مجاز الجِوار، مؤانسة الغرباء في البستان المجاور
اكتسب تشارلز بوكاوسكي المعروف في العالم العربي باسم بوكوفسكي (1920-1994) العديد من الألقاب، خصوصاً في العالم العربي، الذي يحب أن يضع الغطاء تلو الغطاء والألحفة الصوفية على الكتابة والكاتب، لذا كان أن نسميه "الشاعر المتعرّي" فكرة يعجب بها أولئك "المتفوقون" الذين يعرفون "لغات" أجنبية ويكتبون بها وعنها، لكني أظنّ أنه "متغوّط" عظيم و"كارع" بيرة أكثر من رائع.
شاعر وروائي قادم من منطقة خارج الكتابة، وهذا لا يعني أنه من الجيد القدوم من هناك، من مكاتب الرهانات وميادين سباق الكلاب والأحصنة، حلبات الملاكمة وشجارات العاطلين عن العمل، لكن بين الحين والآخر يقوم "سدنة الهيكل" بالإضاءة على موهبة مماثلة لإرضاء نزوعهم "النظيف"، وبنفس الوقت، من غير المقبول أن تصبح الكتابة من خارج الكتابة "ميزة" وتفوقاً على الكتّاب القادمين من "الكتابة" نفسها.
هو لا يقول عن نفسه غير أنه رديء وكتابته رديئة، رائع... هذا شاعر يعرف نفسه على الأقل (أعرف العديد من الشعراء الرديئين الذين لا يدركون ذلك للحظة)، ومع ذلك يقوم بطباعة الكتاب تلو الآخر، شعراً ورواية، ويقوم بتقديم القراءات مدفوعة الثمن لجمهور من السكارى والمراهقين والهبيين والمبتذلين والعاطلين عن العمل وسائقي الشاحنات والفاشلين في الدراسة، ولحسن الحظ لم يتواجد هناك "شاعر" واحد بربطة عنق أو مدير صفحة ثقافية ليقول له: "صه... هذا ليس شعراً... بل هراء مكتوب بشكل متقطع".
القصائد الواردة هنا لا نعلم من أي كتاب له، وجدها المترجم على صفحات الإنترنت، فترجمها، وربما لا تكون حتى لبوكوفسكي، لا يهمّ، طالما أن الكتابة هي عن الألم والوحدة وليس عن "الكتابة"، وأنا متأكد أن المترجم الذي قام بترجمة القصائد هذه يتألم بشكل استثنائي، والكتابة كلها "خنزرة" والنسل الأدبي خنزير، كما يقول أنطونان آرتو، وبناء عليه لن نقوم بإعطائه أجراً على ترجمته، فما فعله أنه حاول ترجمة "الرداءة" بشكل جيد، وهذا يتنافى مع هدف بوكوفسكي نفسه، وإذا اعترض أحد، فنقول له كما نظن أن بوكوفسكي قد قال: "ضاجع هواءك بقضيب رخو".
بوكوفسكي لا يقول عن نفسه غير أنه رديء وكتابته رديئة، رائع... هذا شاعر يعرف نفسه على الأقل... مجاز في رصيف22، فسحة الكتابة الإبداعية
الماخور
تجربتي الأولى في ماخور كانت في تيخوانا
كان مكاناً كبيراً على أطراف المدينة.
كنت في السابعة عشر، ثملت أنا وصديقين لنستجمع شجاعتنا
وذهبنا.
كان المكان ممتلئاً بالجنود، ومعظمهم من البحارة
وقفوا في طوابير طويلة، يزعقون ويقرعون الأبواب.
وقف لانس في طابور قصير (الطوابير تشير إلى عمر المومس، كلما كانت أقصر كلما كانت أكبر في السنّ)
"حسناً، ماذا تنتظرون أيها الرفاق": قال بجرأة وابتسامة عريضة.
جاك، صديقي الآخر، مرر لي زجاجة التيكيلا، أخذت جرعة وأعدتها له، وأخذ جرعة بدوره.
نظر لانس إلينا: "سأكون في السيارة، أضاجعها".
انتظرنا حتى رحل ثم اتجهنا نحو المخرج.
كان جاك يرتدي قبعة عريضة، وعند المخرج، وضعت عجوز تجلس على كرسي، ساقها في طريقنا: "هيا يا شباب، سأمنحكم حسماً".
بطريقة ما أشعر هذا جاك بالقرف، قال: "يا إلهي، أرغب بالتقيؤ".
"ليس هنا": صرخت فيه المومس العجوز، لذا وضع جاك قبعته أمامه وتقيأ جالوناً، ثم وقف محدقاً بها.
صرخت المومس: "انقلع من هنا".
خرج جاك وهو يحمل قيئه في قبعة، ألقت المومس عليّ نظرة ناعمة للغاية وقالت: "أممم، عرض رخيص".
ذهبت إلى غرفة معها، كان هناك رجل سمين يجلس على كرسي
سألتها: "من هذا؟".
قالت: "إنه هنا ليتأكد من سلامتي".
ذهبت إلى الرجل وقلت له: "كيف حالك؟".
قال: "بخير سيدي".
قلت: "هل تعيش هنا؟".
فقال: "اعطها النقود".
"كم؟".
أجاب: "دولارين".
أعطيت السيدة دولارين، ثم عدت إلى الرجل: "قد آتي لأعيش في المكسيك يوماً ما".
قال: "انقلع من هنا الآن".
بينما كنت أسير عبر المخرج، رأيت جاك ينتظرني، بدون قبعته، لكنه كان يتطوّح من السكر.
قلت: "يا إلهي، كانت رائعة، لقد جفّفت خصيتي تقريباً".
عدنا إلى السيارة. كان لانس قد فقد الوعي، وبطريقة ما عبرنا المعبر الحدودي، وعلى طول الطريق إلى لوس أنجلوس، سخرنا من جاك لأنه بقي بتولاً خرائياً.
كان لانس يداعبه بطريقة لطيفة، بينما كنت أشتمه بصوت عال لأنه افتقر للشجاعة، وواصلت ذلك حتى أغمي عليه بالقرب من Sant Clemente.
جلست بالقرب من لانس، وزجاجة التيكيلا تمر عبرنا جيئة وذهاباً.
بينما كانت لوس أنجلوس تقترب منا، سألني جاك: "كيف كان الأمر معك؟".
أجبت بنبرة الخبير: "حظيت بمضاجعات أفضل".
أعطيت السيدة دولارين، ثم عدت إلى الرجل: "قد آتي لأعيش في المكسيك يوماً ما". قال: "انقلع من هنا الآن"... مجاز في رصيف22
امرأة
قالت: "أتعلم؟ كنتَ في البار لذا لم تعرف
رقصت مع هذا الرجل، رقصنا ورقصنا متقاربين.
لكنني لم أرافقه إلى المنزل
لأنه يعلم أني معك أنت".
"شكراً جزيلاً": قلت.
كانت تفكّر دائماً في الجنس.
حملت كسّها كأنه شيء في ورقة أو كيس.
يا لهذه الطاقة.
لم تنس قط.
حدّقت في كل رجل متاح في المقاهي الصباحية
وهو يتناول اللحم المقدد والبيض
أو فيما بعد، عند سندويشة بعد الظهر أو قطعة لحم العشاء.
"لقد زيّنت هيئتي على غرار مارلين مونرو": قالت لي.
حدّقت في كل رجل متاح في المقاهي الصباحية
وهو يتناول اللحم المقدد والبيض
أو فيما بعد، عند سندويشة بعد الظهر أو قطعة لحم العشاء.
"لقد زيّنت هيئتي على غرار مارلين مونرو": قالت لي.
تهرب دائماً إلى المراقص المحلية
لترقص مع أي قرد.
قال لي أحد الأصدقاء ذات مرة:
"أنا مندهش لأنك بقيت معها كل هذه الفترة".
ستختفي في حلبة السباق، ثم تعود وتخبرني:
"عرض عليّ ثلاثة رجال دعوتي لمشروب".
أو سأفقدها في موقف سيارات، وأبحث عنها كثيراً
وسأراها تسير مع رجل غريب
"أوك، لقد جاء من هذا الاتجاه، وأنا أيضاً
ومشينا معاً نوعاً ما. أنت تعلم، لا أحب أن أؤذي مشاعر أحد".
قالت لي: "أنت رجل غيور للغاية".
في أحد الأيام
سقطت بداخل فرجها واختفت.
كانت مثل منبه سقط في جراند كانيون.
تخبطت كثيراً واهتزّت
رنّت ورنّت
لكني لم أستطع رؤيتها أو سماعها.
أشعر أني أفضل حالاً الآن.
بدأت أرقص وقبعتي السوداء تنسدل مغطية عيني اليمنى.
مرسيدس حمراء
بطبيعة الحال، نحن جميعاً عالقون في أزمات مزاجية
إنها مسألة توازن كيميائي ووجود يبدو أحياناً أنه يمنع أي فرصة حقيقية للسعادة.
كنت محبطاً للغاية عندما قطع هذا الخنزير الثري
مع عشيقته الفارغة، في سيارته المرسيدس الحمراء
الطريق أمامي، في موقف مضمار السباق.
خطر لي للحظة:
"سأقوم بجرّ هذا المنيك من سيارته، وأركل مؤخرته".
لحقته في الرتل وقفزت من سيارتي إلى بابه محاولاً انتزاعه من مكانه.
كان مقفلاً والنوافذ أيضاً
نقرت على زجاج نافذته: "افتح، سأخترق مؤخرتك".
جلس في مقعده، ناظراً إلى الأمام، وعشيقته فعلت مثله.
لم ينظرا في وجهي.
كان في الثلاثين أو أصغر، لكني كنت أعلم أني أستطيع سحقه، إذ كان رقيقاً ومدللاً.
نقرت من جديد بقبضتي على النافذة: "اخرج طواعية أو سأكسر نافذتك".
أومأ لعشيقته، فوضعت يدها في جراب السيارة وأخرجت مسدساً عيار 32. رأيته يحمله بيده ويزيل ذراع الأمان.
سرت مبتعداً نحو النادي، كان الأمر مثل هدية ملونة في ذلك اليوم.
كل ما كان عليّ فعله هو أن أكون هناك.
لم يتقاعد أبداً. مات بينما كان واقفاً يملئ كوباً من الماء، قرب المجلى وقع كمن تلقى رصاصة في صدغه. واستلقى إلى الخلف، بينما مالت ربطة عنقه إلى اليسار... مجاز في رصيف22
تقاعد
"قطع لحم الخنزير"، قال والدي: "أحب قطع لحم الخنزير"
ثم شاهدته يزلق القطع المدهنة في فمه.
"الفطائر"، قال: "الفطائر مع المربى، الزبدة واللحم المقدد".
ثم شاهدت شفتيه مبللتين بكل هذا، مجتمعاً.
"القهوة"، قال: "أحب القهوة الساخنة التي تحرق حلقي".
أحياناً عندما يكون الجو حاراً بعض الشيء، كان يبصقها فوق الطاولة لسخونتها.
"البطاطا المهروسة والمرق"، قال: "أحب البطاطا المهروسة والمرق".
كان يحشرها بين فكيه وينتفخ خداه كأنه مصاب بالنكاف.
"الفلفل الحار والفاصوليا"، "أحب الفلفل الحار والفاصوليا".
يبتلعها ويبقى لساعات يطلق ضرطات بصوت مدوٍّ.
"كيك الفراولة بآيس كريم الفانيليا"، قال: "هذه هي الطريقة المثلى لإنهاء وجبة".
كان يتحدث دائماً عن التقاعد، عما سيفعله عندما يتقاعد.
عندما لم يكن يتحدّث عن الطعام تحدث دائماً عن التقاعد.
لم يتقاعد أبداً.
مات بينما كان واقفاً يملئ كوباً من الماء، قرب المجلى
وقع كمن تلقى رصاصة في صدغه.
سقطت الكأس من يده
واستلقى إلى الخلف، بينما مالت ربطة عنقه إلى اليسار.
قال الناس إنهم لا يصدقون ما حدث، لقد بدا بصحة رائعة
سوالف بيضاء مميزة، وعلبة تبغ في جيب قميصه. يلقي النكات دائماً، ربما بصوت عالٍ بعض الشيء، وبقليل من قلة الأدب، ومع ذلك، بدا رائعاً: لم يتغيّب يوماً واحداً عن العمل.
أصدقاء في الظلام
أستطيع تذكر التضوّر جوعاً في غرفة صغيرة في مدينة غريبة
الظلال خيّمت وأنا أستمع لموسيقا كلاسيكية.
كنت صغيراً
كنت صغيراً جداً لدرجة أنها كانت تؤلمني كسكين في جوفي
لأنه لم يكن هناك بديل سوى الاختباء لأطول وقت ممكن، ليس شفقة على الذات لكن الخوف من فرصي المحدودة.
كان الموسيقيون القدامى: موزارت، باخ، بيتهوفن، برامز، هم الوحيدون الذين تكلموا معي، وكانوا أمواتاً.
كان الموسيقيون القدامى: موزارت، باخ، بيتهوفن،
برامز، هم الوحيدون الذين تكلموا معي، وكانوا أمواتاً.
في النهاية، جائعاً ومضروباً، اضطررت للنزول إلى الشوارع
لإجراء مقابلات للحصول على وظيفة رتيبة ومتدنية الأجر
من قبل أناس غرباء، خلف مكاتب
رجال بلا عيون، رجال بلا وجوه
أرغب بتحطيمهم، بالتبوّل عليهم.
الآن أعمل للمحرّرين والقرّاء والنقاد
لكن ما زلت أتسكع وأشرب مع موزارت، باخ، برامز.
بعض الأشخاص
بعض الرفاق
أحياناً، كل ما نحتاجه لنكون قادرين على الاستمرار بمفردنا هم الموتى الذين يهزّون الجدران التي تنغلق علينا.
جلس الموت على ركبتي وانفجر بالضحك
كنت أكتب ثلاث قصص قصيرة أسبوعياً
وأرسلهم إلى جريدة "أتلانتيك" الشهرية، ليعود الرد بالرفض.
أنفقت أموالي على الطوابع والمغلفات والورق والنبيذ، وأصبحت نحيفاً للغاية لدرجة أني اعتدت مصّ خديّ معاً.
(هذا عندما فكرت بجوع هامسن، حيث بدأ بأكل لحمه. حتى أني أكلت مرة قضمة من معصمي، لكنها كانت مالحة جداً)
على أي حال، ليلة واحدة في شاطئ ميامي (ليس لدي فكرة عما كنت أفعله هناك، في تلك المدينة)
لم أكن قد تناولت طعاماً لستين ساعة
أخذت آخر بنسات لدي، ونزلت إلى بقالية الزاوية واشتريت رغيف خبز.
خططت لمضغ كل لقمة ببطء كما لو أنها قطعة لحم، عدت إلى غرفتي، وفتحت الغلاف، كانت شرائح الخبر خضراء من العفن... مجاز في رصيف22، فسحة الكتابة الإبداعية
خططت لمضغ كل لقمة ببطء كما لو أنها قطعة لحم
عدت إلى غرفتي، وفتحت الغلاف، كانت شرائح الخبر خضراء من العفن
ألقيت الخبز على الأرض، وجلست على السرير أتسائل عن العفن الأخضر، عن التحلل.
استخدمت كل نقود الإيجار، واستمعت إلى كل الأصوات القادمة من الناس الذين في تلك الغرفة الكبيرة
وعلى الأرض
كانت ترقد عشرات القصص مع عشرات الردود بالرفض من جريدة "أتلانتيك" الشهرية.
كان ذلك في وقت مبكر من المساء، أطفأت الضوء لأذهب للنوم
لم يمض وقت طويل قبل أن أسمع الفئران تخرج، سمعتهم يزحفون على قصصي العظيمة، ويأكلون خبزي الأخضر المتعفن.
في الصباح
عندما استيقظت، رأيت أن كل ما تبقى هو قالب العفن الأخضر.
لقد التهموا كل شيء تاركين أطراف الرغيف فقط
بين القصص وردود الجريدة بالرفض.
كما سمعت صوت المكنسة الكهربائية لمدبرة المنزل
تصطدم بالجدران، مقتربة من بابي ببطء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...