنيين المحرومين من حقوقهم المدنية بسبب عدم امتلاكهم أوراقاً ثبوتية، والذين يُطلق عليهم اسم "البدون".
ينتابه الحزن والأسى في سعيه للحصول على الجنسية الأردنية منذ عام 2000. يقول: "أولادي يتعرّضون لاستهزاء ونظرات استحقار من قبل زملائهم"، فضلاً عن التمييز، بالنظر إلى أن "لديهم حقوقاً بينما أبنائي لا".
و"البدون" مصطلح يُطلق على مئات الأفراد غير الحاصلين على رقم وطني أردني، معظمهم من البدو الذين يقطنون البادية وقصّروا في تسجيل الولادات، ما حال دون حصولهم على الأوراق الثبوتية في وقت سابق، وحرمهم من امتلاك الجنسية.
هؤلاء محرومون الآن من حقوقهم المدنية. ويقدّر مسؤول ملف الجنسية واللجوء في "المركز الوطني لحقوق الإنسان"، عيسى المرازيق، أعدادهم برقم يتراوح بين خمسة وستة آلاف شخص، لا يمتلكون أرقاماً وطنية، ويتوزعون في مناطق البادية الشمالية الشرقية والرويشد وبعض القرى.
حرمان وإجراءات معقدة
يشكو حسن النعيم المقيم في محافظة المفرق، في شمال شرق المملكة، واقع البدون في الأردن، انطلاقاً من تجربته وتجربة أبنائه. حُرم النعيم من استخراج جنسية له بينما تمكّن إخوته ووالدته من الحصول عليها. وبعد سنوات من ذلك، طالب بالحصول على جنسيته وأوراقه الثبوتية، إلا أن دائرة الأحوال المدنية ووزارة الداخلية أخبرتاه أنه لا يحق له ذلك لعدم تسجيله في دفتر العائلة.
يقول النعيم: "بالكاد نستطيع تأمين الطعام والشراب لأبنائنا، ولا نستطيع العمل في الوظائف الحكومية وغير مؤمّنين صحياً، ولا نستطيع تملك أي قطعة أرض أو بيت"، لافتاً إلى أنه "حين ندخل أي دائرة حكومية، يُنظر إلينا باستغراب وكأننا لسنا أبناء هذا الوطن ولم نولَد ونترعرع على أرضه".
يحمل النعيم جواز سفر مؤقت منذ عام 2002 ، يترتب تجديده كل عام أو عامين، بحسب مدة صلاحيته، إلا أنه لم يقم بذلك. ومنذ 21 عاماً ينتظر منحه الجنسية، ولا يستطيع في ذات الوقت تجديد جواز سفره المؤقت لتلكفته المرتفعة والتي تبلغ 200 ديناراً، فضلاً عن الإجراءات المطولة التي يحتاجها لإصداره من قبل الجهات الرسمية، كما يقول.
صورة عن جواز سفر مؤقت.
ظروف معيشية صعبة
تُحرَم فئة "البدون" من التعليم والتأمين الصحي والتملّك والعمل في الوظائف الحكومية أو القطاع الخاص، وإذا توفّر عمل لهم، يكون عقد العمل خارجياً بدون تأمين صحي. وتتضاعف معاناتهم بسبب ما يواجهونه من تمييز اجتماعي وتنمّر في حياتهم اليومية.
يقول المتحدث باسم البدون، سالم الرويلي لرصيف22: "نحن كبدون لا يعلم بحالنا سوى الله، والغالبية العظمى منّا يعيشون في ظروف حياتية صعبة".
"نتعرّض أنا وأبنائي لإحراج يومي بسبب عدم حصولنا على أرقام وطنية تثبت انتماءنا لوطننا"
مشكلة الأوراق القانونية تنسحب على عقود الزواج أيضاً. يوضح الرويلي أن عقود زواج البدون مخالفة للقانون لعدم تسجيلها في المحاكم ذات الاختصاص "لأن الفرد منّا لا يمتلك جواز سفر ولا يحمل الرقم الوطني، وهذا تترتب عليه غرامة تقدَّر بألف دينار حتى يتم التسجيل، بينما مَن يُمنح جواز سفر مؤقت يحتاج إلى موافقة أمنية وقد يطول أمدها حتى يتمكن الفرد منّا من استكمال إجراءات الزواج".
"غير أردني/ة"
يعود عدم حصول "البدون" على الجنسية إلى حياة الآباء والأجداد القائمة على الترحال والتنقل من منطقة إلى أخرى، وامتهان الرعي كمهنة أساسية لتوفير قوت يومهم. لم يكن أمر الجنسية واستخراج الوثائق الرسمية يشكّل أي أهمية بالنسبة إليهم.
أبناء البدون ليسوا أسوة بالمواطنين الآخرين على أرض المملكة. كُتب على شهادات ميلادهم "غير أردنيـ(ـة) / مكلف بإثبات الجنسية".
صورة عن شهادة ميلاد لأحد أبناء البدون.
لا توجد إحصاءات قاطعة حول أعداد "البدون" في الأردن. ويشير مدير عام دائرة الأحوال المدنية والجوازات، فهد العموش، في حديث لرصيف22، إلى تشكيل لجنة في وزارة الداخلية يراجعها مَن لم يستطع إثبات جنسيته، ومعظمهم من بدو الشمال.
ويؤكد "المركز الوطني الأردني لحقوق الإنسان" أن قضية "البدون" موجودة و"نتابع أمرهم منذ سنوات"، ويقول المرازيق لرصيف22 إن "في حوزة المركز شكوى رسمية من هذه الفئة، ويقوم المركز بإدراج مشكلتهم ومعاناتهم ضمن التقرير السنوي الخاص بالحالة الحقوقية في الأردن، ويطالب باستمرار عبر قنواته المختلفة مع الجهات ذات العلاقة في الدولة الأردنية بضرورة منحهم حقوقاً أساسية عبر إعطائهم وثائق وتسهيلات تضمن لهم بصفة أساسية حقهم في التعليم والصحة إلى حين البتّ بقضيتهم المركزية المتمثلة بالرقم الوطني والجنسية".
يعود عدم حصول "البدون" على الجنسية إلى حياة الآباء والأجداد القائمة على الترحال والتنقل من منطقة إلى أخرى، وامتهان الرعي كمهنة أساسية لتوفير قوت يومهم. لم يكن أمر الجنسية واستخراج الوثائق الرسمية يشكّل أي أهمية بالنسبة إليهم
وتضمنت الشكوى التي قدّمها أفراد من "البدون" إلى المركز مجموعة من المطالب أبرزها منحهم الجنسية الأردنية، بحسب مديرة إدارة الحقوق المدنية والسياسية في المركز نهلا المومني. ويرسل المركز هذه الشكاوى إلى الجهات المعنيّة الرسمية، ويعمل حالياً على مشروع الحق في الجنسية واستردادها وتأمين المساعدة القانونية في هذا الإطار.
وتشيد المومني بـ"التجاوب من قبل الجهات المعنيّة في ما يتعلق بقضية منح الجنسية إلا أن الإجراءات تستغرق وقتاً إلى حين الانتهاء منها".
مخالفة للمعاهدات الدولية
ينطوي التأخر في حل معضلة "البدون" على مخالفة حقوقية. توضح المديرة التنفيذية لـ"مركز العدل للمساعدة القانونية"، هديل عبد العزيز لرصيف22 أن الأردن "ملزَم بموجب الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بإعطاء هذه الفئة الجنسية"، مضيفة أن عدم القيام بذلك "يُعَدّ مخالفة لهذه الاتفاقيات"، ومعتبرة أن "حرمان أي فرد يولَد ويعيش على أرض المملكة من الجنسية لا يجوز من منظور حقوق الإنسان ويُعَدّ قضية خطيرة من الجانب الأمني".
وتنص شرعة الأمم المتحدة على أن الحق في الجنسية من الحقوق الأساسية للأفراد. ونصت المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الفقرة (1) على أنه "لكل فرد حق التمتع بجنسية ما"، والفقرة (2) جاء فيها أنه "لا يجوز حرمان أحد من جنسيته تعسفياً ولا من حقه في تغييرها".
وفي الأردن، تنص المادة (6/3) من قانون الجنسية الأردنية رقم (6) لسنة 1954 على أنه يُعتبر أردني الجنسية "جميع أفراد عشائر بدو الشمال الواردة في الفقرة (ي) من المادة 25 من قانون الانتخاب رقم 24 لسنة 1960 والذين كانوا يقيمون إقامة فعلية في الأراضي التي ضمت إلى المملكة سنة 1930".
ويشير الرويلي إلى أن "حرمان البدون من الجنسية وتضييق سبل الحياة عليهم أجبرت بعض شبابهم على السير في سلوكيات غير قانونية والانحراف لتدبّر أمور حياتهم وتأمين لقمة عيشهم، وذلك لعدم قدرتهم على العمل في القطاع العام أو الخاص لافتقارهم إلى الأرقام الوطنية".
حراك سياسي تشريعي
لا يقتصر الحراك لحل مشكلة "البدون" على الجانب الحقوقي، إذ أبدى رئيس لجنة الحريات النيابية النائب رائد ظهراوي اهتمامه بمساعدة هذه الفئة من المجتمع مشيراً إلى أن "تعليمات قانون الجنسية الأردني جاءت واضحة في ما يتعلق بمنح الجنسية للأفراد".
ويؤكد الظهراوي لرصيف22 أن قضية البدون "لم يتم طرحها على اللجنة ولم تتم مراجعتها من أي فرد من أفراد البدون"، مشدداً على "وقوفه إلى جانبهم في حال اتضح حقهم بمنحهم الجنسية".
وكشف الظهراوي على نيته طرح سؤال نيابي على الحكومة ووزير الداخلية حول هذه الفئة ومعرفة الإجراءات المتبعة لمنحهم الجنسية والأسباب التي حالت دون ذلك.
وتبقى قضية "البدون" حاضرة منذ سنوات ولا أفق قريباً بوجود حل إذ تظلّ حبيسة الوعود الحكومية، بينما تستمر جهود المراكز الحقوقية في نضالها نحو انتزاع مزيد من الحقوق لهذه الفئة التي تتكاثر أعدادها يوماً بعد يوم، وتزداد معاناتها أكثر فأكثر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع