أعلنت دولة جنوب أفريقيا منفردةً اعتراضها على موافقة الاتحاد الأفريقي على إعادة إسرائيل إلى الاتحاد بصفة مراقب. وهي الصفة التي جرى سحبها من دولة الاحتلال قبل 19 عاماً مع بدايات اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية المعروفة باسم "انتفاضة الأقصى".
وجاء بيان جنوب أفريقيا الصادر أمس الأربعاء، 28 يوليو/ تموز، حاد اللهجة، إذ يعلن أن حكومة جنوب أفريقيا "منزعجة بشدة بسبب القرار الظالم وغير المستحق الذي أصدره الاتحاد الأفريقي بمنح إسرائيل صفة المراقب في الاتحاد". وأكد البيان أن مفوضية الاتحاد (هيئة المكتب) اتخذت هذا القرار بشكل منفرد من دون استشارة الأعضاء.
وتابع البيان: "يزداد الوقع الصادم لهذا القرار، كونه يأتي في عام استمر فيه قصف الفلسطينيين المقموعين بوحشية بغرض التدمير، واستمر فيه الاستعمار غير القانوني لأراضيهم ببناء المستوطنات برغم أن الاتحاد الأفريقي أدان بشدة موت الفلسطينيين وتدمير المنشآت المدنية".
واعتبرت جنوب أفريقيا أن قرار الاتحاد يخالف المبادئ المؤسسة لقيام الاتحاد الذي تأسس على حق تقرير المصير ونبذ الاستعمار والعمل على إنهائه.
وكانت الجزائر قد نددت في وقت سابق بقرار مفوضية الاتحاد الأفريقي، وقالت الخارجية الجزائرية في بيان رسمي، الأحد 25 يوليو/ تموز، أن قرار مفوضية الاتحاد "اتُخِذ دون مشاورات موسّعة مسبقة مع جميع الدول الأعضاء، لا يحمل أيّة صفة أو قدرة لإضفاء الشرعيّة على ممارسات وسلوكيّات المراقب الجديد، التي تتعارض تماماً مع القيم والمبادئ والأهداف المنصوص عليها في القانون التأسيسي للاتّحاد الأفريقي".
لم تصدر عن أية دولة أخرى عضوة في الاتحاد الأفريقي - حتى لحظة نشر هذا التقرير- سوى الجزائر وجنوب أفريقيا أية بيانات ترحب أو تعترض على استعادة إسرائيل وضع مراقب
اعتراضات نادرة
لم تصدر عن أية دولة أخرى عضوة في الاتحاد الأفريقي - حتى لحظة نشر هذا التقرير- سوى الجزائر وجنوب أفريقيا، أية بيانات ترحب أو تعترض على استعادة إسرائيل وضع مراقب بقرار من مفوضية الاتحاد الأفريقي، الذي تترأسه حالياً دولة الكونغو الديمقراطية ، (تسلمت الكونغو رئاسة الاتحاد من جنوب أفريقيا في فبراير/ شباط الماضي).
وتتمتع الكونغو بعلاقات قوية مع إسرائيل على المستويين الاقتصادي والسياسي منذ عهد الرئيس الكونغولي السابق جوزيف كابيلا. وكشفت تحقيقات صحافية عن تورط مسؤولين كونغوليين كبار في الجيش ومؤسسة الرئاسة في عمليات غسيل وتهريب أموال وانتهاك ثروات بلادهم، بالتعاون مع رجال أعمال إسرائيليين مطلوبين دولياً.
جنوب أفريقيا التي ترى في إسرائيل دولة فصل عنصري، تمارس ضد الفلسطينيين ما عاناه السكان الأصليون أصحاب الأرض في جنوب أفريقيا لعقود على يد المستعمرين الأوروبيين، من فصل عنصري وقمع وانتهاك للحقوق الأساسية وقتل على الهوية. ولم تنجح المساعي الإسرائيلية – حتى الآن- في تغيير وجهة نظر جنوب أفريقيا برغم إقدامها على رشوة مسؤولين فاسدين في جنوب أفريقيا. إلا أن الرفض الشعبي الجارف، يجبر حكومات الدولة الصناعية الأكبر في القارة على استمرار رفض إقامة العلاقات الرسمية مع دولة الفصل العنصري الواقعة شمال شرقي القارة.
حكومة جنوب أفريقيا "منزعجة بشدة بسبب القرار الظالم وغير المستحق الذي أصدره الاتحاد الأفريقي بمنح إسرائيل صفة المراقب في الاتحاد"
إصرار إسرائيلي
وأعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية، الخميس 22 يوليو/ تموز الجاري، عن عودتها إلى الاتحاد الأفريقي كدولة مراقبة، بعد 19 عاماً من إقصائها من الكتلة الأفريقية المكونة من 55 دولة .
وفي خطوة رسمية قدم السفير الإسرائيلي لدى إثيوبيا ألين أدماسو الخميس الماضي أوراق اعتماده إلى موسى فقي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، بمقر الكتلة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وترى تل أبيب أن عودتها إلى القارة الأفريقية "تصحيح للوضع الشاذ"، واعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد أن "الإنجاز الدبلوماسي الأخير يعد خطوة للأمام في تحسين علاقات إسرائيل الخارجية مع القارة بعد عقدين شاذين"، على حد قوله.
وحسب وكالة فرانس برس، سبق لإسرائيل أن حصلت على صفة مراقب في منظمة الوحدة الأفريقية، لكن بعد حل منظمة الوحدة عام 2002 واستبدالها بالاتحاد الأفريقي جرى إحباط محاولاتها لاستعادة هذه الصفة. وبحسب تقارير عدة، فإن ضغوطًا من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي الذي كان قد دعا إلى تأسيس الاتحاد الأفريقي في تسعينات القرن الماضي، كانت وراء منع تل أبيب من العودة إلى القارة من جديد.
وحاولت إسرائيل العودة للاتحاد الأفريقي مرتين في السنوات الأخيرة، لكن من دون جدوى. وأعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية هذه المرة عن "عملية دبلوماسية" استلزمت زيارة المديرة العامة للشؤون الأفريقية بالوزارة، عليزا بن نون، إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا - المقر الرئيسي للاتحاد الأفريقي - حيث التقت بـ 30 سفيراً من الدول الأعضاء.
وبصرف النظر عن إمكانية زيادة التعاون مع الدول الأعضاء في مجموعة متنوعة من القضايا الاقتصادية والأمنية، فإن وضع إسرائيل الجديد كمراقب في الاتحاد الأفريقي يمثل أيضاً "اعترافاً سياسياً" من قبل "منظمة كانت تزدري إسرائيل لعقود"، كما أوضحت بن نون.
قبل خروجه من منصب رئيس الوزراء، أعطى بنيامين نتنياهو الأولوية لعلاقات إسرائيل مع أفريقيا خلال السنوات الأخيرة من شغله منصب رئيس الوزراء، بما في ذلك مع العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة في القارة.
ففي يوليو/تموز 2016، أصبح نتنياهو أول رئيس وزراء إسرائيلي يقوم بجولة في القارة منذ عقود، عندما زار أربع دول في شرق أفريقيا: أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا.
وفي كانون الأول / ديسمبر العام الماضي، استضافت تل أبيب سبعة وزراء والعديد من كبار المسؤولين الآخرين من أكثر من اثنتي عشرة دولة من غرب أفريقيا في مؤتمر زراعي في إسرائيل، رعته بشكل مشترك الإيكواس وماشاف، (الوكالة الإسرائيلية للتعاون الإنمائي الدولي).
وفي يونيو/ حزيران 2017، حضر نتنياهو المؤتمر السنوي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وهي منظمة تضم 15 دولة يبلغ عدد سكانها مجتمعة حوالي 320 مليون نسمة. وجاء حضوره بدعوة رسمية لحضور الدورة العادية الحادية والخمسين لهيئة رؤساء الدول والحكومات، المجتمع فى مونروفيا عاصمة ليبيريا.
عودة إسرائيل إلى الاتحاد الأفريقي في هذا التوقيت جاء بعد التطبيع مع بعض الدول العربية، مما أدى إلى خلق اعتقاد بعدم الممانعة العربية في الوجود الإسرائيلي
مفتاح التطبيع العربي
بشكل عام تقيم إسرائيل علاقات مع 46 من الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، كما استطاعت إعادة العلاقات مع غينيا في عام 2016 ومع تشاد في عام 2019. وفي عام 2020، وقعت إسرائيل أيضاً اتفاقية تطبيع مع السودان، تلاها اتفاق التطبيع مع المغرب في نفس العام.
في رأي الدكتور أماني الطويل الخبيرة في الشؤون الأفريقية، فإن عودة إسرائيل إلى الاتحاد الأفريقي في هذا التوقيت جاء بسبب انهيار المقاومة العربية من جانب، والتوسع الإسرائيلي في العلاقات مع الدول الأفريقية من جانب آخر، لا سيما بعد التطبيع مع بعض الدول العربية، مما أدى إلى خلق حالة من عدم الممانعة العربية في الوجود الإسرائيلي.
وتقول الطويل في حديثها إلى رصيف22 إن وجود إسرائيل في الاتحاد الأفريقي كدولة مراقبة يمنحها حق الحضور في الاجتماعات والتعرف على القضايا المهمة، ومن ثم القدرة على التأثير في كواليس صناعة القرارات الصادرة من الاتحاد الأفريقي، بالتحديد القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مؤكدة أن الدولة العبرية ليس لها حق التصويت.
تتمتع فلسطين كذلك بوضع مراقب في الاتحاد الأفريقي. وهو ما أثار حفيظة دبلوماسيين إسرائيليين أدانوا تصريحات الاتحاد الأفريقي الأخيرة بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة، ففي مايو/ أيار الماضي، أدان موسى فقي محمد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر لمدة 11 يوماً، وكذلك هجمات قوات الأمن الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وقال إن الجيش الإسرائيلي كان يتحرك "في انتهاك صارخ للقانون الدولي".
وجود إسرائيل في الاتحاد الأفريقي كدولة مراقبة يمنحها حق الحضور في الاجتماعات والتعرف على القضايا المهمة، ومن ثم القدرة على التأثير في كواليس صناعة القرارات
تعلق الطويل على ذلك بأن عضوية إسرائيل كدولة مراقبة في الاتحاد ستمكنها في حشد التصويت ضد القضايا العربية في أفريقيا، وسيتم التأثير لتكون في الصالح الإسرائيلي، خصوصاً بعد فشل القمة الإسرائيلية مع توغو في عام 2017، واعتذار الجابون أيضاً رغم المساعي الإسرائيلية لعقد قمة معها.
عقب ذلك، أدانت حركتا حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين قرار منح إسرائيل صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي. وعبرت حماس عن أسفها لهذا القرار، قائلة إنه "صدر عن دول عانت منذ قرون، ولا تزال، من نير الاستعمار والعنصرية، وبذلت قصارى جهدها للتخلص منها". وطالبت حماس بالطرد الفوري لإسرائيل من الاتحاد الأفريقي.
كما أدانت حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية القرار، قائلة إنه يعكس مدى النفوذ الصهيوني الذي وصل إلى نقطة الهيمنة على الاتحاد الأفريقي. وحذر طارق سلمي، المتحدث باسم الجماعة،من أن القرار يشكل تهديداً خطيراً لأمن واستقرار الدول الأفريقية.
وتزعم إسرائيل أن منحها صفة مراقب لدى الاتحاد الأفريقي "سيمكن من تعزيز التعاون بين الطرفين في مختلف الجوانب"، بما في ذلك مكافحة فيروس كورونا ومنع "انتشار الإرهاب المتطرف" في القارة الأفريقية، على حد قولها.
ويعتقد أن هذه الخطوة ستقوي نفوذ إسرائيل على الدول الأعضاء، وتعمل كوسيلة لعرقلة العلاقات الفلسطينية مع الدول الأفريقية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...