شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
عدم نجاحك لا يعني أنك فاشل

عدم نجاحك لا يعني أنك فاشل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 27 مارس 202110:31 ص

"أنت فاشل/ـة". لحظة نسمعها تهز ثقتنا بأنفسنا ونشعر بالدونية والإحباط، ومع الوقت يسكننا شعور بالعجز وعدم القدرة على إنجاز الأمور بشكل صحيح، مهما كانت بسيطة، إضافة إلى أن إحساسنا بقيمة ذاتنا يصبح متدنياً أو ينعدم، ونشعر بالخوف والارتباك حين يُطلب منّا القيام بأمور إنجازها مرتبط بحكم أو تقييم يصدر بحقنا.

التأثير الذي تحدثه كلمة "فاشل/ـة" متفاوت بين شخص وآخر وله علاقة بالعمر والنضج بكل أشكاله وبالشخص الذي يقولها لنا، فإنْ صدرت عن شخص نحترمه ويهمنا رأيه سيكون أثرها قوياً والعكس صحيح.

بعض الأشخاص يقولون كلمة فاشل بأسلوب يجعلك تشعر بأنك فاشل في كافة مجالات الحياة وليس في مجال محدد. بالنسبة إلي، ومنذ سنوات طويلة أخرجت هذه الكلمة من مفرداتي وأصبحت أقول: فلان لم ينجح أو أخفق أو لم يكن موفقاً أو لم يقدّر الأمور بشكل صحيح، لأنني أرى أنه من الظلم أن ننعت إنساناً بكلمة فاشل إنْ لم ينجح في إنجاز مهمة ما كما يجب، لأنه قد يكون ناجحاً في مجالات أخرى، إضافة إلى أن هناك كثيراً من العوامل الذاتية والخارجية التي تساهم في إخفاق الإنسان بإنجاز بعض المهام الموكلة إليه.

مواصلة الفشل بمرح

في حياتنا توجد أشياء عديدة، وبغض النظر إنْ كانت ستنتهي بالنجاح أو الإخفاق يجب أن نجربها كي نكتسب الخبرة ونتعلم كيف ننجح في المرات القادمة أو على الأقل كيف نقصر الأمور على أقل الخسائر.

"مهمتنا في الحياة ليست هي النجاح بل مواصلة الفشل بكل مرح ممكن".

خلال دراستي في المرحلة الابتدائية، كنتُ من الأوائل على مستوى المدرسة. بعدها، بدأ عصر الانحدار لدرجة أنني رسبت في الصف الثالث الإعدادي وكان الأمر بمثابة الصاعقة. أنا فاشل! هذا ما شعرتُ به في تلك المرحلة، والمجتمع من حولي عزز هذا الشعور لديّ باستثناء أبي الذي كنتُ أتوقع العقاب منه. قال لي: "ما خربت الدني. السنة يلي جاي بتنجح".

في الصف الثالث الثانوي (البكالوريا)، كانت العلامات التي حصلت عليها لا تؤهلني سوى للدراسة في أحد المعاهد المتوسطة، في حين كنت أرغب بدراسة الفلسفة، ولأن المنهاج الدراسي في المعهد المتوسط كان صعباً رسبت فقررت أن أعيد تقديم البكالوريا في السنة التالية والنتيجة كانت الرسوب أيضاً.

بعدها، أخبرت والدي بأني أرغب بدراسة الفلسفة في لبنان، وبعد نقاش طويل اقتنع بالفكرة فغادرت سوريا للمرة الأولى في حياتي. كان تجربة في غاية الأهمية والمتعة لأن لبنان كان بالنسبة إليّ الشعر والرواية والموسيقى وحرية الإعلام وشارع الحمرا.

"في حياتنا توجد أشياء عديدة، وبغض النظر إنْ كانت ستنتهي بالنجاح أو الإخفاق يجب أن نجربها كي نكتسب الخبرة ونتعلم كيف ننجح في المرات القادمة أو على الأقل كيف نقصر الأمور على أقل الخسائر"

حين سمعت اللهجة اللبنانية وجهاً لوجه، أحببتها وتعلمت التحدث بها خلال وقت قصير، وأرسلت لأصدقائي عدة رسائل مكتوبة بخط يدي مع شخص كان عائداً إلى سوريا أخبرتهم فيها عن جمال لبنان وعن شارع الحمرا، وكتبت أيضاً تسع قصائد، خمس منها عن الحنين للوطن وما تبقى عن الغربة مع العلم أن غيابي لم يتجاوز الشهر والنصف.

وبالطبع، مع نهاية العام الدراسي رسبت. رجعت إلى بلدي حاملاً فشلاً إقليمياً.

بعد عودتي من لبنان، لم يعد ينتابني شعور بأني فاشل وذلك بسبب النجاحات المتعددة التي حققتها: نجحت في إقناع والدي بفكرة الدراسة في لبنان فكنتُ أول شخص في قريتي يُسمح له بالسفر خارج البلاد، نجحت بأن أصبح أحد شعراء المهجر من خلال القصائد التي كتبتها، وتعلمت اللهجة اللبنانية، أما النجاح الأهم والأبرز فكان عودتي إلى حضن الوطن وعدم الانسياق وراء فكرة العيش وجمع الأموال في بلد آخر.

هذه النجاحات أعطتني دافعاً لأعيد تقديم امتحان البكالوريا للمرة الثالثة. صحيح أني لم أرسب حينها لكن علاماتي لم تسمح لي سوى بدخول المعهد المتوسط التجاري، وهذا يعني أرقاماً ومعادلات رياضية وما شابه... أيقنتُ أني راسب لا محالة، ولكنّي نجحتُ في الحصول على ورقة تثبت أني طالب، قدّمتها إلى شعبة التجنيد كي أؤجل موعد التحاقي بالخدمة العسكرية، وبدل الدوام في المعهد قمت بالتحضير لامتحان البكالوريا للمرة الرابعة. وبالطبع رسبت، في المعهد وفي امتحان البكالوريا.

لا يهم. أنا لست فاشلاً. هذا ما كنت أشعر به، ولكني كسول بل كسول جداً ولا أتعامل بجدية مع الدراسة. بعد أن وصلت إلى هذه النتيجة نجحت في إقناع والدي الرائع مرة أخرى بفكرة الذهاب إلى العاصمة دمشق للدراسة على حسابي الخاص - أقصد على حسابه الخاص. حينها لم يكن هناك قسم للفلسفة فدرست رياض الأطفال، ولأني لم أكن أحب اللهجة الشامية نجحتُ في الحفاظ على لهجتي الساحلية ورسبت في الجامعة.

تجربتي في الجامعة

بعدها قررت أن أعيد تقديم امتحان البكالوريا للمرة الخامسة والأخيرة، وفي حال لم أحصل على علامات تؤهلني لدراسة الفلسفة سأذهب إلى الخدمة العسكرية. وخلافاً لتوقعاتي نجحت وبعلامات جيدة فدخلت قسم الفلسفة. كانت تجربتي في الجامعة ممتعة ومسلية ولكنني رسبت لأني كسول جداً.

"نجحت بأن أصبح أحد شعراء المهجر من خلال القصائد التي كتبتها، وتعلمت اللهجة اللبنانية، أما النجاح الأهم والأبرز فكان عودتي إلى حضن الوطن وعدم الانسياق وراء فكرة العيش وجمع الأموال في بلد آخر"

بوزن 58 كيلوغراماً وطول 173 سنتيمتراً وذقن لم تكتمل، قررت أن أوقف حياتي المدنية بكل ما فيها وأذهب لأداء الخدمة العسكرية. وحين انتهيت منها أخذت حياتي شكلاً آخر وتخليت بشكل كامل عن فكرة الدراسة.

خلال سنوات دراستي، كنت أعيش الحياة بشغف ومتعة وأصقل شخصيتي وأطوّرها من خلال قراءة الكتب ومشاهدة السينما وسماع الموسيقى، وكتبتُ رواية وديوان شعر إضافة إلى عدد من النصوص الأدبية التي كنت أنشرها في صحف محلية، وفزت بجائزة للقصة القصيرة بعمر العشرين وبكيت طويلاً حين شاهدت لأول مرة فيلم City of Angels وأبكتني بشكل خاص أغاني عبد الحليم حافظ ومصطفى يوزباشي، وكان لدي أصدقاء رائعون. أنا مدين لتلك السنوات بالكثير مما أصبحت عليه الآن.

بعد الحرب في سوريا، صدر قرار عن وزارة التربية يسمح بعودة المنقطعين عن الدراسة إلى الجامعة، فقلت لنفسي: الآن حانت الفرصة لأكمل دراستي. أحببت فكرة العودة إلى الجامعة بعد غياب طويل، وبالفعل عدت وأنا الآن في السنة الثالثة قسم فلسفة.

السؤال الذي أطرحه على نفسي لماذا بعد كل هذه السنوات عدت؟ هل السبب تحقيق رغبة أبي بأن أحصل على شهادة جامعية؟ أم بسبب الفتاة التي أحببتها واعتراض والدها على تحصيلي الدراسي؟ (انتهت علاقتنا لأسباب أخرى)، أم لأني أريد أن أحصل على شهادة جامعية لأسباب اجتماعية؟ أو ربما لديّ الرغبة في تجربة الدراسة ضمن مناخ مختلف عما كان عليه في الماضي وبالتالي الحصول على تأكيد آخر بأن عدم النجاح قد يكون أحياناً بسبب الظروف الذاتية والخارجية المحيطة بنا؟

هناك الكثير من الأسباب التي قد تكون موجودة في اللاوعي دفعتني لأعود إلى الجامعة وأتعامل بجدية مع الدراسة، ولكن على أرض الواقع أستطيع القول إن السبب الجوهري الذي دفعني للعودة هو الرغبة في خوض تجربة جيدة قد تكون فيها أشياء متعة ومسلية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image