بالنسبة للأفراد الذين يعانون من القلق ونوبات الهلع بسبب السفر، لا تبدو الإجازات والرحلات دائماً وكأنها ملاذ لهم/نّ وفرصة للاسترخاء وشحن الطاقة حتى قبل أن يتفشى وباء كوفيد 19.
في الحقيقة وقبل قرن من الزمان، وصف عالم النفس الشهير سيغموند فرويد مشاعر الهلع هذه التي تصاحب الرحلات الجوية بأنها "reiseangst"، وهي كلمة بالألمانية تعني "الخوف من السفر"، ومنذ ذلك الحين، أصبح قلق السفر عاملاً شاملاً للأعراض والمخاوف التي قد تفسد رحلة الاسترخاء، إذا تُركت دون رادع.
وما لا شك فيه أن فيروس كورونا أدى إلى تفاقم مخاوفنا على كافة الأصعدة والمجالات، بحيث لم يعد القلق الشديد مقتصراً فقط على مسألة الإصابة بالوباء، فبالنسبة لبعض الأشخاص الذين يعانون من رهاب السفر، فإن فكرة العودة إلى عالم الرحلات الجوية تلقي بثقلها على أذهانهم حتى بعد تلقي اللقاح.
القلق من عودة الحياة إلى طبيعتها
مع استمرار حملات التطعيم في معظم الدول من حول العالم، يعتبر الخبراء في الصحة النفسية أن القلق من عودة الحياة إلى طبيعتها آخذ في الازدياد.
بحسب دراسة حديثة أجرتها جمعية علم النفس الأميركية، فإن حوالي نصف البالغين/ات يشعرون/ن بالقلق من العودة إلى الأنشطة الشخصية، مع اختلاف بسيط بين مخاوف الملقحين/ات وأولئك الأفراد الذين لم يتلقوا اللقاح بعد.
بالنسبة للأفراد الذين يعانون من القلق ونوبات الهلع بسبب السفر، لا تبدو الإجازات والرحلات دائماً وكأنها ملاذ لهم/نّ وفرصة للاسترخاء وشحن الطاقة حتى قبل أن يتفشى وباء كوفيد 19
تعليقاً على هذه النقطة، قالت ليلي براون، مديرة مركز جامعة بنسيلفانيا لعلاج ودراسة القلق، إن بعض الأشخاص الذين قد يكون لديهم قلق بشأن المواقف الاجتماعية أو السفر في وقت مبكر من حياتهم، دفعوا أنفسهم للتغلب على تلك المخاوف، بشكل أساسي، من خلال وضع أنفسهم في مواقف تثير القلق.
غير أن براون استطردت بالقول إن هناك ظاهرة في علم النفس التجريبي تسمى "الشفاء التلقائي"، ونظراً لكون الناس ابتعدوا عن الممارسة، فإن القلق بدأ ببطء يرفع رأسه "القبيح" مرة أخرى.
في حوار أجراه موقع رصيف22 مع الأخصائية في علم النفس لانا قصقص، أوضحت أن جائحة كورونا وضعت معظم الأشخاص في حالة تتسم بعدم الأمان النفسي وبالشعور الدائم بأن هناك خطراً يحاوطهم: "أصبح هناك تنميط للخوف الذي ينتابهم، وبات القلق يشمل جميع الأمور التي من حولهم"، موضحة أن رهاب السفر، على سبيل المثال، بات ينسحب بالنسبة للكثيرين على أمور أخرى، مثل الخشية من الذهاب إلى مول تجاري والاختلاط مع الآخرين.
وشرحت قصقص أن رهاب السفر ينبع من بنية نفسية هشة، بحيث تكون شخصية الشخص المعني أكثر ميلاً إلى الشعور بالقلق من شخص آخر، مضيفة أن فيروس كورونا عزّز من هذا القلق والخوف وخلق جوّاً مهيئاً لتطوير مخاوف نفسية غير عقلانية: "في الطائرة، قد يشعر البعض بخطر داهم وبعدم الأمان".
كيف يمكن التعامل مع رهاب السفر؟
كشف العديد من الخبراء لصحيفة واشنطن بوست، عن بعض الإرشادات التي تساعد الأفراد على التعامل مع القلق من السفر وكيفية الاستعداد للقيام بالرحلات الجوية الأولى بعد تلقي اللقاح.
التفكير في العلاج بالتعرض قبل الحجز للرحلة
اعتبر مارتن سيف، عالم النفس ومؤسس جمعية القلق والاكتئاب الأميركية (ADAA) "أن المعيار الوحيد الأكثر أهمية في تحديد مدى ارتياحنا لشيء ما هو عدد المرات التي نفعله فيها".
وأضاف مارتن، وهو أبرز المتخصصين في التغلب على الخوف من السفر، إلى أن الجهد الذي نبذله للتخلص من القلق يجعل هذا الشعور أقوى: "العنصر النشط للتغلب على القلق هو التعرّض. يجب أن يتم ذلك بالطريقة الصحيحة".
في الواقع، يطلق علماء النفس على هذه الطريقة: "علاج التعرض"(Exposure therapy)، وهي تقنية ثبت أنها فعالة للغاية في علاج العديد من المشاكل والاضطرابات النفسية، بما في ذلك القلق والتوتر ونوبات الهلع.
واللافت أن هناك مجموعة واسعة من طرق العلاج بالتعرض، والتي يصمّمها علماء النفس وفقاً لحالة المريض/ة. على سبيل المثال، قد يستخدم المعالجون سيناريوهات متخيّلة أو محاكاة طيران في الواقع الافتراضي (VR).
التدرب بالقرب من المنزل
حتى وإن كان المرء لا يسعى للحصول على رعاية مهنية في الوقت الراهن، فإن المبادىء العامة الكامنة وراء العلاج بالتعرّض يمكن أن تساعد العديد من المسافرين/ات على الشعور بالاسترخاء نوعاً ما في السفر، فالفكرة هنا هي في تحديد جوهر الخوف والاقتراب ببطء من مصدر الخوف بشكل تدريجي.
إذن المفتاح هو البدء ببطء، كما أكد عضو مجلس إدارة ADAA كين غودمان، الذي قام بالعديد من دورات القلق في المنزل.
التفكير في "رحلة تجريبية" قبل القيام برحلة أكبر
حتى في أفضل الأوقات، يتسبب السفر الجوي في إثارة القلق لدى العديد من الأشخاص.
في هذا الصدد، قال كين غودمان إن المسافرين الذين تم تطعيمهم مؤخراً قد يفكرون في إجراء تجربة أسهل للحصول على بعض الممارسات قبل حجز رحلات مكثفة: "اختاروا/ن وجهة قد تكون إما وجهة مألوفة، مكان قمتم/نّ بزيارته من قبل أو مكاناً ليس بعيداً جداً عن المنزل".
بمعنى آخر، من المفيد في البداية حجز رحلات طيران قصيرة ومباشرة كلما أمكن ذلك.
التركيز على الحاضر
حتى بالنسبة للمسافرين/ات الذين/اللواتي تم تطعيمهم/ن، قد يستمر القلق بشأن النظافة في الفنادق عندما يكون الخطر الفعلي ضئيلاً.
وبينما تقدم مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إرشادات حول أماكن الإقامة، فإن العديد من هذه المخاوف لا تتعلق بالحقائق بقدر ما تتعلق بتوقع السيناريوهات التي يسير فيها كل شيء بشكل خاطئ. وبالمثل، قد يجد الأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي وعدم الراحة في الأماكن العامة، أنه من المزعج البقاء في أماكن إقامة بها ردهات مزدحمة ومئات من غرف الضيوف.
في مثل هذه الحالات، اقترح مارتن سيف أولاً استئجار Airbnb في مجتمع مسور، به مسبح مقيّد أقل كثافة من الإقامة في فندق قريب به مسبح عام والعديد من الأماكن العامة: "هذا يقلل من القلق الاجتماعي وكذلك من المخاوف المتعلقة بالفيروس".
هذا وشدد مارتن على ضرورة ألا نسمح لأنفسنا بأن نتجنّب بعض التجارب بسبب الأفكار الكارثية والإفراط في التفكير في كل التفاصيل الصغيرة، معتبراً أن جزءاً من الحل هو إعادة تركيز الأفكار باستمرار على الحاضر.
التدرب على السيطرة على الخجل في الأماكن العامة
تكمن المفارقة في مخاوف السفر في أنها قد لا يكون لها علاقة بفعل السفر الفعلي، بحيث يعاني الكثير من الناس من اهتزاز صورتهم الذاتية وإهانة الجسم بثقافة النظام الغذائي الوبائي.
يبقى علينا أن نمنح أنفسنا بعض الوقت لتصحيح سلوكياتنا المؤذية والتي قد تفسد علينا اللحظات السعيدة والرحلات الجوية التي من المفترض أن تحمل إلينا جرعة من الراحة والاسترخاء
تعليقاً على هذه النقطة، قالت ليلي براون: "أصبح الناس واعين بأنفسهم حقاً الآن. لا عجب أن بعض المسافرين/ات قد يرغبون/ن في تجنّب الشواطئ المزدحمة أو المواقع السياحية المزدحمة، ولكن هذا هو الوقت الذي نحتاج فيه إلى البحث عن الحلول الداخلية"، وتابعت براون حديثها بالقول: "من المهم ملاحظة كيف يجعلنا القلق نرغب في تغيير سلوكنا. من المهم التدرّب على عكس ما يخبرنا به القلق".
وبالتالي، إذا كان القلق أو الخجل يجعلنا نختبئ ونتجنّب الاختلاط مع الناس، فمن المهم أن نتدرب بشكل تدريجي على عكس ذلك، فالمشاعر السلبية سرعان ما تعالج نفسها، ولكن يبقى علينا أن نمنح أنفسنا بعض الوقت لتصحيح سلوكياتنا المؤذية والتي قد تفسد علينا اللحظات السعيدة والرحلات الجوية التي من المفترض أن تحمل إلينا جرعة من الراحة والاسترخاء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.