شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
صيدا و

صيدا و"بحر العيد"... "الدويّخات" التي تحدّت إسرائيل والانهيار

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 24 يوليو 202111:11 ص

يقف عبد الرحمان الترياقي داخل لعبة “الدويخة” ويراقب الأطفال يدورون من حوله احتفالًا بحلول يوم العيد. يترجّل عبد، يقف أمام الكاميرا ويُظهر كنزته التي طبع عليها صورة جدّه الذي أسّس “بحر العيد”في مدينة صيدا.

كل الذين ولدوا وعاشوا طفولتهم في مدينة صيدا يعرفون أن هذه المدينة تقدّم لأبنائها الكثير من خلال القليل

ورث عبد “بحر العيد” عن والده الذي ورثه عن والده أيضًا. وبالنسبة للحفيد هذه البقعة التي تمتلئ كل عيد بالألعاب وتضجّ بالأطفال والعائلات ليست بمهنة بل هي تراث صيداوي يتم تقديمه والحفاظ عليه من أجل أهالي المدينة الفقراء.


عبد الرحمان الترياقي داخل لعبة “الدويخة”


لمدينة صيدا خصوصية، فهي من المدن التي اجتاحتها المراكز التجارية لكنّها في الوقت عينه حافظت على شعبيتها، تحديدًا من خلال البلد أو ما يطلق عليه اسم “صيدا القديمة” الملأى بالحرفيين والناس الذين يقصدون الكورنيش والمقاهي القديمة بدلًا من تلك الجديدة التي لا تعجبهم ولا تشبههم.

يروي الترياقي أن جدّه الذي سمّي تيمنًا به أسّس “بحر العيد” في العام 1945، وكان حينذاك يقع قرب البحر، حيث توضع الألعاب على الشاطئ وتمتد نحو مداخل البلد، لكن مع الوقت قلّصت البلدية التي لا تستفيد من الطقس السنوي المسافة، وحصرتها بالرصيف قرب مداخل صيدا القديمة، وشقّ الأوتوستراد البحري في المسافة المتبقية.


"بحر العيد" أوائل خمسينيات القرن الماضي. تصوير هاشم المدني 


ويقول إنه في السابق كانت هناك أراجيح ودويخات فقط. ومع الوقت تطوّر “بحر العيد” ليشمل ألعابًا جديدة أكثر تطوّرًا، إذ إن أهل صيدا هم الذين يملكونها ويضعونها كل عام ويستفيدون من تشغيلها. وعلى الرغم من أن البلدية حاولت أن تلغي “بحر العيد” بهدف إقامة مشاريع أخرى مكانه، رفض الترياقي والأهالي هذا التضييق وراحوا يعملون سنويًا للحفاظ على تراثهم. يقول: “بحر العيد للفقراء والدراويش. يقصده الناس من جميع المناطق اللبنانية وتستفيد منه العائلات الصيداوية. فهو كل عام يشغّل حوالي الخمسين عائلة وفي الوقت عينه ينشر البهجة لدى الأطفال الذين لا يستطيعون الذهاب إلى مدينة الملاهي”.


فتاة تلعب في "بحر العيد"


منذ العام 1945 حتى اليوم أٌقفل “بحر العيد” أربع مرّات. الأولى حين توفي الجد المؤسّس، والثانية حين توفيت الجدّة، والثالثة خلال الاجتياح الاسرائيلي، والأخيرة خلال فترة تفشي وباء كورونا.


عبد الرحمان الترياقي مع صورة تضم رسم جدّه ووالده


تبدأ العائلات التي تملك الألعاب بوضعها قبل العيد بأيّام وتبقيها إلى ما بعد انتهائه بحوالي الأسبوع. خلال الإجتياح جرفت إسرائيل بحر العيد ومنعت العائلات من الاحتفال، إلا أن عائلة الترياقي حاربت من خلال العم هذا الاحتلال وحين حلّ العيد عادت ووضعت الدويّخة. “عمّي راح عند الإسرائيليي وقلّن رح نرجّع الألعاب. ورجّعناهن وهيك رجعنا شغّلنا العيد”.

عمّي راح عند الإسرائيليي وقلّن رح نرجّع الألعاب. ورجّعناهن وهيك رجعنا شغّلنا العيد

في فترة معيّنة نُقل “بحر العيد” من الواجهة البحرية إلى منطقة السراي بسبب عدم توفّر الدويخات، وهي اللعبة التي بحسب الترياقي لا يسير “بحر العيد” بغيابها. وخلال فترة كورونا أعلنت البلدية عن ضرورة إقفال “بحر العيد”، مما أثار استياء الترياقي تحديدًا لأن كل المحال افتتحت أبوابها خلال تلك الفترة. يقول: “حين يحل العيد بدون افتتاح “بحر العيد” أشعر أنه لم يأتِ. أغلب الأماكن كانت تعمل إلا نحن. على الرغم من أن العديد من العائلات يعتاش من هذه البقعة التي تفتتح سنويًا”.


"دويخة" "بحر العيد" في الخمسينيات. تصوير هاشم المدني


تقف السيدة أمل أبو سكينة بالقرب من طاولتها الصغيرة الزاخرة بالكعك الذي تملأه بالصعتر والجبنة، وتقول: “هذا كان عمل أبي الذي ورثته عنه قبل حوالي الأربع سنوات. في عيد الأضحى وعيد الفطر أقصد “بحر العيد” وأعمل هنا. الأطفال يأكلون الكعك وأنا أحصّل لقمة عيشي”.

وعن تأثّر عملها في ظل الانهيار الاقتصادي، تقول: “الأوضاع صارت صعبة جدًّا. والغلاء المعيشي يفوق الخيال، مهما عملت فلن أستطيع أن أكفي نفسي وعائلتي، لكنّني أحاول”.


السيدة أمل أبو سكينة أمام طاولة عملها في "بحر العيد"


يحرص الترياقي على عدم رفع الأسعار، فاللعبة التي كانت تكلّف ألف ليرة لبنانية صارت اليوم تكلّف ألفين. يقول: “هذه ليست مهنة، هذه مبادرة نقوم بها نحن أبناء المدينة من أجل إسعاد بعضنا بعضًا في الأعياد. مع انتهاء العيد لن أكون قد حقّقت أرباحًا. فصيانة هذه اللعبة كلّفتني حوالي مليوني ليرة. لكن في المقابل هناك عائلات تجمع ما تحتاجه ربما لأسبوع أو ربما لشهر عبر تركيب الألعاب وتشغيلها في “بحر العيد”.


فتاة تلعب في بحر العيد عام 1958. تصوير هاشم المدني


ينتظر محمّد ترجّل ابنته عن الأرجوحة قرب حائط المسجد، والتعب يسيطر على ملامحه. يقول: “توفّي والدي قبل مدّة وترك لي عائلة من ستّة أفراد لأهتم بهم. في الوضع الحالي المليون ليرة التي أجنيها شهريًا لم تعد تكفي لشراء الطعام. لكنّني هنا اليوم لكي أشاهد ابنتي تلعب وتفرح في العيد. فهذه طفلة لا تعلم معنى الانهيار الاقتصادي أو عدم توفّر المال. تريد أن تلعب والمكان الوحيد الذي يستطيع استقبال قدراتنا المادية هو “بحر العيد”".


محمد مع ابنته في "بحر العيد" في مدينة صيدا 


كل الذين ولدوا وعاشوا طفولتهم في مدينة صيدا يعرفون أن هذه المدينة تقدّم لأبنائها الكثير من خلال القليل. ففي التسعينيات حين كان والد الترياقي هو المسؤول عن “بحر العيد” كنا نحن أطفال المدينة نقصد الشارع البحري لنأكل عرانيس الذرة ولنصرف كل "العيدية" التي حصّلناها على الألعاب والأراجيح التي كانت تشعرنا أننا نطير فوق القلعة وفوق البحر، وكانت هذه السعادة تكفينا.

شباب يستمتعون في "بحر العيد". تصوير هاشم المدني





رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image