شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"أنسنة جنود الاحتلال" عبر السوشال ميديا ... زيف تفضحه الوقائع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 1 يونيو 202101:26 م
Read in English:

The Fantasy of Humanizing Israel’s Soldiers

عرّت جرائم جيش الاحتلال التي رافقت القصف الأخير على قطاع غزة الوجه البغيض لإسرائيل نتيجة استهداف المدنيين وقتل الأطفال وترويعهم، بشكل أسهم في تجييش رأي عام عالمي أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين.

في محاولة للانقضاض على هذا، تخوض حسابات تابعة لآلة الحرب الإسرائيلية "حرباً ناعمة" عبر مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة لتبييض صورة جيش الاحتلال و"أنسنة" جنوده وإظهارهم في هيئة أشخاص "صالحين" يحبون ويمرحون ويصنعون تماثيل الثلج للتغطية على فظائعهم ضد الشعب الفلسطيني.
هذه المعركة ليست بجديدة على الإسرائيليين، لكنها ربما لم تكن بهذا الزخم في أي وقت مضى.

"نمط جماليّ يغيّب قُبح الاستعمار"

قبل يومين، تناول موقع "متراس" الفلسطيني وجود جنود الاحتلال عبر السوشال ميديا بدايةً من استعراض مجندات إسرائيليات مفاتنهن عبر انستغرام في "نمط ‘جماليّ‘ مشوّه يغيّب قُبح آلة الاستعمار، ووحشيّتها" ومشاركة جنود مقاطع عملياتهم العسكرية في المدن الفلسطينية، وتباهي حسابات تابعة لجيش الاحتلال بالجوانب والقصص "الإنسانية" لجنوده مثل دعم مرضى السرطان.

مجندات يستعرضن مفاتنهن وجنود يمرحون ويصنعون تماثيل الثلج… جيش الاحتلال يشن "حرباً ناعمة" عبر السوشال ميديا لتلميع صورته و"أنسنة" جنوده بعدما فضح قصف غزة الأخير وحشيتهم

واعتبر "متراس" أن كل ما تنشره هذه الحسابات، وغالبيتها رسمية و/ أو ممولة، من محاولات "أنسنة" جنود الاحتلال هو "دعوة مفتوحة للتجنيد أمام ‘أصدقاء الجيش‘ الأجانب، وإيذان بالمغامرة القادمة التي ستحملها الخدمةُ العسكريّة" بالترويج أحياناً لأن بعض المجندين يفضل قضاء شهر العسل الخاص به "على الجبهة" بدلاً من السفر والمنتجعات.



وهذا دأب قديم تطور وازداد كثافة الآن. في عيد الحب عام 2019، بثّ الحساب الرسمي لجيش الاحتلال على فيسبوك مقطعاً مُصوّراً باللغة الإنجليزية تضمّن معايدات جنوده "الخاصة" لهذه المناسبة وقد تضمنت رسائل هيام وغرام من الجنود إلى أسلحتهم وكلابهم العسكرية باعتبارها "شركاء العمل".

وفيما تنتهك إسرائيل بانتظام الحدود والأجواء اللبنانية، انتهز جنود إسرائيليون الذكرى 77 لاستقلال لبنان، لتقديم "معايدتهم" للبنانيين، مبطنة بالعديد من الرسائل السياسة. تندرج المعايدات المنشورة في المناسبات المختلفة، شهر رمضان والأعياد الدينية والقومية وغيرها، في إطار موضعة إسرائيل كـ"دولة" شريكة للبلدان المحيطة بها، وموضعة جيش الاحتلال كمؤسسة مركزية.

والترميز لإسرائيل أو اختصارها في جيش الاحتلال أمر مرتبط بالطبيعة الاستعمارية للمجتمع الإسرائيليّ، لذا ليس مستغرباً محاولة تصدير صورة مضخّمة لـ"بطولة" هؤلاء الجنود وتهميش كلّ ما سواهم على نحو من شأنه أن يسهم في إعادة انتاج مركزيّة الجيش في المجتمع الإسرائيلي.

هناك محاولة لتصدير جيش الاحتلال على أنه النعيم، المكان الذي يفضله جنود لقضاء شهر العسل عن المنتجعات. لكن معدلات الانتحار والاضطرابات النفسية والاعتداءات الجنسية في صفوف جنوده وحتى المتهربين من الخدمة العسكرية تكشف الحقيقة

الواقع "غابة"

وخلف هذه الصورة "الوردية" الوهمية والمضللة التي يسعى جيش الاحتلال إلى رسمها عبر السوشال ميديا، توجد الحقيقة المرّة، وكما ورد في فيلم "اللبؤة العبرية" - الذي يفضح الانتهاكات الجنسية للمجندات المستشرية في جيش الاحتلال- يمكن القول إن الانضمام لجيش إسرائيل "أشبه بالعيش في غابة" حيث لا قوانين ولا أخلاق ولا إنسانية تُحترم.

وفق أحدث أرقام شعبة القوى البشرية بجيش الاحتلال، قُتل 28 جندياً خلال عام 2020، بينهم تسعة أقدموا على إنهاء حياتهم، فيما أُنقذ أربعة وهم على وشك الانتحار، مقارنةً بـ27 قتيلاً عام 2019، بينهم 12 حالة انتحار. علماً أن جيش الاحتلال أقدم على استخدام قدرات "الكشف التكنولوجي" لمواجهة ومنع حالات الانتحار في صفوف جنوده.

وحدث ولا حرج عن الارتفاع السنوي المستمر للتقارير، وليس فقط الحالات، عن التحرش الجنسي والإساءات الجسدية بحق مجندي جيش الاحتلال ومجنداته.

في شباط/ فبراير الماضي، أبلغت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن "زيادة غير طبيعية" بنسبة 24% في عدد البلاغات عن الاعتداءات والإساءات الجنسية في نطاق جيش الاحتلال خلال عام 2020، إذ أُبلغ عن 1542 شكوى رسمية في هذا الصدد مقارنةً بـ1239 عام 2019. وأشار التقرير إلى أنه "في العقد الماضي، كان هناك متوسط زيادة سنوية قدرها 11%".

علاوة على ما سبق، يعاني العديد من المنتسبين إلى جيش الاحتلال اضطرابات نفسية مختلفة، وإن كانت ليست هناك أرقام دقيقة تعكسها، وفي بعض الأحيان يتم التشكيك في الأرقام المعلنة رسمياً.

على سبيل المثال، تُظهر الأرقام الرسمية أن واحداً من 12 جندياً مصاب بـ"متلازمة اضطراب الكرب التّالي للرضح" في الجيش الإسرائيليّ، وهي تصيب الأشخاص الذين يعيشون أو يشهدون أحداثاً صادمة مثل الكوارث الطبيعيّة، أو الحوادث الخطرة، أو الأعمال الإرهابيّة، أو الانخراط في عملٍ عسكريّ، أو التعرّضُ للاغتصاب أو التهديد بالموت.

طيار سابق في سلاح الجو الإسرائيلي: "رفضت أن أكون جزءاً من هذه المنظمة الإرهابية. الجيش الإسرائيلي هو منظمة إرهابية تقتل المدنيين وأنا لم أود أن أشارك في قمع الملايين من الفلسطينيين"

رواية مضادة

حتى "بطولة" و"قوة" جنود "الجيش الذي لا يُقهر" مردود عليها. في مناسبات عديدة، رصدت كاميرات المصورين صوراً ومقاطع فيديو لقادة إسرائيليين يوبخون جنودهم الذين يفرون من المواجهة ليس مع مسلحين مثلهم وإنما من شباب وأطفال يحملون الحجارة يدافعون بها عن أنفسهم وبيوتهم، أو جندي إسرائيلي يرفض الذهاب إلى مكان خدمة به تعامل مباشر مع الفلسطينيين العزل، أو حتى ضابط "مرعوب" من حقنة.

ومقابل الجنود الذين يتباهون بمعاركهم ضد خصم أعزل، هناك شريحة من الإسرائيليين ترفض الخدمة في جيش الاحتلال بوازع من الضمير والقيم الإنسانية. أبرز نموذج على هذا هليل رابين (20 عاماً) التي فضّلت السجن أربع مرات على المشاركة في جرائم جيش الاحتلال انطلاقاً من قناعتها بـ"اللا عنف".

والخدمة العسكرية إلزامية في إسرائيل للإناث متى بلغن 18 عاماً، ولمدة لعامين، وللذكور لمدة 32 شهراً على الأقل. يستثنى من ذلك أفراد المجتمع اليهودي المتشدد ومن يُطلق عليهم "عرب إسرائيل". ويتذرع البعض بإصابتهم بمشاكل نفسية لتجنب الانضمام لجيش الاحتلال، وفق "تايمز أوف إسرائيل".

لكن رابين جاهرت بسبب رفضها للخدمة العسكرية وادعاء "الجنون"، قائلةً: "الحقيقة هي أننا نحتل الأراضي الفلسطينية، ونفرض حصاراً على غزة، ونمارس التفرقة العنصرية بفجاجة. كل هذا جعلني أتخذ القرار ألا أكون جزءاً من هذا".

هناك أيضاً تصريحات عديدة، بعضها متداول حديثاً، لضباط سابقين في جيش الاحتلال يقرون فيها بأن جرائم حرب تُرتكب ضد الفلسطينيين، وبانسحابهم من الخدمة بعدما اكتشفوا "الخديعة" التي تعرضوا لها بالزعم أنهم في الخدمة لنشر الأمن لا "إرهاب" الفلسطينيين.

وفي تعقيبه على تصريح طيار حربي إسرائيلي للقناة 12 الإسرائيلية بأن قصف الأبراج السكنية في غزة كان وسيلة لـ"التنفيس عن إحباط الجيش الإسرائيلي" إزاء صمود المقاومة الفلسطينية وتكبيدها إسرائيل خسائر جمّة، قال الطيار السابق بسلاح الجو الإسرائيلي يوناتان شابيرا، لقناة الجزيرة: "أناشد المحكمة الجنائية الدولية محاكمة هؤلاء عن جرائم الحرب التي ارتكبوها في غزة".



وتابع: "شخصياً كنت من الطيارين الإسرائيليين عام 2003، قبل 18 سنة، ولو أنني لم أقصف الأهداف الإنسانية. ورفضت أن أكون جزءاً من هذه المنظمة الإرهابية. الجيش الإسرائيلي هو منظمة إرهابية تقتل المدنيين وأنا لم أود أن أشارك في قمع الملايين من الفلسطينيين".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image