شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
رؤساء التحرير أوغاد ولا يقدّرون تعب الكُتّاب

رؤساء التحرير أوغاد ولا يقدّرون تعب الكُتّاب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 17 يوليو 202109:51 ص

حين تجمعني المصادفة بفتاة ما وأشعر بانجذاب قوي نحوها، تستيقظ في داخلي دفعة واحدة كل مهارات الإغواء التي أمتلكها، وأثناء حديثي معها أسعى ليكون سردي لأي موضوع سلساً بسيطاً وفيه شيء من الكوميديا، مخاطباً عقلها وعاطفتها معاً بعيداً عن الاستعراض الثقافي والاجتماعي المبتذل، كي لا أكون مملاً ومرهقاً في حديثي.

بالأسلوب نفسه تقريباً، أتعامل مع أي فكرة تقفز إلى ذهني وتعجبني، الفكرة أنثى وإغواؤها يكون من خلال إيجاد مفردات لسردها بشكل سلس وممتع وكوميدي أحياناً.

مهما كانت علاقة الحب رائعة وقائمة على الاحترام والتفاهم والمشاركة، لا بدّ من أن تتخللها بين الحين والآخر بعض المشاكل التي قد تكون أسبابها داخلية نتيجة خلافات بين الشريكين أو خارجية سببها الآخرون والظروف المحيطة.

في حب الأفكار

هناك بعض الأفكار التي تخطر في بالي وتجعلني أدخل في حالة حب حقيقي معها، وتشغلني لدرجة أنني أفكر فيها طوال الوقت، وأحرص على تركها تأخذ وقتاً في داخلي قبل أن أبدأ بكتابتها على شكل قصة قصيرة أو مقال.

هذا الحب للفكرة يترجَم إلى سلوك حين أقوم بكتابتها، وهنا تبدأ المشاكل الداخلية المتعلقة بعدم الرضا عن مفرداتي وطريقة سردي بشكل عام، إضافة إلى حالة الصدام الحاد مع الرقيب الداخلي الذي نشأ بفعل التربية الأسرية والاجتماعية والدينية وما شابه. هذا الرقيب ينبهني على الفور في حال تجاوزت الخطوط الحمراء على الأصعدة كافة، ومهما حاولت تجاهله يبقى يهمس لي: انتبه إلى ما تكتبه. أحياناً أتوقف عن الكتابة وأدخل في نقاش حاد معه محاولاً إقناعه وإقناع نفسي بأن ما أكتبه لن يجلب لي المتاعب، وبالطبع أكثر الأحيان ينجح للأسف في إقناعي.

أما المشاكل الخارجية، فمتعلقة بشروط وسياسة النشر في الموقع أو الجريدة والتي يجب عليّ مراعاتها وإلا سيرفضون نشر ما أكتبه، مع العلم أن مراعاة سياسة النشر لدى أي موقع لا تعني أن أكتب ضد قناعتي وإنما أن أكون ماهراً في انتقاء مواضيع أكون مقتنعاً بها ولا تتعارض مع التوجه العام لديها، فمن غير المنطقي أن أكتب مقالاً عن أهمية الأديان في نشر الأخلاق لدى شعوب العالم معتبراً أن الدين منبع الأخلاق، ثم أرسله لموقع يدافع عن فكرة الإلحاد لينشره، والعكس صحيح.

أيضاً، من المشاكل الخارجية التي تواجهني أمي التي تستيقظ أحياناً بعد الثالثة صباحاً وتفتح باب غرفتي قائلةً: "لهلق سهران! قوم نام، الصبح بكير بدك تجيب خبز وحليب من عند جارنا أبو علي وكمان بدنا غاز لأن خلصت الجرة"، فأقول لها: "ماشي فيقيني الصبح"، فترد عليّ: "كل مرة بتقلي فيقيني وما بتفيق والله إذا بيدقو بالطبل والزمر فوق راسك بعرف ما رح تفيق". ولكي لا تنقطع سلسلة أفكاري أقول لها: "وحق الخضر والإماموو علي هالمرة رح فيق"، فتذهب وهي تتحدث بصوت مسموع: "والله بعمري ما شفت من نوعك بين البشر! ليلك نهار ونهارك ليل".

أشعل سيجارة بينما أتابع صوت خطواتها المتعبة والجميلة تبتعد محاولاً إخراج ربطة الخبز والحليب وجرة الغاز وفكرة الاستيقاظ مبكراً من ذهني، وحين أنجح في ذلك أعود للكتابة فأكتشف أن الفكرة أخذت موقفاً مني لأنني أهملتها. أحاول مجدداً إغواءها أكثر من مرة ولكني لا أنجح. فأذهب للنوم وحين يأتي الصباح لا أستيقظ كما وعدتُ أمي.

"الرقيب الداخلي ينبهني على الفور في حال تجاوزت الخطوط الحمراء على الأصعدة كافة، ومهما حاولت تجاهله يبقى يهمس لي: انتبه إلى ما تكتبه. أحياناً أتوقف عن الكتابة وأدخل في نقاش حاد معه محاولاً إقناعه وإقناع نفسي بأن ما أكتبه لن يجلب لي المتاعب"

في كل مرة أكتب فيها، أتساءل: هل يوجد كاتب أو شاعر أو روائي في العالم كله، حر بشكل كامل في ما يكتب؟ ومَن ينجح بأن يكون حراً ويتجاوز كل القيود ويكسر كل التابوهات، هل يستطيع أن يتحرر أثناء كتابته من تخيل وجود قارئ ما أو قلة من القُرّاء يريد إدهاشهم وإمتاعهم؟

أظن أن الكتابة الإبداعية الحرة الصافية المتحررة من كل القيود والتي لا يوجد فيها حتى قُرّاء مُتخيَّلون هي ما نكتبه دون أن تكون لدينا أي رغبة في نشره أو حتى في أن يقرأه أقرب وأحب الأشخاص إلينا. هي السر العميق الذي قد يؤلمنا وقد نكون سعداء به. وفي الحالتين، لا نرغب بأن يطّلع عليه أحد. إنه السر الذي سيدفن معنا في القبر.

الأوغاد!

بعد كل هذه المعاناة التي تواجهني خلال الكتابة يصبح مقالي جاهزاً فأرسله إلى رئيس التحرير الذي ببساطة شديدة يعتذر عن نشره.

رؤساء التحرير أوغاد ولا يقدرون تعب الكُتّاب والجهد والمعاناة والظروف التي يمرون بها، هذا ما كنت أفكر فيه مع بداياتي في النشر.

هناك كثيرين من الأشخاص الذين أعرفهم عانوا من رؤساء التحرير لدرجة أنهم أخذوا قراراً بعدم إرسال أي شيء لهم. البعض اعتبرهم غير مهنيين ويفتقرون للّباقة والاحترام في التعامل، وآخرين قالوا: يبدو أن لديهم شيئاً شخصياً ضدنا، قائماً على أساس ديني إثني سياسي وما شابه... قد يكون ذلك صحيحاً بنسبة ما، ولكن قد تكون هناك أسباب أخرى لرفض المقال.

"في كل مرة أكتب فيها، أتساءل: هل يوجد كاتب أو شاعر أو روائي في العالم كله، حر بشكل كامل في ما يكتب؟ ومَن ينجح بأن يكون حراً ويتجاوز كل القيود، هل يستطيع أن يتحرر أثناء كتابته من تخيل وجود قارئ ما أو قلة من القُرّاء يريد إدهاشهم وإمتاعهم؟"

فلو افترضنا أن المقال جيد جداً ولكنه لا يتماشى مع سياسة النشر لديهم فسيُرفض، وفي حال كان متماشياً مع سياسة النشر قد يكون سبب رفضه هو أن موضوع المقال تم تناوله من قبل كتّاب آخرين ونشرت عدة مقالات عنه، وربما يكون هنالك حدث ساخن يشغل العالم فتكون أولوية النشر للمقالات التي تتحدث عنه، وربما تكون فكرة المقال جيدة ولكن أسلوب الطرح غير جيد، أو أن موضوع المقال جيد وهام إلا أن هيئة التحرير تفضل أن تكلف كاتباً من قبلها ليكتب عنه بعد تزويده بالأفكار والنقاط الرئيسة التي يريدونها.

وربما يُرفض المقال لأسباب تتعلق بالتمويل، فقد يكون الموقع مكتفياً بأخذ مقالات من الكتّاب الدائمين لديه، ولا يريد أخذ مواد من كتّاب جدد لأنه لا يملك القدرة على دفع أجور إضافية.

هناك قائمة طويلة لأسباب رفض المقال ومعظم رؤساء التحرير ليس لديهم الوقت الكافي ليشرحوها لكل شخص، لذلك يكتفون برسالة اعتذار عن النشر وأحياناً لا يردّون حتى برسالة. طبعاً عدم الرد غير مبرَّر.

بالنسبة إليّ، عانيت من بعض رؤساء التحرير وفكرت بكثير من الفرضيات، ولكني لاحقاً اكتشفت أني لست محقاً في كثير منها، فرؤساء التحرير ليسوا أوغاداً وأعداء للكتّاب والصحافيين، بل هم يبذلون كل ما بوسعهم ليظهر ما نكتبه بالشكل الأجمل للقارئ.

والعمل في التحرير ليس بسيطاً كما يظن البعض. هذه النتيجة وصلت إليها حين أردت أن أعمل محرراً، فقد أُرسل مقال إلى بريدي الإلكتروني من قبل رئيس تحرير أحد المواقع مع جملة تقول: هذا المقال يحتاج كل شيء تقريباً ويمكن أن يصبح مقالاً جيداً بعد التحرير.

حين قرأت المقال، اكتشفت أنه يحتاج لأكثر من كل شيء تقريباً! كان يحتاج إلى أن أكتبه مرة أخرى بسبب الأسلوب المفكك والركيك وعدم السلاسة بين فقراته والكم الهائل من الأخطاء الإملائية والنحوية، لدرجة أن هناك جملاً لم تكن مفهومة أبداً. وأنا أحرر المقال قلت لنفسي: لا بد أن مَن يرسل مثل هذا المقال للنشر يمتلك جرأة وشجاعة وثقة بالنفس منقطعة النظير.

من خلال تجربتي أستطيع القول إنه يوجد رؤساء تحرير يفتقرون للمهنية والتعامل الجيد، ولكن في المقابل يوجد رؤساء تحرير محترفون ومهنيون ويتعاملون بطريقة لطيفة، بل ويدفعونك لتكتب من خلال اهتمامهم وتخصيص وقت لك لمناقشتك بفكرة ما تريد الكتابة عنها، وحين تغيب ولا ترسل لهم مقالاً ينتبهون لغيابك فيرسلون لك ليطمئنوا إنْ كنتَ بخير، بل ويتذكرون رغم انشغالهم وعدم معرفتهم الشخصية بك أن يسألوك إن كانت أمك ووالدك العجوزان بصحة جيدة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image