دليل جديد على أن إسرائيل لم تكن يوماً "وطن اليهود"، كما يدعي حكامها، كشفته آلاف المراسلات الشخصية من المهاجرين المغاربة الأوائل لذويهم وعائلاتهم وأصدقائهم يحذرونهم فيها من اللحاق بهم، بسبب العنصرية والإذلال والتمييز ضدهم.
الرسائل التي نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية جزءاً منها، في 10 تموز/ يوليو، تفضح في الوقت نفسه الدور الذي قام به "الأخ الكبير" في إسرائيل من تجسس ومراقبة لمحادثات الجنود المغاربة الشخصية دون علمهم، والاحتفاظ ببعضها دون إذنٍ منهم.
وتوضح المراسلات الشخصية المحفوظة في أرشيف وزارة الدفاع الإسرائيلية أيضاً كيف أن المغاربة الذين انضموا إلى الجيش الإسرائيلي خلال معارك عامي 1947 و1948 "أراد معظمهم العودة للوطن" الحقيقي: المغرب.
عنصرية، وإذلال، وعدم مساواة
في إحدى الرسائل التي تعود لعام 1949، كتب جندي مغربي أُبقيت هويته مجهّلة، لعائلته في المغرب: "لقد جئنا إلى إسرائيل واعتقدنا أننا سنجد جنة هنا، لكن للأسف وجدنا العكس؛ رأينا يهوداً بقلوب مثل قلوب الألمان. نصيحتي، ابقوا في شمال أفريقيا. إنها أفضل من أرض إسرائيل".
وكتب آخر إلى والديه: "اليهود الأوروبيون، الذين عانوا بشدة من النازية، يرون أنفسهم كعرق متفوق ويهود السفارديم من عرق أدنى. الذي جاء إلى هنا من بعيد ولم يُطلب منه مغادرة منزله بسبب التمييز العنصري، يتعرض الآن للإذلال في كل منعطف".
"معاداة السامية في إسرائيل أسوأ من تلك السائدة في بولندا"... آلاف الرسائل لأوائل المهاجرين المغاربة تكشف تعرضهم للإذلال والعنصرية في إسرائيل رغم "تضحياتهم" لأجلها. نُعتوا بـ"المغاربة القذرين" و"الخراف/ الفضلات البشرية"
وأضاف: "بدلاً من (إظهار) الامتنان، يعاملوننا مثل المتوحشين أو كشيء غير مرحب به. عندما أرى أصدقاء (شمال) أفريقيين يتجولون في الشوارع، أحدهم بلا ذراع والآخر بدون ساق، أُناس سُفكت دماؤهم في الحرب، أسأل نفسي: ‘هل كان الأمر يستحق ذلك؟‘".
وقال ثالث لذويه في المغرب: "البولنديون يتحكمون في كل شيء"، مشيراً إلى أن "95% من الرجال هنا غير راضين، ويريدون فقط العودة إلى حيث أتوا". وأضاف رابع إلى هذا القول: "قد تكون فلسطين جيدة لمن عانوا في المعسكرات في ألمانيا، لكن ليس لنا نحن الفرنسيين، عشاق الحرية"، وكان المغرب آنذاك تحت الحماية الفرنسية.
وشرح أحد الجنود لعائلته كيف أن اليهود البولنديين "يعتقدون أن المغاربة متوحشون ولصوص. عندما نمر، ينظرون إلينا وكأننا متوحشون"، مبرزاً أنه يحلم بالعودة إلى الدار البيضاء، ويبكي متمنياً امتلاك سعر تذكرة العودة.
وورد في رسالة أخرى: "لا أستطيع تحمل هذا البلد، إنه أسوأ من السجن. الأشكناز يستغلوننا في كل شيء ويقدمون أفضل وأسهل الوظائف للبولنديين. الأجور لا تتساوى أبداً"، مضيفاً أن البولنديين يحصلون على 2.5 ليرة للأعمال السهلة بينما لا يتجاوز أجر المغربي 1.5 ليرة عن الأعمال الشاقة.
كان أحد الجنود أكثر صراحةً عندما كتب: "لا تصدقوا المكتب الصهيوني في المغرب. إنه ينشر دعاية وأكاذيب وتحريفات. هنا سوف يطلق عليكم ‘المغاربة القذرين‘، وستكتب الصحف أن المغاربة لا يعرفون كيف يلبسون أو يأكلون بالشوكة، فقط بأيديهم. إنهم يعتقدون أن البشر الوحيدين هنا هم البولنديون".
وذكر أحد الجنود لعائلته أن "معاداة السامية في إسرائيل أسوأ من تلك السائدة في بولندا". ولاحظ آخر: "يُعامل الشرقيون هنا مثل الزنوج في جنوب الولايات المتحدة. هناك كراهية كبيرة بين الشرقيين والغربيين، الذين يشكلون الحكومة".
وعثر المؤرخ الإسرائيلي شاي حزكاني، الذي تركزت أبحاثه على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في تقارير سرية لوحدة الرقابة البريدية في الجيش الإسرائيلي التي اطّلعت على المراسلات الشخصية ونسخت - دون علم الجنود أو موافقتهم - مقاطع منها، في إطار مراقبة الحالة المزاجية للجنود وتتبع التطورات الأخرى.
عقب تحليل الرسائل، قدّر الجيش الإسرائيلي أن قرابة 70% من الجنود المغاربة أرادوا العودة إلى بلدهم الأم، فيما أوصى 76% عائلاتهم بعدم الهجرة لإسرائيل. تُظهر بيانات المكتب الإسرائيلي المركزي للإحصاء أن 6% من المهاجرين المغاربة الذين وصلوا إسرائيل بين عامي 1949 و 1953 عادوا ثانيةً إلى وطنهم الأم، 2466 من قرابة 40 ألفاً، وهو ضعْفا عدد العائدين من المهاجرين الأشكناز.
برغم ذلك، أظهر كبار ضباط الجيش موقفاً متشدداً وعدائياً تجاه الجنود المغاربة. ورد في أحد تقارير الجيش الإسرائيلي: "على الرغم من أن الجنود أقل تعليماً وثقافة، فإنهم يظهرون انتقادات قوية". وأضاف قائد عسكري في تحليله: "مهاجرو شمال أفريقيا يعانون عقدة النقص التي قد تكون ناجمة عن الطريقة التي يعاملهم بها زملاؤهم الأشكناز".
"لا تصدقوا المكتب الصهيوني في المغرب. إنه ينشر دعاية وأكاذيب وتحريفات. هنا سوف يطلق عليكم ‘المغاربة القذرين‘، وستكتب الصحف أن المغاربة لا يعرفون كيف يلبسون أو يأكلون بالشوكة. إنهم يعتقدون أن البشر الوحيدين هنا هم البولنديون"
"خراف بشرية"
لم تكن الانتهاكات بحق المهاجرين المغاربة تصدر عن السكان الأشكناز وحدهم، بل تبنت الحكومة سياسة "الهجرة الانتقائية" وحددت "نوعية" المهاجرين الذين ترغب في استقبالهم من شمال أفريقيا إلى إسرائيل إذ حددت معايير لذلك على أساس السن والعمل واللياقة البدنية.
ونشرت "هآرتس" سلسلة مقالات لصحافي خاض تجربة العيش في مخيمات المهاجرين المغاربة لمدة شهر، ووصفهم بشكل تحريضي مهين إذ كتب: "هذه هجرة عرقية لم نعرفها من قبل في إسرائيل. لدينا هنا شعب في قمة البدائية. إن مستوى تعليمهم يحده الجهل المطلق، والأخطر هو عدم كفاءتهم في استيعاب أي شيء فكري".
وأضاف الصحافي الذي كتب باسم مستعار: "إنهم يتفوقون بشكل طفيف على المستوى العام للسكان العرب والزنوج والبربر من مناطقهم (الأصلية)... إنهم يخضعون تماماً للغرائز البدائية والوحشية. على أي حال، هذا مستوى أقل حتى مما عرفناه بين عرب ‘أرض إسرائيل‘ في الماضي".
وتساءل: "ماذا نفعل بهم؟ كيف يمكننا استيعابهم؟ هل فكرنا في ما سيحدث لهذا البلد إذا أصبحوا مواطنين؟ يوماً ما سيهاجر باقي يهود الوطن العربي! كيف ستبدو إسرائيل وما هو نوع المستوى الذي ستكون عليه إذا كان لديها مواطنون مثل هؤلاء؟".
"لقد جئنا إلى إسرائيل واعتقدنا أننا سنجد جنة هنا، لكن للأسف وجدنا العكس؛ رأينا يهوداً بقلوب مثل قلوب الألمان. نصيحتي، ابقوا في شمال أفريقيا. إنها أفضل من أرض إسرائيل"... حذّر المغاربة الأوائل الذين هاجروا لإسرائيل ذويهم من اللحاق بهم
في مقالات أخرى وُصف المهاجرون المغاربة بأنهم "خامة سيئة" و"خراف بشرية" يجب "عجنهم" و"إعادة تشكيلهم"، وجرى التساؤل: "كيف نرتقي بهم إلى المستوى الغربي للمجتمع الحالي وكيف نحمي أنفسنا بكل قوتنا ضد احتمال أن تنخفض جودة سكان إسرائيل إلى المستوى الشرقي".
حتى المسؤولون وكبار القادة في إسرائيل أدلوا علناً بتصريحات عنصرية ضد هؤلاء المهاجرين. من بينهم ليفي أشكول، الذي أصبح ثالث رئيس وزراء لإسرائيل، والذي قال في عام 1953: "نحن مكبلون بالفضلات البشرية، لأنهم في تلك البلدان يرسلون إلينا أولاً هؤلاء المتخلفين".
ورد مهاجرون مغاربة على هذه العنصرية في مقال بإحدى دوريات القدس، كتبوا فيه أن "حماس اليهود (في المغرب) للهجرة إلى الأراضي المقدسة كان بلا حدود". لكن "بدأ هذا الحماس يختلط بخيبة أمل مريرة" إثر الشكاوى مما يحدث في الواقع.
ولفت هؤلاء إلى "التضحيات" و"الإسهامات" التي قدمها المهاجرون المغاربة لإسرائيل قائلين: "كنا من أوائل المهاجرين غير الشرعيين إلى إسرائيل. قاتل أولادنا مثل الأسود على جميع الجبهات، وسفكت دماؤهم في كل مكان"، متعجبين "لماذا يتعرضون للتمييز؟ لماذا تختلف دماؤهم عن دماء إخوانهم الغربيين؟".
إلى ذلك، نوه حزكاني بأنه ليس فقط المهاجرون المغاربة الذين وجهوا انتقادات لاذعة للمجتمع الإسرائيلي الناشئ، مبيناً أن جنوداً أمريكيين وبريطانيين من المهاجرين انتقدوا بشكل خاص تفشي "الواسطة والمحسوبية" علاوة على "الوقاحة والأنانية والنفاق وعدم الاحترام".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومينحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com