لم تحقق الثورة التونسية مكاسب اقتصادية واجتماعية كبيرة، لكنها نجحت في ضمان حرية الرأي والتعبير، رغم العراقيل والصعوبات التي شهدتها البلاد، فقد تعددت وسائل الإعلام المحلية وفتحت المكاتب العربية والعالمية مكاتب لها في البلد الذي شهد مساراً ديمقراطياً أشاد به الجميع.
الآن، وبعد القرارت الأخيرة التي اتّخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد بتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه وإقالة رئيس الحكومة وتوليه بنفسه السلطات الثلاث، باتت المخاوف من فقدان هذا المكسب حديث الساعة في تونس.
آلاف التونسيين خرجوا مساندين للقرارات وآخرون خرجوا للتعبير عن اعتراضهم عليها، وتجمهروا أمام مقر البرلمان في باردو، في العاصمة، وسط تعزيزات أمنية وعسكرية كبيرة. وتوجّه الصحافيون إلى هنالك لتغطية الأحداث ولكن هذه المرة لم تكن كسابقاتها. صدمتُهم كانت كبيرة عند تصدّي العناصر الأمنية لهم وحجز هواتفهم والتضييق عليهم أثناء عملهم.
تروي مراسلة قناة الحوار اللندنية وموقع عربي 21 حليمة بن نصر لرصيف22 ما حصل معها وتقول: "بينما كنتُ أنقل الأحداث على المباشر، طوّق أكثر من سبعة أعوان (عناصر) من الأمن المكان وسلبوني هاتفي عنوةً ومنعوني من مواصلة العمل، وعندما حاولتُ الدفاع عن نفسي أمرني عون منهم بالسكوت وهددني بكسر الهاتف رغم أن كل وثائقي قانونية وأرتدي سترة الصحافة".
استغراب وصدمة
لم يكتفِ الأعوان بسلب حليمة هاتفها ومنعها من التصوير، بل عمدوا إلى منع بقية زملائها المتواجدين هنالك أيضاً من العمل بحرية، على غرار الصحافية في موقع تونس الرقمية مروى خميسي وزميلها المصور محمد عبد الله.
تقول مروى لرصيف22: "كان الأمنيون يرصدون كل الصحافيين الذين يبثون الأحداث بشكل مباشر، وحال مباشرتنا العمل والتصوير، أرغمنا عون الأمن على تسليمه هاتفي وعندما عارضت التخلي عن هاتف العمل أمرنا بالذهاب معهم إلى مركز الشرطة. وفي الطريق إلى هنالك أخرجتُ هاتفي الشخصي من جيبي للاتصال بإدارة المؤسسة التي أعمل معها لكن أحد الأمنيين سحب الهاتف من يدي بقوة ومنعني من ذلك".
تروي مروى ما حصل معها وهي في حالة استغراب وصدمة مما طالها وطال زملاءها، و"جرمهم" الوحيد هو نقل الحقيقة مباشرة إلى المتابعين المتعطشين لأية معلومة عن الوضع الحرج والاستثنائي الذي تعيشه البلاد.
ولم يقتصر قمع الأمنيين للصحافيين على منعهم من التصوير ونقل الأخبار في ساحة البرلمان، بل جرى التهجم على مكتب قناة الجزيرة في تونس وطرد العاملين فيه بتعسف وحجز المعدات.
يقول المنتج في مكتب القناة محسن المزليني: "كنت وثلة من الزملاء بصدد العمل في المكتب وفوجئنا بدخول قرابة 20 عوناً من أعوان الأمن من الباب الخلفي، ودون سابق إنذار طالبونا بالمغادرة وغلق المكتب تحت ضغط أمني رهيب واحتجزوا المفاتيح ومنعونا من الاقتراب".
"كتبتُ مقالاً انتقدتُ فيه الانقلاب على الشرعية ولكنّي لم أتجرأ على توقيعه باسمي كما تعوّدت. لأول مرة أكتب مقالاً باسم مستعار"
ولم يتوقف الاعتداء على صحافيي قناة الجزيرة عند غلق المكتب فقط، بل قطعوا البث المباشر عن الصحافيين الميدانيين وعمدوا إلى التشويش على اتصالاتهم، بحسب المصور الصحافي في الجزيرة الإخبارية أنيس إدو الذي قال إن زملاء من وسائل إعلام أخرى أخبروه أن أمنيين يبحثون عنه وزملائه في الجزيرة أثناء الاحتجاجات.
"لا نريد العودة إلى الوراء"
لم يعش الصحافيون والإعلاميون التونسيون مثل تلك المضايقات منذ اندلاع الثورة التي أتاحت حرية التعبير، خاصة للصحافيين.
تقول الصحافية في الإذاعة التونسية أسماء بن بشير: "صُدمت عندما رأيت مدرعات الجيش تطوق مقرات الإذاعات والقنوات العمومية ليلة خطاب الرئيس... فعلاً إنه مشهد مروّع لم نألفه في تونس الثورة ولم نره إلا في الانقلابات الكبرى في العالم".
وتضيف لرصيف22: "نحن كصحافيين أحرار نرفض قطعاً مثل هذه الممارسات الدكتاتورية التي بدأنا نلمسها حتى في خطابات الرئيس عندما ندد بالمس بهيبته وعند تعليقه قبل أيام على ترتيب مكالماته الهاتفية في نشرة أخبار القناة الوطنية الأولى... لا نريد العودة إلى الوراء ويجب ألا يسكت الصحافيون التونسيون الأحرار عن القمع الذي بدأوا يتعرضون له".
"لأول مرة أكتب مقالاً باسم مستعار"، تقول سلمى (اسم مستعار)، وهي صحافية في إحدى الجرائد المحلية ومتعاونة مع موقع عربي، والعَبرات تخنقها.
"لدينا مَن يتعطش للقمع والاستبداد وأرجو ألا تكون هذه الأحداث فرصة لعودة التضييق على حرية الإعلام والصحافة"
وتضيف لرصيف22: "كتبت مقالاً انتقدت فيه الانقلاب على الشرعية ولكنّي لم أتجرأ على توقيعه باسمي كما تعوّدت، خاصة بعد أن رأيت الاعتداءات المتواصلة على زملائي من قبل الأمنيين. وما راعني أكثر أن رئيس التحرير في مؤسستنا المحلية أيضاً نبّهنا إلى عدم نقد الرئيس كما تعودنا خوفاً عليه وعلى مؤسسته، والأدهى أنه سيغيّر خطه التحريري تماماً... نحن مستاؤون جداً لكننا متفائلون ونأمل أن يكون الأمر مؤقتاً وأن تعود حريتنا التي سُلبت منا في يومين".
وعبّرت نقابة الصحافيين التونسيين عن قلقها مما تعرض له الصحافيون من قمع واعتداءات في بيانات متتالية، وعقدت اجتماعاً مع منظمات حقوقية نوقشت فيه سبل الحفاظ على حرية التعبير والصحافة وردع كل تصرف من شأنه المساس بها.
تقول العاملة في وحدة الرصد في النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين خولة شبح لرصيف22: "ندين بشدة ما تعرّض له زملاؤنا وقد سجلنا جميع الأسماء والاعتداءات ولن يذهب حقهم هدراً".
وعبّر مدير مرصد الحقوق والحريات في تونس أنور أولاد علي عن أسفه حيال ما حصل، وقال لرصيف22 إن تنصيب رئيس الجمهورية لنفسه رئيساً للنيابة العمومية "قرار خطير وخرق للدستور والقانون ومس بمبدأ الفصل بين السلطات وتدخل سافر في القضاء".
وأدان الاعتداءات التي تعرّض لها الصحافيون من قبل قوات الأمن ووصفها بالخطيرة واعتبرها تهديداً صارخاً للحريات والديمقراطية وأضاف: "لدينا مَن يتعطش للقمع والاستبداد وأرجو ألا تكون هذه الأحداث فرصة لعودة التضييق على حرية الإعلام والصحافة، وأدعو السلطات التونسية إلى تحذير منظوريها وعدم العودة بنا إلى الوراء".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون