شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
تحلم بأن تصبح كاتبة وتبحث عن مُموّل لتصاميمها... أول عارضة أزياء لقصيرات القامة في مصر

تحلم بأن تصبح كاتبة وتبحث عن مُموّل لتصاميمها... أول عارضة أزياء لقصيرات القامة في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 8 أكتوبر 202010:23 ص

لا أحد منا يختار قدره، ولكنك تستطيع بإرادتك أن تحول هذا القدر إلى نموذج ملهم، وهو ما قامت به نسمة يحيى ذات العشرين عاماً، التي تُعتبر أول عارضة أزياء لقصيرات القامة في مصر.

نسمة قررت أن تتصدى لاضطهاد المجتمع ونظرته السلبية إزاء كل ما يخالف معايير الجمال السائدة، وتضع بصمة خاصة لها في مجال تحبه، حتى تم اختيارها مؤخراً كواحدة من أكثر 50 شخصية مؤثرة في مصر، وهي تستعد حالياً لتنفيذ ثاني مجموعة من الأزياء المخصصة لقصيرات القامة.

عندما تنظر إليها ستحب ملامحها البريئة والناعمة وضحكتها الأشبه بضحكات الأطفال، وستجد نفسك تتساءل: ما الذي ينقصها لتكون فتاة عادية بنظر المجتمع؟

البداية

في مركز منية النصر في محافظة المنصورة، نشأت نسمة وتميزت بقصر القامة بخلاف والديها وكل أسرتها الذين كانوا يتمتعون بطول طبيعي، ورغم ذلك لم تتعامل الأسرة مع نسمة على أنها فرد غريب يجب إخفاؤه، فأدخلوها مدارس عادية وعززوا لديها ثقتها بنفسها.

بدأت نسمة تصطدم بالمجتمع بعد أن بلغت سن الوعي، حيث تكررت عبارات السخرية من قصر قامتها، وتعرضت للتنمر من المحيطين بها حتى من بعض أفراد عائلتها الذين كانوا يسألون باستمرار عن سر قصر قامتها، معتبرين إياه شكلاً شاذاً.

دخلت نسمة في دوامة من التناقض غير المحتمل، ففي المنزل تجد الجميع يتعامل معها بصورة طبيعية، ثم تخرج للشارع فتسمع عبارات التنمر والسخرية، حتى أن البعض كان يرشقها بالحجارة ويرش عليها المياه.

أثناء زيارتها لرأس البر، قررت أن تكسر حاجز الخوف الذي يمنعها من التقاط الصور، فكان مشهداً عرفت فيه معنى التنمر الحقيقي بعدما بدت الدهشة على وجوه المحيطين بها... من هناك بدأ مشوار نسمة لتكون أول عارضة أزياء لقصيرات القامة وبعدها مصممة لملابسهن

قررت والدة نسمة ألا تتركها وحيدة وأن ترافقها إلى المدرسة، وظل الوضع كذلك لسنوات طويلة، لكن ذلك لم يمنع التنمر الذي كانت تتعرض له بين جدران المدرسة، وحتى عندما تكون محاطة بحماية والدتها.

كانت تندهش طوال الوقت من قدرة البعض الفائقة على الإيذاء، حتى أنها سمعت مرة إحدى الأمهات التي كانت تحمل ابنها الباكي أثناء مرورها من الشارع تهدئ طفلها بالقول: "بص شوف البنت شكلها عامل إزاي (انظر إلى شكل هذه الفتاة)".

شعرت نسمة أن شكلها أصبح نكتة لإضحاك الأطفال، وكانت حتى ذلك الوقت لا تجد حلاً سوى البكاء والتضرع إلى الله لخلاصها. وبمرور الوقت كرهت نسمة شكلها، فلم تكن تحب أن تقف أمام المرآة، وكانت ترفض التقاط الصور، وأصبحت مهددة في أكثر من مرة بالإصابة بانهيار عصبي، بينما تحولت لياليها إلى سلسلة من البكاء المتواصل.

خطوة نحو الحلم

التحقت نسمة بكلية التربية النوعية في قسم الإعلام. دفعها لذلك حبها للكتابة، وأمنيتها في أن تجد داخل الكلية خلاصها وأن تعيش في مجتمع أكبر من المدرسة يتسع لها ويتقبل تميزها.

رغم أن الوضع في الكلية لم يختلف كثيراً، إلا أنها وجدت التفهم من بعض الأصدقاء هناك، والتحقت بالمسرح الجامعي، وبدأت تُعبّر عن وجهات نظرها بطريقة أكثر جرأة.

عندما كانت في عامها الجامعي الأول وأثناء زيارة لها لرأس البر، قررت أن تلتقط صورة لها هناك، وتكسر حاجز الخوف الذي يمنعها من التقاط الصور.

تحكي نسمة عن الموقف وتقول إن المكان الذي قررت أن تلتقط فيه الصورة كان مزدحماً بالناس، وفجأة رأت الموجودين هناك يقومون بتصويرها. كان مشهداً عرفت فيه معنى التنمر الحقيقي، إذ بدت الدهشة على وجوه المحيطين بها جراء إقبالها على تصوير نفسها بينما هي قصيرة جداً.

قررت نسمة أن تنشر صورتها على مواقع التواصل، فتلقى كثر الصورة بترحاب شديد، وطالبوها بنشر صور أخرى لها، ما دفعها لإنشاء صفحة خاصة بها على فيسبوك، وأصبح لديها لاحقاً عدد كبير من المتابعين. بعد ذلك، خضعت لجلسة تصوير خاصة بمساعدة عدد من المصورين، ونشرت الصور على حسابها الخاص، فحازت على إعجاب عدد كبير من متابعيها.

فكرت نسمة أن تكون أول عارضة أزياء لقصيرات القامة، وخاصة أنها كانت تعاني لسنوات من اختيار ملابس خاصة بها، وكانت هناك خياطة في بلدتها تحيك لها ملابسها لأنها لم تكن تجد مقاسها في محال للألبسة الجاهزة.

دخلت نسمة تلك المحال أكثر من مرة، لكنها لم تجد يوماً ما يتناسب مع طولها، وكانت تضطر أن تنتظر لفترة حتى تشتري القماش، وتنتهي الخياطة من عملها حتى تحصل على الزي الذي تحتاجه، والذي لا تكون راضية عنه في أحيان كثيرة لكنها تضطر للقبول به. 

عندما تحدثت نسمة مع بعض قريناتها من قصيرات القامة أيدن الفكرة، وأكدن لها أن هذا حلم كبير، وأن تحقيقه إنجاز حقيقي لهن.

هكذا بدأت نسمة تحطم جدار الخوف، فاشترت ما يلزمها لتصميم ملابس، وأنفقت الكثير من النقود على المشروع بدعم كبير من والديها، رغم أن والدتها كانت تخشى عليها من زيادة اضطهاد المجتمع لها، لكنها لم تستسلم، وكانت أغلب تصميماتها كلاسيكية فلم تكن تهتم بالموضة بقدر اهتمامها بما يتناسب معها ومع قصر قامتها.

كان الإعجاب يتزايد بتصميمات نسمة، وتلقت المديح من قبل بعض خبراء الموضة، خاصة أنها عادت بالتصميمات للستينيات والخمسينيات، فأطلق البعض على تصميماتها "تصميم هوانم".

مع الوقت، وسّعت نسمة حلمها، وبدلاً من أن تكتفي بكونها عارضة أزياء لقصيرات القامة، قررت أن تكون هناك تصاميم خاصة بهن، وبالفعل بدأت مشروعها، بينما كان للصحافة دور كبير في الحديث عن إطلاق مجموعتها حتى تم اختيارها مؤخراً كواحدة من أكثر 50 شخصية مؤثرة في مصر

لم يخلُ الأمر بطبيعة الحال من بعض المتنمرين على مواقع التواصل الذين سخروا من قصر قامتها، وسط أسئلة كانت تصلها عن سبب ظهورها بهذا الشكل، بينما لا تتمتع بأي جمال. تقول نسمة إن هذه العبارات كان من الممكن أن تدفعها للخلف، لكنها كانت قد وجدت طريقها بالفعل.

خط أزياء لقصيرات القامة

مع الوقت، وسّعت نسمة حلمها، وبدلاً من أن تكتفي بكونها عارضة أزياء لقصيرات القامة، قررت أن يكون هناك تصاميم خاصة بهم، وبالفعل بدأت في مشروعها بعدما حصلت على مقاسات لعدد من صديقاتها أردن مساعدتها على تصميم ملابسهن.

حاولت نسمة أن تصمم ملابس تليق بهن، وأن تُظهر الجانب الجميل من كل واحدة، وكان للصحافة دور كبير في الحديث عن إطلاق المجموعة وبات يُشار إلى نسمة كامرأة ناجحة.

رغم تحقيق الحلم لم تجد نسمة ما تتمناه، كانت ترجو أن تجد راعياً لمشروعها وفكرتها، لكنها حتى هذه اللحظة لم تجد مموّل يتحمس لفكرتها ويعمل من أجلها.

لا يزال التنمر مستمراً

أصبحت نسمة اليوم أكثر جرأة على تحدي الصعاب، تقدم عدداً من المحاضرات للتحدث عن قصار القامة، وتحول تواجدها على الشاشة للتحدث عن فكرتها إلى أمر طبيعي، لكنها لا تزال تتعرض للتنمر.

تتمنى نسمة أن يأتي اليوم الذي لا تسمع عبارات من قبيل "هي مامتك وباباكي قصيرين كده؟"، "هتتجوزي إزاي، إنتي مولودة كده عادي؟"، إلى جانب أن البعض يتعمد الاصطدام بها أثناء تواجدها في الشارع وكأنه لا يراها.

تحلم نسمة بالزواج وتكوين أسرة، ولا تركز إن كان الرجل الذي تحب الارتباط به من قصار القامة أم شخص طبيعي، لكنها تتمنى أن تجد شخصاً مفيداً للمجتمع ولا يعرقل خطواتها نحو الطموح الذي تريد تحقيقه.

بموازاة ذلك، تواجه نسمة صعوبات حياتية كتلك المتعلقة بعبور رصيف الشارع لأنه مرتفع عليها، كما لا تستطيع ركوب المواصلات العامة لأن الصعود إليها يُعد أمراً صعباً، وعندما تزور أي مؤسسة حكومية وتقف أمام الشباك لا يراها أحد.

تحتار نسمة في أمر البشر ولا تعرف ما السعادة التي يحصل البعض عليها من إيذاء الغير وتوجيه كلمات لاذعة له تسبب التوتر والألم، بينما يستطيع ببساطة أن يمنحه البسمة ويكون داعماً له.

وكما لم يمنعها التنمر سابقاً من المضي قدماً لتحقيق أحلامها، فهو لا يمنعها اليوم من أن تحلم بالمزيد، فنسمة تريد أن تصبح كذلك كاتبة، وأن تحصل على الدكتوراه وتعلّم في كليتها.

تتمنى نسمة أيضاً أن تفتتح مشغلاً عالمياً لتصميم ملابس لقصيرات القامة، وأن يكون لها في المستقبل برنامج تلفزيوني تتحدث فيه عن الأشخاص المميزين وتعرض فيه نماذج لأشخاص تحدوا الصعوبات ونجحوا في مجالات مختلفة.

والأهم من كل ذلك تتمنى نسمة أن تجد راعياً لمشروعها، يتبنى فكرة خط الأزياء الخاص بقصيرات القامة، خاصة أن مقاساتهن مختلفة، ومن الصعب أن يتم وضع مقاسات عشوائية تليق بطول كل واحدة منهن.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard