هذا الشهر، يونيو/ حزيران 2021، يبلغ الأسير الفلسطيني رامي سليمان عامه الثالث والأربعين في زنزانة ما في سوريا، بعد ثماني سنوات من اعتقاله على يد عناصر من قوات النظام في 7 تموز/ يوليو 2013، على حاجز أمني بالقرب من مدينة يبرود في ريف دمشق. ومنذ اعتقاله لم تتوفر أيّ معلومات عنه، سوى أنّه تنقّل بين فروع أمنيّة عدة.
كان رامي سليمان في النصف الأول من ثلاثينياته عند اعتقاله، ولا يدري هو أو سجانوه إذا كان سيرى الشمس قبل أن يمضي ما تبقى من شبابه في سجون نظام الأسد.
ضياع العمر في المعتقلات الأسدية ليس مصيرًا وحيدًا محتملًا للفلسطينيين المقبوض عليهم لأسباب غير معروفة، فالبعض ينتظره مصير أكثر حسمًا.
في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2013، ورد خبر مقتل الناشط الإغاثي الفلسطيني خالد بكراوي جراء التعذيب في سجون النظام السوري، وذلك بعد اعتقاله بحوالى ثمانية شهور. يعتبر بكراوي، الذي كان يبلغ من العمر 25 عاماً آنذاك، أحد أهم ناشطي الإغاثة في منطقة مخيم اليرموك جنوب العاصمة دمشق، وفي المخيمات الفلسطينيّة في سوريا.
كان الفلسطيني رامي سليمان في النصف الأول من ثلاثينياته عند اعتقاله من دون جريمة، ولا يدري هو أو سجانوه إذا كان سيرى الشمس قبل أن يمضي ما تبقى من شبابه في سجون نظام الأسد.
اتهامات بلا دليل
قبل أقل من أسبوعين على انطلاقة شرارة الثورة في أواسط آذار/ مارس 2011، خرجت المستشارة الإعلاميّة للرئيس السوري بشّار الأسد، بثينة شعبان بـتصريح يحمّل الفلسطينيين مسؤوليّة "الفتنة" التي أصابت سوريا، إذ قالت عمّا حدث في مدينة اللاذقيّة إنّ أشخاصًا من مخيم الرمل (مخيم للاجئين الفلسطينيين أنشئ سنة 1955) جاؤوا إلى قلب اللاذقيّة وكسروا المحال التجاريّة و"بدأوا بمشروع الفتنة".
قبل ذلك بأيام، وبالتحديد في الثالث والعشرين من آذار/ مارس 2011 لقي أول فلسطيني، وسام أمين الغول، مصرعه برصاص قوات الأمن السوري في مدينة درعا، جنوب البلاد، وهي آنذاك مهد الثورة ومعقل التظاهرات الضخمة المناوئة لنظام الأسد.
قبل أقل من أسبوعين على انطلاقة شرارة الثورة في أواسط آذار/ مارس 2011، خرجت المستشارة الإعلاميّة للرئيس السوري بشّار الأسد، بتصريح يحمّل الفلسطينيين مسؤوليّة "الفتنة".
منذ ذلك الحين إلى ما بعد سيطرة النظام على معظم مناطق انتشار الفلسطينيين في سوريا، اعتقل النظام السوري الآلاف منهم، وقتل آلافًا آخرين، وشرّد وهجّر مئات الألوف، ووصلت ذروة القمع خلال حصار مخيم اليرموك في الفترة الممتدة من النصف الثاني من عام 2013 حتى نهاية النصف الأول من عام 2014، إذ حصد الجوع أرواح أكثر من 200 شخص، معظمهم من الأطفال وكبار السنّ، حسب شهادات شهود عيان وما سجلته تقارير صحافيّة مختلفة.
قتل واعتقال على الهوية
حسب الناشط الفلسطيني السوري مصعب بلشة، المنحدر من مخيم اليرموك والذي عمل في مجال توثيق الانتهاكات ضدّ اللاجئين الفلسطينيين في سنوات الثورة السوريّة الأولى، فإنّ عناصر النظام السوري استهدفت الفلسطينيين على الهويّة. وأضاف في حديثه لرصيف22 أنّ "امتلاك الفلسطينيين بطاقات هوية مختلفة، جعل تمييزهم عن الآخرين سهلًا. فصاروا يستهدفونهم (عناصر الأمن) على الحواجز، وخاصة تلك المحيطة بمخيم اليرموك".
ويقول بلشة إنّ الاستهداف لم يكن بالضرورة لأسباب أمنيّة، بل لكون حامل/ة الهوية فلسطيني/ة، وخاصة بعد بدء حصار النظام للمخيّم واستهدافه بالقصف الثقيل، لكن "مشكلة المعتقلين كانت - في الإطار الكبير للثورة السوريّة - محدودة، حتى قبل حصار مخيم اليرموك. بعد مخيم اليرموك، صار هناك تغيير عام في التوجه نحو الفلسطينيين (استهدافهم) إذ اعتُبروا أعداء للنظام".
هذا ما يؤكده الشريك المؤسس في رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، دياب سريّة لرصيف22، ويقول: "في فترات معينة من الصراع السوري، تمّ استهداف الفلسطينيين على الهويّة من قبل عناصر قوات الأمن مثلما يُستهدف أيّ شخص ينتمي إلى قرية أو مدينة ثائرة ضد نظام الأسد".
في اليرموك
في صورة أيقونيّة، التقطت في آذار/ مارس 2014 وعُلقت في ساحات عديدة في العالم وجرى تداولها ملايين المرات على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر الآلاف من سكان مخيّم اليرموك في أشدّ أيام الحصار وهم يحاولون الخروج من المخيم، ويقفون عند مدخله الذي تسّده قوات النظام السوري وشبيحته، إضافة إلى عناصر من الجبهة الشعبيّة بقيادة أحمد جبريل.
تُظهر الصورة الآلاف من الفلسطينيين السوريين في شارع مُهدّم جراء القصف الثقيل الذي حوّل المخيم دمارًا، وذكرى لدى سكّانه، الذين تبعثروا في مناطق أخرى من المدينة محاولين الخروج من سوريا بحثًا عن حياة أخرى في مكان ما، وهم الذين لا يستطيعون دخول دول العالم بسهولة، لعدم حصولهم على وثائق تتيح لهم السفر إلى أيّ مكان.
هذه الصورة، سجلت لحظة فارقة من لحظات استهداف الفلسطينيين في سوريا.
"لا بد من عدو" يقول تقرير في صحيفة ذا أتلانتيك، نشر في العام 2017. يفحص التقرير تاريخاً من لوم الأجانب والمعارضين في حالات القلق والفشل السياسي للأنظمة الحاكمة. ربما لا يشير المقال إلى الحالة السورية على وجه التحديد، إلا أنه يقدم إطاراً لتفسيرها، تدعمه ورقة صادرة عن منظمة ريليف ويب، توصد حالة دولية من كراهية اللاجئين ولومهم على الأزمات التي تمر بها البلدان المستضيفة لهم، ولا تشكل الحالة السورية استثناءً، سوى في انخراط الدولة نفسها في حالة إذكاء العداء وممارسته.
4000 ضحية
وثَّقَت مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا حتى الآن مقتل 4048 من الفلسطينيين في سوريا، قضوا بشكل رئيسي على يد نظام الأسد تعذيبًا أو قصفًا أو تصفية، وبشكل أقل بفعل بعض الفصائل الأخرى المتقاتلة في سوريا، ولا سيما جيش الإسلام وجبهة النصرة.
كما وثّقت المجموعة اعتقال 1797 من الفلسطينيين، و333 شخصًا في عداد المفقودين.
برغم أهميّة هذه الأرقام ومصداقيتها، يقول بلشة يقول إنّ الأعداد أكبر من ذلك بكثير، ليس بسبب أخطاء في التوثيق، بل "لأنّ الفلسطينيين موزّعون في كلّ مناطق سوريا، وهناك نوع من عدم التواصل، لذلك في حال توثيق شخص ما، لا يتم ذكر كون هذا الشخص فلسطينياً أو سورياً، وبالتالي لا يتم توثيق اعتقال الفلسطينيين السوريين بشكل كامل لعدم وجود مركزيّة في التواصل والتسجيل".
يذكر سريّة أنّهم لم يلاحظوا أيّ اختلاف في المعاملة بين الفلسطينيين والسوريين في السجون والفروع الأمنيّة السوريّة، "بل إنّ المعاملة كانت في بعض الأحيان أسوأ والتعذيب أشدّ".
ويضيف الناشط الحقوقي دياب سريّة، في هذا السياق، أنه ليس هناك اختلاف أو تهميش للفلسطينيين السوريين دون غيرهم في مجال توثيق الانتهاكات الحاصلة بحقهم، "حيث يتم التعامل معهم مثل السوريين، ولكن من حيث التغطية الإعلاميّة لم يأخذوا حقهم ولم يسلط الضوء بشكل كاف على الانتهاكات الواقعة بحقهم، وذلك لأنّ الغوص في تفاصيل الحرب السوريّة والدمار طغى على التفاصيل الأخرى".
ويتابع: "لدى رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا بند أساسي يخص الفلسطينيين، وهناك تركيز على الأوضاع والمعاملة التي تُماوس على الفلسطينيين".
ويذكر سريّة أنّهم لم يلاحظوا أيّ اختلاف في المعاملة بين الفلسطينيين والسوريين في السجون والفروع الأمنيّة السوريّة، "بل إنّ المعاملة كانت في بعض الأحيان أسوأ والتعذيب أشدّ".
ويقول إنّ "عدد الفلسطينيين الذين وصلوا إلى سجن صيدنايا قليل، وهذا مؤشر خطير، إذ يعني هذا أنّ كثيرًا منهم قضى في الفروع الأمنيّة قبل إحالتهم إلى صيدنايا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...