ساعياً خلف تطوير ذاته والتواصل مع ثقافات جديدة، يتنقل مصمم الأزياء الإسرائيلي آرتسي إفراخ بين الحين والآخر. فبعد تل أبيب وأمستردام وباريس، استقر به الحال في مراكش المغربية، التي يصفها بأنها "الجنة على الأرض"، ويعترف لأهلها بالفضل عليه لاحتضانه، ولواحدة من عارضاتها بإلهامه للاستمرار في الإبداع.
ولد مصمم الأزياء اليهودي، من أصول عربية مغربية، في مدينة القدس المحتلة. وقد شارف الخمسين من العمر. عانى طفولة صعبة، إذ كان ضحيةً للاغتصاب في السادسة من العمر. وأفصح لأهله عما تعرض له للمرة الأولى حين كان في الثالثة عشرة، فنهره والده وانفصل عن والدته وتركهما عائداً إلى الدار البيضاء بالمغرب.
في حوار مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تحدث إفراخ عن معاناته كمصمم أزياء في إسرائيل، وكيف وجد ضالته في المدينة المغربية المفعمة بالحياة والألوان، مراكش.
لا موضة في إسرائيل؟
قال إفراخ: "كإسرائيليين، غُرِس فينا بعمق شعور "ليس لدي أرض أخرى" منذ سن مبكرة جداً. لكن لإنقاذ عملي الإبداعي، الذي أقاتل من أجله حتى يومنا هذا بكل طريقة ممكنة، كان علي المغادرة. لا أعتقد أنه كان بإمكاني أن أكون الشخص الذي أنا عليه اليوم، وأن أقوم أزاول التصميم الذي أقوم به لو أني عشت في إسرائيل. من الصعب جداً أن تكون مصمم أزياء في إسرائيل".
يراها "الجنة على الأرض"... لماذا فضَّل مصمم أزياء إسرائيلي شهير مراكش المغربية على تل أبيب؟
شرح إفراخ كيف كان يتم الحكم عليه على كل شيء، ويتعرض للسخرية من عمله، بينما لا يحدث ذلك في المغرب الذي وصفه بأنه "بلدي الثاني"، حيث يعمل "بدون إصدار حكم مسبق، بدون معارك لا داعي لها، بدون وضع اقتصادي مرهق، بدون انتقادات قاسية، بدون عنف لفظي". وسرد بعض مواقف الإهانة والسخرية من النقاد والجمهور الإسرائيلي خلال فترة عمله هناك.
وفيما لفت إلى العديد من المصممين الرائعين الذين توقف عملهم لعجزهم عن تغطية نفقاتهم، قال إفراخ إن إسرائيل "اليوم دولة محاربة حيث المهم هو الأمن واليهودية وكل ما يتعلق بهما". لم يكن المصمم الإسرائيلي يقصد إبداء الامتعاض من سياسة دولة الاحتلال حين قال ذلك وإنما التبرير لرحيله عنها.
وأضاف: "إسرائيل مهمة بالنسبة لي وأنا مرتبط جداً بها. أقبل أن الموضة ليست قيمة عليا في إسرائيل. وربما أكثر من ذلك: لا توجد موضة في إسرائيل". موضحاً أنه يعتبر نفسه "سفيراً جيداً جداً لإسرائيل" بالمغرب لأنه يصنع "قطعاً فريدة من نوعها" وهو "شديد الدقة" ويسوّق كل ما ينتجه على أنه عمل "مصمم إسرائيلي مغربي".
بموازاة ذلك، استفاض في وصف مراكش: "في مراكش، هناك عالمان، قديم وجديد. الطاقة قوية جداً ومسيطرة. إنها الجنة على الأرض، أجمل مكان عشت فيه. إنها أرض الحليب والعسل، وأنا محظوظ حقاً لكوني أعيش هنا. قلبي ينتمي إلى هذا المكان".
"أعيش وضعاً يبدو شبه مستحيل في ظاهره: أنا يهودي وعربي، ومثلي الجنس أعيش في بلد مسلم. كانت هناك الكثير من الموانع، لكنني أقدمت واتخذت القرار الرائع".
البرقع وعارضة مغربية سر إلهامه
يمتلك إفراخ متجراً في حي جليز العصري بمراكش. يراوح سعر القطعة من تصميمه بين 700 و5000 دولار أمريكي. يقول إن أزياءه المعروضة في المدينة السياحية المغربية "ليست للجميع"، بل لأولئك الأشخاص المهتمين باستثمار أموالهم في الموضة وباقتناء أشياء لا يملكها غيرهم.
ملابس إفراخ ملونة وغنية يستمدها من ثقافات مختلفة. وهي على تنوع الأقمشة والتطريزات والطبعات عليها، تخلق قصصاً جديدة مليئة بالتناقضات، وتجسد في النهاية انعكاساً لشخصيته.
لا تفرض أزياء إفراخ أيضاً قواعد جنسانية على مرتدياتها. وهو الأمر الذي يعتقد أنه منبثق من ثقافته العربية، وتحديداً البرقع. وعنه قال: "البرقع من أروع الأشياء في عالم الموضة لأنه بسيط، وأيضاً لأنه لا يتعامل مع مظهر المرأة وإنما مع حركتها وغموضها".
من العناصر المميزة في مراكش التي ألهمت المصمم الإسرائيلي عارضة الأزياء المغربية الحاجة تيليلا الحاج، التي تشتهر بالنمش المميز على وجهها. "نحن معاً على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، تماماً مثل الأسرة. إنها أكثر بكثير من ملهمتي"، قال عنها.
يعتبر نفسه "سفيراً جيداً جداً" لدولة الاحتلال بالمغرب... إفراخ: "الموضة ليست قيمة عليا في إسرائيل" لكونها بلداً في حالة حرب
احتضانه كيهودي ومثلي الجنس
أكد إفراخ مراراً خلال الحوار على أن مراكش احتضنته وسمحت له بالنمو، بينما حاصرته مدن أخرى مثل أمستردام التي تركها بسبب كراهيته لـ"الطقس البارد وبرودة الناس" فيها.
في سياق متصل، أعلن المغرب أخيراً تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتبادل الجانبان الرحلات الجوية المباشرة وتوالت زيارات الوفود الرسمية بينهما. لكن إفراخ يرى أنه حتى بدون تطبيع "كونك إسرائيلياً ليس بالأمر المهم بالنسبة للمغاربة"، مشدداً على أن "طالما كانت إسرائيل متقبلة هنا، وكان الإسرائيليون مشمولين بالحب والاحترام، وهناك جالية يهودية غنية هنا". أما بعد اتفاق التطبيع، "أصبح (المغرب) مفتوحاً، ويمكن للجميع زيارته رسمياً والوقوع في الحب"، على حد قوله.
في ما خص تفاعل الناس مع توجهه الجنسي المثلي في المغرب، كبلد مسلم، قال إفراخ: "في نهاية اليوم، في السرير ليلاً، أفضل الرجل. كل من يعرفني يعرف أنني مثلي. ولكن هذا هو آخر ما يحددني ... أنا ما أنا عليه، ولا أضخم هذا الأمر على الإطلاق. أعمل مع المغاربة وأقدم لهم الفساتين الملائمة وهذا (كونه مثلياً) ليس مشكلة كبيرة".
وختم: "أعيش وضعاً يبدو شبه مستحيل في ظاهره: أنا يهودي وعربي، ومثلي الجنس أعيش في بلد مسلم. كانت هناك الكثير من الموانع، لكنني أقدمت واتخذت القرار الرائع".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين