شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"جسم مراتي زي كيس المخدة"... شفاه ممنوعة من الأحمر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 25 يوليو 202104:01 م

فرحتْ، كان موعدها الأول مع خطيبها، وأصرّت والدتها أن تضع لها "روج"، هي التي حرمت منه دائماً، وتضعه عندما تخلو مع نفسها أو مع صديقاتها، وتتأمّل وجهها الذي تتغير ملامحه كالسحر.

"ما تفرحيش قوي كده، أنا حاطاه عشان لما تيجي عايزة أشوف الروج على حطة إيدي ما اتغيرش"، لم تكمل فرحتها، فوالدتها تريد أن تتأكد أن خطيبها لم يقبّلها، وأنها "زي ما راحت زي ما جات، ما اتلمستش"، هكذا حكت لنا سماح، من قرية بمحافظة المنوفية المصرية.

 ما تعرفه أنها وغيرها من نساء العائلة ظللن لفترة طويلة ممنوعات من أحمر الشفاه.

حتى الآن، لا تعرف سماح ما إذا كان ما فعلته والدتها معها هو تقليد عائلي منذ الأجداد كما قيل لها، أم أنها استلهمته من مشهد شهير للفنانة يسرى في الأفلام المصرية، ولكن ما تعرفه أنها وغيرها من نساء العائلة ظللن لفترة طويلة ممنوعات من أحمر الشفاه.

منذ ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، استخدم المصريون النحاس وخام الرصاص في مستحضرات التجميل، ووصلت لنا نصائح تتعلق باستخدام الكحل والشمع لتحديد العيون وظلالها.

أما لدى الصينيين القدماء، فمثّل صبغ الأظافر بالصمغ الغربي، بياض البيض وشمع العسل، وسيلة لإثبات المكانة الطبقية والاجتماعية.

أما اليونان والرومان، فاستخدموا الزيوت الطبيعية والشموع باعتبارها بلسماً موضعياً، أما الطبقة الراقية فتعلّمت أصول المكياج من المصريين، حتى جاءت المعتقدات المسيحية التي حرّمت استخدام الماكياج، واعتبرتها علامة على الخطيئة والتسيّب، الأمر الذي تبناه عموم الناس، باستثناء الطبقات الراقية في العصور الوسطى.

ويبدو أن العديد من القرى والمدن المصرية لا تزال أسيرة رؤية دينية قديمة ومتشددة، تحوّلت وتغوّلت في التقاليد والسلوكيات.

إغواء غير أخلاقي

تحاول والدة رضوى خيري (21 عاماً)، وهي طالبة جامعية من محافظة الشرقية، أن تقنعها، بالحُسنى تارة والتعنيف تارة أخرى، أن المكياج لا تضعه المرأة إلا إذا أرادت أن تلفت نظر الرجال، وأنها طريقة غير أخلاقية أيضاً للفت النظر.

تقول رضوى: "في البداية، كانت أمي تعنفني بسبب المكياج، وتطلب مني أن أمسحه كل مرة، كنت أمسحه أحياناً وأخفّفه أحياناً، وأحياناً أتركه بعد كمّ التوبيخ الذي أسمعه منها، ولكن طوال الطريق تظل تعنّفني بسبب المكياج وتخبرني: ماذا لو رآنا أي شخص من العائلة؟ وحين ينظر إليّ أي رجل تقول أمي: شفتي دا، بيبص علينا بسبب المكياج اللي انتِ حطاه".

تصرّ رضوى على وضع المكياج الخفيف لأنها تحبه، رغم أنها تسمع بعض الكلمات السلبية كل مرة من والدتها.

مع مرور الوقت، بدأت رضوى تفهم أنها ضمن تركيبة اجتماعية تربط بين وضع الماكياج والحشمة والأخلاقيات الرفيعة، وأن خروجها بأحمر شفاه بارز يعني أن الأسرة وتقاليدها وسمعتها على المحك.

"أشعر بالخجل"

تحسّ نورهان مُحسن (22 عاماً)، طالبة جامعية من محافظة الجيزة، بالخجل وهي حتى تفكر بينها وبين نفسها، من كثرة القيود على وضع المكياج، وخناقاتها المتكررة مع والدها بسبب أحمر الشفاه.

بالنسبة لنورهان، فإن المكياج يمثل إحساسها بالنضوج، من المدرسة الثانوية للجامعة. أما بالنسبة لأبيها الذي يحاسب نفسه على كل كبيرة وصغيرة دينياً، يرى نفسه مسؤولاً أمام الله عن ابنته، لذا لا يتورّع عن تعنيفها وتهديدها إذا ما رأى أي أصباغ تزين وجهها.

"بعد أن توفي أبي... أخيراً استطعت أن أضع المكياج بدون إثارة الكثير من المشاكل"

تقول نورهان: "أشعر بالخجل وأنا أتحدث عن معاناتي مع المكياج، لأنه في الحقيقة لم يكن أكثر من اصبع روج. كان أبي يعلق على وضعي أحمر الشفاه عندما كبرت، ولكنه ترك أمي تتحدث معي في هذا الموضوع وتعترض هي بطريقتها، الأمر الذي كبر وجعلني دائمة الشجار مع أمي، ونتخاصم دائماً، حتى تخاصمنا مرة طالت لمدة شهرين".

"المكياج بالنسبة لي أداة تجعلني أحب نفسي، أشعر بأني جميلة وأثق بنفسي أكثر"، تقول نورهان موجزة رأيها.

"المكياج الشرعي"

حاولت البحث بين الفتاوى عن رأي كبار المشايخ والمنصات الدينية في تزيين المرأة وجهها وشفاهها.

أشار أحد مشايخ الأزهر إلى أنه في عهد النبي محمد كانت النساء تتزينّ بالكحل، والخضاب (الحناء)، ولم يكن هناك أي أدوات أخرى للتزيّن، ولهذا فإن المكياج جائز بسبب تطور الزمن حالياً وتطور وسائل الزينة، ولكن فكرة الزينة نفسها كانت موجودة ومباحة.

وقرأت في أحد التصريحات الصحافية كلمات للدكتور مجدي عاشور، المستشار العلمي لمفتي الجمهورية، أنه يجوز للمرأة استخدام المكياج على وجهها خارج منزلها، بشرط أن يكون خفيفاً -قليلاً- وغير لافت للنظر.

ويبرر ذلك بأن وضع مساحيق التجميل بصورة مُبالغ فيها وخارجة عن حد الزينة الظاهرة المباحة خارج بيتها حرام، لأنه "يجرّ إلى الفتنة"، منبهاً على أن يجوز للمرأة وضع زينة لافتة للنظر أمام زوجها في البيت، دون أن تخرج بها إلى الشارع.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي مواصفات المكياج اللافت للنظر وغير اللافت، وكيف يمكن التفريق بينهما؟ في وقت تتعدّد فيه أشكال وأنواع مساحيق التجميل، التي قد لا يتم حصرها وتختلف في تأثيرها من امرأة لأخرى؟ هل يختلف أحمر الشفاه في وظيفته أم في لونه مثلاً، وما هي الألوان التي تعتبر لافتة والأخرى غير الافتة؟ وهل يعتبر أحمر الشفاه نفسه ملفتاً للنظر و"الآيلاينر" غير ملفت؟ في رأيي أن الفتوى هنا محيرة أكثر ولا تعطي إجابة واضحة.

أجاب موقع "إسلام ويب" على نفس السؤال، وحسم الفتوى بجواز وضع المكياج طالما أن هناك التزاماً بالحجاب الشرعي، وأشار إلى أنه لا فرق بين المكياج الخفيف وغير الخفيف.

أخلاق سيئة أو مكانة مرموقة

لم تندهش سمر (25 عاماً) القادمة من شبين الكوم، وتسكن في القاهرة الجديدة، عندما حدثها زميلها عن زوجته، أنه لا يشعر بجسدها، واستخدم تعبيراً شائعاً للذكور "عاملة زي كيس المخدة"، إشارة إلى انعدام وجود الحالة الأنثوية، سألته: "هل تضع زوجتك المكياج، داخل البيت أو خارجه؟"، أجاب بالنفي، فزوجته "مهندسة ومحترمة".

نصحته سمر، بحسب حديثها لرصيف22، بأن تضع الألوان المثيرة، وأن تضع أحمر شفاه خافت عند خروجها، لتعتاد على ذلك، فهي ترى أن الكثير من صديقاتها، خاصة في أوساط محافظة ومتدينة، ممن حرمن من وضع المكياج، فقدن إحساسهن بأنفسهن كنساء، حتى داخل بيوتهن ومع أزواجهنّ، وهو ما يشعر به الكثير من الأزواج عندما يتعاملون مع نساء من بيئات أكثر انفتاحاً. 

ولكن فايزة أحمد (53 عاماً)، موظفة حكومية وأم لشابتين، من محافظة أسيوط جنوب مصر، تدافع عن موقفها العدائي من المكياج، وترى فيه "لفتاً للنظر، وضد قيم آبائنا وأجدادنا، إذ لم يكن هناك وجود للمكياج، وكان دليلاً على أخلاق المرأة السيئة أو ربما انفتاح وأهمية ومكانة المرأة التي تضعه، لا أكثر من ذلك".

هكذا ربطت فايزة بين مكانة المرأة الراقية وأخلاقها السيئة للنساء في الطبقات الاجتماعية الأقل رقياً، في تماهٍ مع ما هو شائع في أوروبا القرون الوسطى.

في العمل، لا تترك فايزة أي صديقة تضع ماكياج بلا نصائح أو ضغط نفسي لحملها على الرجوع لقيم الآباء. تحكي أنها قابلت في عملها زميلات يضعن المكياج، وكان الانطباع الأول عنهن أن أخلاقهن سيئة، ولكن عندما تعاملت معهن اكتشفت أخلاقهن السامية، ثم بدأت بوعظهن. منهن من استجابت ومنهن من رفضت.

أما شيماء محمود، اسم مستعار (25 عاماً)، من محافظة الوادي الجديد، فلم تتمكن من وضع المكياج إلا بعد وفاة أبيها.

حدثها عن زوجته، لا يشعر بجسدها، "عاملة زي كيس المخدة"، إشارة إلى انعدام وجود الحالة الأنثوية، سألَته: "هل تضع زوجتك المكياج، داخل البيت أو خارجه؟"، أجاب بالنفي، فزوجته "مهندسة ومحترمة"

تحكي عن تجربتها مع المكياج قائلة: "نشأت في بيئة ترفض المكياج بشكل قاطع. كان أبي يمنع أمي من وضع المكياج؛ فلم تضعه سوى يوم زفافها، وهي لم تعترض. ولم يكن لدينا أي مستحضرات تجميلية في المنزل، وكان أقصى شيء نستخدمه هو كريم الوجه وزبدة الكاكاو، وللضرورة. وحتى الذهاب للكوافير وتزجيج الحواجب كان أمراً يدعو للتحقير بالنسبة لأبي".

"كبرت، ومثلما فعلت أمي لم أستطع أن أجادل، إلى أن وافت أبي المنية. حينها بدأت رحلتي المحدودة في التحرّر من بعض القيود، كأن أضع روج مثلاً، ولكن ذلك لم يعجب أمي أو أخي. أصبح الأمر مصدراً للإزعاج والتعنيف طوال الوقت. تدريجياً، تركتني أمي أضع أي شيء للزينة كي أجذب عريساً من خلالها".

تذكر شيماء أن ابنة خالها لم تضع المكياج سوى يوم زفافها، وفي يوم "الصباحية"، بعد ليلة العرس، مسح زوجها كل المكياج من على وجهها، وعنّفها على ما فعلته لأنه لا يرغب أن تضع أي مكياج للأغراب، رغم أنهن كن نساءً.

حكاية ابنة خالتها وغيرها، تداولها شيماء وقريباتها وصديقاتها، ونوادر كثيرة، تقول: "أشعر بأن حياتنا كوميديا سوداء عندما أسمع قصصاً ونكاتاً عن نساء مثلنا يعانين حتى يتمكن من وضع مكياج".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image