شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
لماذا تستقبلون العيد بالدماء؟

لماذا تستقبلون العيد بالدماء؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 17 يوليو 202102:57 م
Read in English:

On Welcoming Eid With Blood

يقترب عيد الأضحى، وها نحن في انتظاره. ربما يحمل إلينا حفنةً من البهجة، خاصةً أنه يوم سعيد، ينتظره الأطفال والكبار بشوق. كلهم على استعداد لقدومه. قد يمسح عن جبين البؤساء، والفقراء، والمحتاجين، نصف قطرة من الآلام. لكن، ثمة عادات خطأ تعكر صفو هذا اليوم، انتقلتْ لتصبح طقوساً، وتطورت أشكال تنفيذها، من سيء إلى أسوأ. فكيف خرجت تلك المظاهر إلى الشارع العربي؟ وكيف سيتخلص منها؟

الخراف صديقة الأطفال

البداية تنطلق من أسطح المنازل، حينما يجلب ربّ الأسرة خروفاً يقوم بتربيته، ويلعب أطفاله معه، ويشاهدونه وهو يكبر معهم يوماً بعد يوم، ويطعمونه، ويسقونه الماء. ينصحهم الأب بألا يضربه أحد منهم، أو يعذبه، فيتحول الخروف هنا إلى صديق للأسرة، وليس مجرد ضيف. يتعلق به الأطفال تعلقاً شديداً. وما إن يقبل العيد، يأخذه الأب إلى المذبح، ومعه أطفاله، ليشاهدوا ذبحه، ظناً منه أن مشاهدة الطفل الصغير للأضحية سوف تصنع منه رجلاً قوياً. وهو لا يعرف أن تلك المشاهد قد تجعل من طفله إنساناً ضعيفاً، ومهزوزاً نفسياً، يخاف من أن يرى الدماء، أو يخاف من أكل اللحوم، حين تأخذه ذكرياته مع العيد إلى ذلك المشهد الذي شاهد فيه صديقه الخروف غارقاً في دمائه.

قد يبدو ذلك السلوك الشديد الخطورة على نفس الطفل الذي يرى صديقه الخروف، والدماء تتدفق من عنقه. فكيف يكون سلوك هذا الطفل في المستقبل؟ أي الأسباب التي تدفعنا، بجهالة، إلى إنبات العنف داخل نفوس الأطفال؟ ألم يفكر أي شخص سليم المنطق بتخزين الطفل لتلك الصورة التي يراها عند ذبح الأضحية غير متسقة مع المعايير الإنسانية في ذهنه؟ قد يكون الأمر كافياً عند إشراك الطفل في عملية توزيع الأضحية، فإن رؤية أشخاص يتبسمون في وجهه، عندما يقدم لهم هدية، خير ألف مرة من رؤية حيوان يُذبح أمامه.

يتعلق به الأطفال تعلقاً شديداً. وما إن يقبل العيد، يأخذه الأب إلى المذبح، ومعه أطفاله، ليشاهدوا ذبحه، ظناً منه أن مشاهدة الطفل الصغير للأضحية سوف تصنع منه رجلاً قوياً

تلطيخ المنازل بدماء الأضحية

يفضل المسلمون معايشة أجواء الاحتفال بعيد الأضحى وسط تجمعات عائلية، وليس في الزيارات بين الأقارب فحسب، بل خلال طقس ذبح الأضحية أيضاً. فالبعض يفضل ذبح أضحيته وفق الطقس المتوارث؛ بمشاركة أفراد أسرته. لذا يقوم بذبحها أمام منزله، أو داخله، والأسوأ من ذلك هو الذبح عند نواصي الشوارع، حتى تضج الأحياء السكنية بالروائح الكريهة المنبثقة من برك الدماء، ومخلفات الأضاحي. وعلى الرغم من تبعات هذه الطقوس السلبية، إلا أنها لا زالت مستمرة حتى الآن.

من المؤسف ألا ينتبه هؤلاء إلى حجم المشكلات البيئية التي قد تحدث بسبب هذه الأفعال غير المسؤولة، والتي تضر بالمنظر الحضاري للشوارع، لا سيما الساحات العامة التي تُعد بؤرة استيطانية لمخلفات الأضاحي، فتكون بذلك مقصداً لتجمع الحشرات، ومنها تنتقل الأمراض إلى الأفراد.

"فوبيا" الحسد والعيد

"فوبيا الحسد"، هي إحدى المعتقدات الشعبية ذات الصبغة الدينية. وعلى الرغم من عدم وجود ما يربطها بمظاهر الاحتفال بالعيد، إلا أن البعض يجسدونها حينما يقومون بغمس أيديهم في دماء الأضحية، ومن ثم يطبعونها على جدران بيوتهم، وسياراتهم، ظناً منهم أن هذا الطقس المشوّه سيحميهم من أعين الحاسدين.

وقد تحدّث عديد من الأطباء المتخصصين في علاج الأمراض الجلدية، عن أن هناك الكثير من المخاطر التي قد تحدث للأطفال على وجه الخصوص، عندما يقومون بلمس فراء الخراف،

إذ قد تحتوي في داخلها على فطريات تصيب هؤلاء الصغار بمرض القراع. كما لا يغيب وجود الجراثيم والميكروبات عن ساحة الأضحية، والتي تنتشر نتيجة غمس الأكف بالدماء، وتنتج عنها الإصابة بالأمراض، كمرض عين السمكة، والبروسيلا. والأطفال معرضون إلى حد كبير للمخاطر النفسية، والصحية، بسبب عادات نحر الأضاحي. والمسؤولية الأكبر تقع على عاتق الآباء الذين يزجون بأولادهم في دوائر الخطر، يسوقهم في ذلك الجهل المظلم.

تعذيب الأضحية قبل الذبح

قد يتسبب الجهل في حدوث سلوكيات خطأ، طالما تُرتكَب من قبل الأفراد. لكن هل من المعقول أن يكون الجهل أيضاً وراء قسوة القلب؟ أنا أستنكر تلك الأفعال التي يقوم بها البعض قبل ذبح الأضحية، مثل أن يغمس الناحر قائمة العجل بالسكين قبل ذبحه، حتى يُضعِف قوته، ويتمكن من نحره. لماذا نؤذي نفساً بريئة بهذه القسوة؟

مع التطور التكنولوجي، وانتشار الهواتف الذكية، أصبحت مشاركة طقوس الاحتفال بعيد الأضحى إحدى المظاهر الجديدة التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي. إذ يلتقط المسلمون صوراً تذكارية لهم مع الأضاحي، وبخاصة في أثناء النحر، بالإضافة إلى صور أكف الأيدي وهي ملطخة بالدماء، ثم يتفاخرون ببرك الدماء المسفوكة في الشوارع، ويجسدون بذلك شكلاً جديداً من أشكال الأذى النفسي لمستخدمي هذه المواقع. ألستم تقدمون هذه الذبائح قرباناً إلى ربكم؟ إذاً، لماذا تنشرون صور أضحياتكم للعباد؟ ألم يأمركم الله بإخفاء حسناتكم، فلا تعلم اليد اليمنى بما تخفيه اليد اليسرى؟ ألم تعلموا أن هناك أشخاصاً يعدون البقر آلهة؟ ألا يتوجب علينا احترام معتقدات الآخرين؟ هل تحسستم شعور إنسان آخر يرى الإله الذي يعبده يُذبح بأيدي أناس آخرين في عيدهم، ويبتهجون بمنظر دمائه، ويلتقطون لها الصور؟

يقومون بغمس أيديهم في دماء الأضحية، ومن ثم يطبعونها على جدران بيوتهم، وسياراتهم، ظناً منهم أن هذا الطقس المشوّه سيحميهم من أعين الحاسدين

لماذا نأكل الخراف في العيد؟

حين بحثت عن الأسباب التي جعلت الإسلام يحرّم أكل لحم الخنازير، وجدت آراء تقول إن عدم غيرة الخنزير على زوجته، هي سبب تحريمه! بينما تقول أخرى: لأن الخنزير يأكل القمامة، وقد ينقل الأمراض إلى الإنسان. أستغرب عندما أرى الناس يتركون خرافهم تأكل من تجمعات القمامة. هل أصبحت هذه القمامة الخطيرة مفيدة بالنسبة إلى الخراف المصرية؟ كنت أرى هذه المشاهد في الأحياء الشعبية في القاهرة، والجيزة، بينما تختفي في صعيد مصر. وأعتقد أن هذا نابع من سلوكيات الأفراد أنفسهم، فأهالي القرى والأرياف البسطاء أشد حرصاً على سلامة الحيوانات التي تعيش في حظائرهم، لذا لا يتركونها تأكل من القمامة، أو يقصّرون في رعايتها. لكن المشهد مختلف في الحضر. فإن كانت المِعاز والخراف تأكل، كالخنازير، من القمامة، ما الفرق بينهم إذاً؟ ولماذا لا يُقدَّم لحم الخنزير أضحيةً؟

أشتاق إلى العيد

لا يمكن أن يخلو أي بيت من بيوت المسلمين، خلال أيام عيد الأضحى، من اللحوم. تماماً كما تدخل صنوف الطعام احتفالاتنا الاجتماعية، وتصبح جزءاً لا يتجزأ منها. فمثلاً في عيد الفطر، نصنع الكعك. وفي شم النسيم، نأكل الأسماك والبيض. أتعجب من هؤلاء الذين يقضون طوال أيام العيد، وهم يصنعون أطباق الطعام من اللحم فحسب، ومن لا يأكل اللحم في هذه الأيام يشعر وكأن العيد لم يأتِ. أصبح طبق اللحم هو العيد، وليس ذاك اليوم الجميل الذي تتصافح فيه القلوب، ويبدأ الناس فيه صفحة جديدة مع الحياة، ينسون فيها ما مضى، ويستعدون للغد.

أتذكر العيد عندما كنت طفلة في سن التاسعة. أرتدي ثيابي الجديدة، وأستيقظ مع تكبيرات الفجر. أقف على شرفة منزلنا، وأنتظر مجيء الرفيقات، فنذهب جميعنا إلى أقاربنا، لنهنئهم بالعيد، ونتناول معهم الحلوى، ثم نلتقط الصور التذكارية في ستديو التصوير، قبل أن تنتشر الهواتف المحمولة، ويصبح العيد مجرد منشورات عبر الفيسبوك، ورسائل الواتساب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image