شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
ذكرياتي السعيدة مع دماء أضحية العيد... يوم أحببتُ الذبح والسكين

ذكرياتي السعيدة مع دماء أضحية العيد... يوم أحببتُ الذبح والسكين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 30 أغسطس 201705:08 م
اقترب العيد. هذا هو موعد الضيف الجديد الذي سيمضي في بيتنا يوماً أو نصف يوم، لنكرمه ونطعمه ثمّ نقتله قتلاً رحيماً، ولأننا نملك قلوباً طيبة نقتله بسكين حاد حتى لا يشعر بالألم، لماذا نفعل هذا؟ لنأكل كل ما يمكن أكله في جسمه ونستخدم كل ما تبقى منه في منافع متنوعة. بهذه الأجواء أمضيت طفولتي كاملة، أتلذذ بمشهد الذبح الذي تبرره فكرة المنفعة التي ألقاها حين أتناول اللحم المشويّ اللذيذ، والأهم أن هذا الذبح يقربني أكثر من الله.

"الإصرار على حضور مراسم الذبح"

علماً أن معظم الشعوب العربية الإسلامية تتمسك بمجموعة من العادات "الدينية"، ومن أبرزها، "الأضحية" التي تأتي في أساسها كقربان يقدَّم إلى الله طمعاً في رضا إلهي يغدق على الجميع بالنِعَم. ومثل غالبية الأسر المصرية الميسورة الحال، اعتدنا ذبح شاة أو خروف أو بقرة أو جاموس، حسب الحالة المادية وأولويات المصاريف. وبالطبع كان يتمّ الالتزام بالسنة النبوية في الذبح من شحذ السكين وإتمام الذبح سريعاً، ومنع الأضحية من مشاهدة دمائها، ولكن هل هذا كافياً لمنع تدفق الدماء في أرجاء المكان؟ بالطبع لا، فرائحة الدماء لا تنقضي بسهولة وتظل عابقة في المكان فترة طويلة. اعتاد أبي وفرض علينا نحن أفراد أسرته أن نعتاد حضور مراسم ذبح الأضحية التي كانت تتم فجراً أو صباح العيد في باحة المنزل. وأتذكر جيداً الإصرار الشديد على الحضور، وكأننا ذاهبون لمشاهدة فيلم سينمائي أو ملاهٍ، ومدى تفاخر أفراد العائلة والجيران، الذين يقومون بالطقوس نفسها، بالمشاركة في الذبح سواء بإمساك السكين أو إتمام قطع رقبة الأضحية. وكان يتم إجبارنا، رغم إحساسنا كأطفال باشمئزاز، بغرس أيدينا في الدماء المُسالة وطبع كفوف حمراء على حيطان المنزل في تقليد شعبي شهير لدرء الحسد.

"خروفي سعيد الذي قتله أبي"

تحصل بعض الأسر على أضحيتها قبل موعد العيد بفترة معيّنة ربما قبل نحو شهرين، بهدف تربيتها وتسمينها من أجل الحصول على لحم ألذ لا يحوي دهوناً أو عظاماً كثيرة، وأتذكر جيداً أني كنت أنتظر قبل العيد حضور الضيف الجديد وأتساءل بمنتهى الأريحية "ماذا سنذبح في هذا العيد خروفاً أم جاموسة أم بقرة؟"... كنت في العاشرة حين أخبرنا أبي أنه اشترى خروفاً من أجل "عيد اللحمة" كما يسميه غالبية المصريين، وأخبر أمي أن تخصص له مكاناً في منزلنا المؤلف من طوابق عدة وأن تطعمه جيداً وترعاه. شعرت وقتها أن هذا الخروف ضيف مكرم، لذا أحببته وأسميته سعيد، فهو كان يضحك دائماً وكنت كلما أدخلت أمي طعاماً إليه ألعب معه وأضع أمامه بعض الحشائش والماء. وأتذكر أنني رسمته في رسمة سعيدة وهو يلعب معي وكنت أحكي عنه لجاراتي الصغيرات، فقد عاش معنا نحو شهر ونصف الشهر، حتى جاء موعد ذبحه، وهنا بدأت أشعر برفض شديد، وتحوّلت طقوس الأضحية عندي، من حب للذبح والسكين الذي يأتيني باللحم الذي أحبه، إلى شعور بالقتل والإجرام، وحتى اليوم أتذكر كيف كان الخروف ينظر مستجدياً البقاء، وظلت رائحة دمائه في أنفي، وأصبت بحالة مزاجية سيئة منعتني من تناول اللحوم فترة طويلة، وكنت أردد: أبي قتل خروفي. "الشوارع تتحول إلى حظيرة"
توجد العديد من المهن التي تعتمد على المناسبات، فأصحابها ينتظرون حتى تحين المناسبة ليمارسوا عملهم، ومن هذه المهن، مهنة بائع الخراف أو تاجر المواشي. وهناك تجار يعتبرون أن موسم عيد الأضحى وبيع الخراف والجاموس بمثابة صفقة تدر عليهم أرباحاً كثيرة، ومع اقتراب العيد تتحول غالبية شوارع المناطق الشعبية والمتوسطة وبعض الميادين العامة إلى ما يشبه الحظيرة، فيبدأ التجار في نصب "شوادر الأغنام" في أي مكان يجدونه مناسباً أو غير مناسب، وسمعت كثيراً من خبراء في شراء الخراف عن إطعام التجار خرافهم ماء وملحاً لتنتفخ وتظهر ممتلئة، ما يخدع "الزبون" الذي بعد أن يذبحه يجد أن لحمه ليس كثيراً.

"نساء يعملن في الجزارة"

المرأة المصرية معروف عنها ممارستها تقريباً معظم الأعمال، وهناك مصريات كثيرات يعملن في مجال الجزارة، ولديهن كلهن تقريباً المظهر نفسه المؤلف من عباءة سوداء وطرحة سوداء مزكرشة، مثل الجزارتين سامية وإمبراطورة جزارة البساتين الشهيرة هويدا، اللتين استعرضتا أدواتهما من سواطير وكزالك وأداة لشحذ السكاكين وأدوات تعليق الذبيحة.
"الحيوانات لا تشعر" البعض يرى مغالاة في توصيف العلاقة بين الإنسان والحيوان وما يتخللها من مشاعر، ليؤكد أن الحيوانات لا تشعر أصلاً بأي آلام، خصوصاً تلك التي نستخدمها بشكل أساسي في الطعام، ولكنني حتى اليوم، كلما تناولت قطعة من اللحم، أتذكر مشهد الدماء المتدفقة في باحة منزلي والرائحة التي ظلت أياماً، لأشعر بمذاق يشبه الدم في الفم. نعم، تشعر الحيوانات بالألم أثناء ممارسة طقوس الذبح الديني.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image