شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
حفنة من اللايكات الفيسبوكية لا تعني أنك مبدع

حفنة من اللايكات الفيسبوكية لا تعني أنك مبدع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 5 يونيو 202111:39 ص

يحاول الأطفال لفت انتباه والديهما من خلال العديد من السلوكيات بهدف الحصول على التعاطف والاهتمام والرعاية والاعتراف بوجودهم، وقد يقومون أحياناً بأذية أنفسهم أو أذية أقرانهم من أجل ذلك، وهذا يندرج ضمن بند الاحتياج العاطفي الذي يسعون للحصول عليه ليشعروا بالأمان، بدون أن يعرفوا ذلك بشكل واعٍ. يكبر معظم الأطفال ويبقى هذا الاحتياج موجوداً وبشدة إنْ لم يحظوا بالإشباع العاطفي الكافي من قبل الأهل في فترة الطفولة.

حين نصل إلى سن المراهقة والشباب وأحياناً كثيرة ما بعد الشباب دون أن يكون لدينا إشباع عاطفي بالحد الأدنى، تتغير إلى حد كبير أساليب لفت الانتباه عما كانت عليه في الطفولة، ولكن المضمون يبقى كما هو: البحث عن الإشباع العاطفي.

على السوشال ميديا، يتصدر فيسبوك القائمة من حيث الاستخدام لدى سكان كوكب الأرض، وهناك الكثير ممَّن لفتوا انتباه الآخرين لهم من خلال ما يكتبونه ويشاركونه، وأصبح لديهم شعور بأنهم محط اهتمام ويحظون بالأهمية، بسبب حفنة من اللايكات والتعليقات التي يحصلون عليها، وهذا الاهتمام يحقق لهم بالحد الأدنى شعوراً بتقدير وإثبات الذات.

كان هناك شاب يتردد إلى المقهى أعرفه من خلال حبيبته التي تربطني علاقة صداقة بأخيها. كان هذا الشاب وسيماً وثرياً، وفي إحدى المرات طلب أن يجلس معي وحدثني قليلاً عن سيارته المرسيدس وساعته السويسرية، ثم أخبرني بأنه انفصل عن حبيبته قبل أسبوع، وأن لديه ديوان شعرٍ يريد أن يطبعه، وأراد أن أنصحه بدار نشر جيدة، ثم قرأ لي بعضاً من القصائد طالباً رأيي. بالطبع قلت له رأيي الذي لم يعجبه واقترحت عليه عدة دور نشر جيدة.

أثناء حديثنا، دخلت الفتاة التي كان يحبها وألقت التحية عليّ وتجاهلته. أشعل سيجارة مارلبورو وقال: مسكينة هذه الفتاة، تظن أنها بعدم سلامها عليّ سأنزعج وأهتم، بينما أنا حين أغير صورة بروفايلي على فيسبوك أحصل على أكثر من ألفي لايك ومئات التعليقات وكلها تقريباً من فتيات، مسكينة هي لا تعلم أنها الفتاة رقم 61 في حياتي.

لحظتها سألته كم عمرك؟ فقال: 25 عاماً، وأكمل حديثه... كنت أنظر إليه لكن عقلي مشغول بعملية حسابية، عمره 25 سنة ولديه 61 علاقة. إذا افترضت أن أول خمس فتيات بقي مع كل واحدة منهن أربعة أشهر ثم دخل بعدهن بعلاقة مع ثلاث فتيات في الوقت نفسه، وبقي ستة أشهر، أما الفتاة التاسعة فبقي معها شهرين... دخلت في دوامة من الحساب لعدة دقائق ثم انتبهت لحديثه وهو يقول: غداً لديّ موعد هنا في المقهى مع فتاة في غاية الجمال قادمة من دمشق فقط لتراني.

"أظن أن إقناعه بذلك لا يقل صعوبة عن إقناع فتاة جميلة تكتب على فيسبوك: ‘حين أفكر بكَ أشعر أني أملك الكون ويصبح الشتاء ربيعاً’، بأن ما تكتبه لا يحمل أي قيمة شعرية أو جمالية"

فقلت له: الفتاة التي ستراها ستكون العلاقة الثانية والستين وأنت ما زال عمرك 25 عاماً؟ أجاب بغرور: هل أنت مستغرب أم لا تصدقني بخصوص علاقاتي النسائية؟! أجبته: في الحقيقة ما يشغلني أمر آخر له علاقة بعملية حسابية قمت بها ووصلت لنتيجة تقول: إن أول علاقة لكَ كانت منذ كنتَ نطفة في خصيتي والدك. امتعض من كلامي وغادر.

يبدو أن العلاقات الجنسية الكثيرة للرجل هي شيء يدعو للفخر والتباهي بينما يرى المجتمع أن الفتاة التي لديها علاقة جنسية واحدة مع حبيبها هي "شرموطة" والفتاة التي لديها علاقتي حب بدون جنس هي فتاة لعوب و"فلتانة".

رحت أفكر كيف يمكن إقناع شخص مثله بأن هناك كثيرات من الفتيات لا يهمهنّ وسامته وثراءه وقصائده. أظن أن إقناعه بذلك لا يقل صعوبة عن إقناع فتاة جميلة تكتب: "حين أفكر بكَ أشعر أني أملك الكون ويصبح الشتاء ربيعاً"، بأن ما تكتبه لا يحمل أي قيمة شعرية أو جمالية، وأن آلاف اللايكات ومئات التعليقات التي حصلت عليها يمكن توزيعها على النحو الآتي: لايكات الذكور كلها تقريباً بسبب جمال صورتها الفيسبوكية وهدفها الإغواء ("التطبيق")؛ لايكات النساء معظمها مجاملة من مبدأ "عم تحطلي لايك لهيك رح حطلها لايك"، أو "رح حطلا لايك منشان ما تقول إني غيرانة منها"؛ لايكات الأصدقاء المقربين رغم قلتها معظمها تشجيعية؛ وما تبقى يُقسم إلى لايكات لأشخاص يضعون لايكاً على كل شيء وأشخاص لم يقرأوا في حياتهم كتاباً واحداً لذلك تعجبهم جمل التعبير والإنشاء المدرسية.

"حين نصل إلى سن المراهقة والشباب وأحياناً كثيرة ما بعد الشباب دون أن يكون لدينا إشباع عاطفي بالحد الأدنى، تتغير إلى حد كبير أساليب لفت الانتباه عما كانت عليه في الطفولة، ولكن المضمون يبقى كما هو: البحث عن الإشباع العاطفي"

"صباح الخير... صباح الأمل والسلام والمحبة لكل شعوب الأرض ولوطني الجريح". عبارة مثل هذه يكتبها شخص مشهور سيحصد عليها آلاف اللايكات ومئات التعليقات والمشاركات. كيف يمكن إقناعه بأن اللايكات سببها شهرته وليس قيمة ما يكتبه وعمقه؟

بل كيف يمكن أن تقنع روائياً أو شاعراً أخذ جائزة بأن هذه الجائزة لا تعني بالضرورة أن عمله استثنائي، ولا تعني أنه يجب أن يُعجب فيه كل القراء؛ لأن عمله الذي حصل على الجائزة قد يكون خاضعاً لعدة عوامل منها: ذائقة اللجنة التي منحته الجائزة، وتوصيات المسؤولين عن الجائزة للجنة بإعطاء الأولية لمواضيع محددة أثناء الاختيار لأسباب لها علاقة بالأوضاع السياسة والاقتصادية والحروب وما شابه...

هناك أعمال إبداعية عليها شبه إجماع من القراء والنقاد والمثقفين في العالم لم تنل أي جائزة لأسباب سياسية واقتصادية وعرقية وغير ذلك.

في سوريا على سبيل المثال، وبسبب الحرب، هناك أعمال فنية في المجالات كافة، حصدت الجوائز فقط لأن هناك حرباً في سوريا، ولا أعني بأن كل هذه الأعمال لا تستحق الجوائز.

يبدو أن معظمنا بين الحين والآخر يقع في الفخ المتعلق بأهمية إبداعاتنا بسبب السوشال ميديا والجوائز التي نحصل عليها، فمثلاً كيف سأقتنع أنا نفسي بعد أن يتم نشر مقالي هذا أو أي مقال غيره في رصيف22 وأشاركه على فيسبوك ويحصل على مئات اللايكات وعشرات التعليقات، ويصبح في قائمة الأكثر قراءة على الموقع، بأن هذا المقال ليس هاماً وجميلاً ومشغولاً بحرفية وإبداع؟

يمكنني القول إنني وقعت في هذا الفخ حين كنت شاباً أكتب وأنشر في الجرائد، وأيضاً مع بداية كتابتي في العالم الافتراضي.

في ما بعد انتبهت للأمر ووصلت إلى نتيجة تقول: إن هناك أصدقاء لا يقرأون ما أكتبه لأنهم يضعون اللايك بعد دقيقة من مشاركتي المقال على فيسبوك! وآخرون يقولون: هيدا كل أسبوع بينزل مقال مصدق حالو عنجد كاتب! ويقرأون أول سطرين ويشتمونني، ورغم ذلك يضعون لايك! وهناك مَن يقرأ ليوجه نقداً للفكرة التي طرحتها لأنه يستمتع بالنقد بغض النظر إنْ كان بنّاءً أم لا! والبعض يضعون لايكاً من باب المجاملة لأني أضع لهم لايكات، وبالطبع يوجد مَن يضع لايكاً لأنه معجب بما أكتبه.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image