ليت العيد، أيّ عيد، يتوّقف عن إزعاجنا كل سنة وكل عام. هو ضيف ثقيل، كأحد الأقرباء البعيدين الذين يأتون للزيارة من حين إلى حين ثم يطيلون البقاء ويؤجلون الرحيل.
نحن مجبرون على الاحتفال به وإحياء تقاليد لا أحد يعلم تماماً ما معناها أو فائدتها في مثل هذه الأيام. فإذا كانت كل نواحي حياتنا قد توّقفت أو لم تأت أصلاً، من تعليم وصحة وعمل ولهو وأمن وحرية، فلم لم يتوّقف العيد؟
ككل سياسي وموظف عام ومسؤول وضابط أمني في بلادنا، فان العيد فاشل وفاسد ومستبّد.
يفشل العيد في جلب الفرح – أحد مهامه الأساسية في عقد العمل – بل لقد أصبحت من تقاليد العيد في العقدين الماضيين جلب الموت والكآبة والتذكير باحتلالنا وفقرنا وحضيضنا العام كل عام.
أصبحت من كليشيهات الصحافة العربية مثلا الكتابة عن كيف أن العيد "هذه السنة" يأتي في جو من الحرب والتفجيرات والحزن وارتفاع الأسعار (حيث يبالغ الأثرياء في الشره ويبالغ الفقراء في الجوع) والبؤس المتمكّن في كل مكان (ربما خارج الدول النفطية، دون حسد).
يفشل العيد عاماً بعد عام في شفاء الكراهية حتى داخل العائلة الواحدة، فيجتمع الأقارب على مضض، لا يعلمون لماذا، ثم ينفضون عائدين إلى قطيعتهم السابقة وحقدهم القديم. وقس على ذلك حال المجتمعات والطوائف والعشائر والقبائل.
إذا كانت كل نواحي حياتنا قد توّقفت أو لم تأت أصلاً، من تعليم وصحة وعمل ولهو وأمن وحرية، فلم لم يتوّقف العيد؟
ككل سياسي وموظف عام ومسؤول وضابط أمني في بلادنا، فان العيد فاشل وفاسد ومستبّد...
يفشل العيد في إنتاج أي موسيقى أو فن أو حركة ثقافية أو تقاليد جديدة ذي معنى – إذا استثنينا إعادة المسرحيات على التلفاز من زمن كان لدى العرب رفاهية إنتاج المسرحيات والتمتع بها، وإذا استثنينا إطلاق المفرقعات المزعجة ولعب الأطفال في الشوارع بالمسدسات الغير الحقيقية المصنوعة في الصين ربما من البلاستيك السام، تدرّبا على حرب أهلية مستقبلية.
حتى أطباق العيد وحلوياته أصبحت مضجرة وغير مشهّية.
والعيد فاسد فسد التجار الذين يغشّون ويتلاعبون، وفسد الأثرياء الذين لا يكترثون بأي حال غير حالهم، وفسد المتدينين الذين ينسون أجمل ما في الدين ولا يتذكرون إلا أبشع ما فيه.
والعيد مستبّد إذ يجبر السعيد فينا (فسّر الله لنا سعادته) والشقيّ (نحن الأغلبية وهم الأقلية) على الاحتفال أو التظاهر به إكراهاً، حيث لا يوجد سبب أو داعٍ للاحتفال.
لم يتغير الكثير منذ زمن المتنّبي، عدو العيد الأول في تاريخ الإسلام. أفلم يحن للعيد أن يريحنا منه، ويجنبنا المزيد من السعادة، فيستقل ويرحل، ربما إلى جدّة، ويتركنا في سلام؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...