شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
عن مملكة الخوف سوريا

عن مملكة الخوف سوريا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 8 يونيو 202110:01 ص

أراد الروائي زارا صالح أن يقفز بنا من هول الحرب في سوريا، إلى سوريا ما قبل الحرب، وكيف كان كل شيء مُسيّراً وفق إيقاعات السلطة الحاكمة، والمجتمع الذي كان ممنوعاً عليه التفكير أو الحلم بما هو مختلف، وليذكّرنا ألا ننسى أن السوريين منذ عقود يعيشون في بلاد الخوف والمهانة، وأنهم مجردون من كافة حقوقهم الطبيعية.

رواية "الفرقة 17" التي صدرت عن دار موزاييك 2019، والتي يعكس عنوانها فيلماً بوليسياً ومغامرات لأرواح وأجساد لا تملك ذاتها، وإنما خُلقت لتكون مُدجّنة للأبد، كقطيع من الموتى يسير وراء الديكتاتور حتى قبره. ففي مشهد "موت الرئيس"، كان مفروضاً على جميع العسكر أن يحزنوا، يصمتوا ويصبحوا جزءاً من تراجيديا الموت، وأن يرفضوا فكرة أن الموت قد انتصر على القائد الأبدي!

الرواية هي مرآة لواقع يومي للمجتمع السوري الذي يعيش في سجن البعث والسلطة الحاكمة التي تقود البلاد منذ عقود بالحديد والنار وقبضة المخابرات. فتجتمع الحقيقة مع اللحظات المخيفة، القمعية، من خلال شخصية الطبيب جوان إبراهيم الكردي، الذي يقوم بأداء خدمته العسكرية الاجبارية في الفرقة 17، حيث يكون شريط الألم طويلاً ومفعما بالخوف والقهر والذل بلا حدود. ليظهر لنا معاناة الكرد في سوريا، حيث انعدام الخبز والهواء والفكرة.

رواية "الفرقة 17" التي صدرت عن دار موزاييك 2019، والتي يعكس عنوانها فيلماً بوليسياً ومغامرات لأرواح وأجساد لا تملك ذاتها، وإنما خُلقت لتكون مُدجّنة للأبد، كقطيع من الموتى يسير وراء الديكتاتور حتى قبره

رواية تتكلم بصوت عال، لتجمع بين تاريخ طويل من حكايات قهر الإنسان، وتجريده من إنسانيته وهويته وأحلامه، والتعامل معه كقطيع حيواني فُرض عليه أن يمارس الصمت دائماً، ليكون صلصالاً بين يدي الجلاّدين في جمهورية عدمية المواطن والوطن.

 المشاهد في الكتيبة العسكرية تسرد لغتها البسيطة، لتحكي لنا كيف يجري كل شيء كما هو مرسوم له أن يكون، فيصبح العسكر ظلالاً غير موثوق بها، وكأنهم أعداء الوطن، لا بل أعداء النظام الحاكم في الحياة والموت. ولتكبر الدائرة لتحتوي جميع السوريين. ولهذا في دستور بلاد الطغيان، على العسكر والمدنيين أن يكونوا جواسيس لبعضهم البعض، ويكتبوا التقارير عن أنفسهم لرجال المخابرات في كل مكان.

وهنا جسّد الروائي زارا تلك الحقيقة، حين وجد جوان نفسه مطلوباً من المخابرات في دمشق، ليعيش لحظات من الخوف والقلق من الضياع، فيصبح مشهد تحكّم سلطة المخابرات وأجهزة الأمن الكثيرة، كابوساً ثقيل الخطى في صباحات وليالي السوريين، والكرد منهم.

وما وراء سطور الرواية وتفاصيلها، سيكتشف القارئ الوجه الحقيقي لمعاناة المجتمع السوري منذ عقود طويلة. وما بين مجتمع العسكر وأسواره، هناك بقعة كبيرة من تفاصيل الحياة، وما يجري بشكل يومي. مشهد حقيقي، البطولة الأزلية فيه هي للجلاد، في سبيل أن يستمر الطاغية وأن يكون هو الوطن والشعب وحاكم فكرة الحياة والموت معاً.

شخصية جوان إبراهيم في الرواية هي رمز لتراجيديا من سُلخ عن هويته وتاريخه وأحلامه، ومهما فعل سيبقى خارج أسوار الوطن والوطنية الوهمية. السبب أن صناعة المواطن الصالح هي فقط من حق السلطة. وهنا تكون اللحظة التي تجّرد تفاصيل الرواية من حيثياتها، وتضعنا أمام حقيقة واحدة لا مفر منها، وهي أن نفق الظلم والظلام طويل، بلا نهايات لا نستطيع أن نختارها.

رواية "الفرقة 17" موجّهة للقراء الذين لا يعرفون ما يجري خلف الأبواب داخل سوريا، وهي دعوة للجميع أنّ سوريا في زمن الحرب هي نفسها سوريا فيما قبل الحرب

وهنا دائماً يحاول الروائي إنقاذ بطله جوان من دوامات الحزن، وسلاسل القهر والخوف، ليدفعه بالهروب نحو البحث عن الخلاص الجزئي، أو بعض الأمل، وذلك من خلال العائلة. العائلة هنا تحمل في طياتها الحرية، السلام، الوطن المسروق، الهوية الجريحة، وأمل بأجنحة كبيرة.

رواية "الفرقة 17" هي سرد للتاريخ، وعزف منفرد على ايقاعات مجتمع يعيش الألم الإنساني بصمت، ويكتب على زجاج نوافذ البيوت حكايات السوريين الذين ما زالوا ضائعين في سراديب الحرب والحرية وفكرة الوطن والصراع بين الأرواح والأجساد في سجون سوريا الحزينة.

سجون تتكاثر منذ سنوات من رحم الجلاد، وفي لحظات اللاشعور، يضع كل فرد نفسه في سجونه، كعقاب لذاته خوفاً من الحقيقة، الحقيقة عن الهوية وقضية ما وراء الشمس، حين تفكر أن تكون إنساناً في جمهورية الخوف والمهانة.

الرواية موجّهة للقراء الذين لا يعرفون ما يجري خلف الأبواب داخل سوريا، وهي دعوة للجميع أنّ سوريا في زمن الحرب هي نفسها سوريا فيما قبل الحرب. ولهذا هي نافذة لكل شخص أن يتعمّق في تاريخ الألم للسوريين، وله فضاء شاسع أن يستكشف تلك اللحظات القاسية، الدامية، المستمرة، لوجع كل سوري كُتب عليه أن يكون حطباً في مواقد الألم، ليستمتع كل ظالم، ومن موقعه ومكانه، بنشيد الموت السرمدي السوري ، وبكل لغات وأبجديات جغرافيا الوطن الممزق.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image