بمباركة "آلهة الجبال"، وحضور الكاهن "لاما"، بدأت تيما رحلة الصعود من مخيم قاعدة جبل إفرست نحو القمة، التي تعدّ الأعلى في العالم، وتقدر ارتفاعها بـ 8,848 متراً فوق سطح البحر، لتسجل نفسها كأول سيدة لبنانية تتسلق قمة إفرست في 22 يوليو 2019.
تقول تيما دريان (26 عاماً) إن أداء طقوس البوجا Puja ceremony مهم لشعب الشيربا، سكان هذه الجبال، وأنها تُشعر المتسلقين بطاقة حميمية دافئة.
أثناء هذا الطقس الروحاني يُقدَّم الأرز والدقيق كقرابين لآلهة الجبال، وتُتلى الصلوات على أدوات التسلق لمباركتها، وتهدئة الآلهة لتسمح للمتسلقين بالمرور آمنين.
لازالت تيما تحتفظ حول رقبتها بقلادة نهاية طقس البوجا، لتذكرها برحلتها الرائعة إلى قمة إفرست في مايو الماضي.
"سأصل للقمة يوماً"
وتُعدّ هواية التسلق أمراً غير شائع في الوطن العربي عموماً، خصوصاً بين السيدات، نظراً لصعوبة ممارستها من جانب، والقيود الاجتماعية على المرأة العربية من جانب آخر.
جالت الفكرة في خاطر تيما منذ صغرها أثناء رحلاتها إلى نيبال، إذ شدّها منظر جبال الهملايا العظيمة، وحدَّثت نفسها قائلة: "يوماً ما سأصل إلى القمّة". لكن الفكرة ظلت حبيسة وجدانها حتى بلغت الثانية والعشرين، حينئذ بدأت بالتخطيط الفعلي لرحلتها الشاقّة والمثيرة.
وتحكي تيما عن بدايات بزوغ الفكرة في عقلها، لرصيف22: "قبل أربع سنوات كنا مستضافين في وكالة رويترز، motivation speaker، وتحدث المحاضر وقتها عن رحلته إلى إفرست"، حينها استيقظ حلم الطفولة النائم في صدرها، وبدأت البحث عما يلزمها لقهر القمة العظيمة.
وتضيف تيما : "التسلق يحتاج تعلماً وخبرات، فبدأت بتسلّق نحو 18 جبلاً قبل الإقدام على خطوة تسلق إفرست لأعرف كيف ممكن أتصرف على الجبل، وقدرة جسمي على تحمل الضغط، وقلة الاوكسجين".
"حين تسلَّقتُ قمَّة دينالي في ألاسكا سخر الجميع مني لأني سيدة وعربية وجاية من الصحراء (تعيش في الإمارات) فوصلت القمة قبلهم وأثبت خطأ نظرتهم لي"
"النساء بشكل عام لديهن موهبة وطاقة داخلية، ولكن كامرأة عربية يصعب أن تضعها في المجتمع الشرقي، لأنه كثير ناس تحاول تحجيمها والتقليل من شأنها وتقييدها بالعيب"
بعد شهرين من التسلّق تمكَّنت تيما من الوصول أخيراً إلى القمّة الأعلى في العالم، حيث لا شيء على مدّ البصر سوى السماء التي تُظلِّل رأسك، والجبال تحت قدميك. وتقول: "غمرني على القمة إحساس كتير حلو، بعد شهور من التسلق الحافل بالصعوبات، لكن أول ما تطئين القمة لا تفكرين كثيراً، تنظرين حولك لا شيء هناك غير السماء بجانبك والجبال كلها تحتك".
وتشير تيما أنها تعرّضت لانتقادات كثيرة كونها امرأة تتسلق الجبال ومحاولات لثنيها عن خططها وأحلامها، وتقول مستذكرة: "حين تسلقت قمة دينالي في ألاسكا سخر الجميع مني لأني سيدة وعربية وجاية من الصحراء (تعيش في الإمارات) فوصلت القمة قبلهم وأثبت خطأ نظرتهم لي ".
وتؤكد تيما، والتي كانت أيضاً أول عربية تصل إلى أعلى بركان نشط في العالم (أوخوس ديل سالادو)، أن "النساء بشكل عام لديهن موهبة وطاقة داخلية، ولكن كامرأة عربية يصعب أن تضعها في المجتمع الشرقي، لأنه كثير ناس تحاول تحجيمها والتقليل من شأنها وتقييدها بالعيب".
"ألف شمس تشرق"
لا يكفي تجاوز الحدود الجغرافية لبلادك، لتكتشف أنك لم تكن حراً، كما يذهب للقول، المعلم الهندي الكبير أوشو. إنما على الإنسان أحياناً أن يتجاوز الحدود النفسية والقيود الاجتماعية العصية على الكسر، والتي ربما أقسى من قطع آلاف الأميال، كما تقول هاوية التسلق الفلسطينية ورود شرباتي (25 عاماً).
صعوداً من وديان فلسطين الخفيضة وسفوحها إلى مخيم قاعدة إفرست، والتي ترتفع ما يزيد عن 5300 متراً عن سطح البحر، خاضت ورود تجربتها الفريدة في استكشاف الذات، وتحدي القيود التي تعيق تقدمها.
وتقول ورود لرصيف22: "فكرة إفرست كانت حلمي منذ كنت في الخامسة، لكن الرحلة كانت وليدة الصدفة، يومها عرض عليّ الرحالة الفلسطيني علاء الجنيدي مشاركته الرحلة ضمن برنامج يعمل عليه، يهدف لرفع الوعي بالسفر ونشر ثقافة الترحال".
يستغرق الوصول إلى قاعدة قمة إفرست أسبوعين من التسلق، على درجات حرارة منخفضة ونقص الأوكسجين، لكن ذلك لا يضاهي لحظة رؤية شروق الشمس من هناك، بحسب ورود.
"ألف شمس رائعة تشرق من وراء الجبال".
"ألف شمس رائعة تشرق من وراء الجبال" هكذا يمكن وصف مشاهدة شروق الشمس من أعلى قمة في العالم، ولادة النهار تستحق المجازفة والإرهاق، تقول ورود.
وتضيف ورود: "لما وصلت قاعدة قمة إفرست كنا متعبين لكن الوصول إلى هناك يستحق هذا التعب، غمرتني السعادة والفخر بتحقيق حلمي، وتحدٍ بالنسبة لي ورفع العلم الفلسطيني في هذا الموقع".
تقول إنه في تسلقها لقاعدة قمة إفرست أثبتت أنه باستطاعة الفلسطيني الذي يواجه معوقات في حياته اليومية، تحقيق إنجازه الخاص، مضيفةً أن على الانسان أن يتحدى ذاته وألا يبقى حبيس نفسه والحدود النفسية والجسدية، والتحرر من الإطار الذي وضعه لنفسه.
"لكن كبنت في محافظة الخليل، واجهت انتقادات وكذاك لأني أقوم بشيء جديد في بيئتي"، تقول ورود، ولكنها متفائلة بأن وعي الناس تجاه رياضة التسلق قد تقلل هذه الانتقادات في المستقبل.
التوحد مع الأرض
بدأت الإماراتية خديجة التركي (43 عاماً) ممارسة هواية التسلق قبل أعوام، بعد مشاركتها في تجربة مشي طويل لأكثر من 100 كيلومتر في إسبانيا.
هذه التجربة حملتها لتحقيق إنجاز أكبر وقهر أعلى القمم في العالم، فكانت قمة جبال كلمنجارو في تنزانيا، وهي أعلى قمة في قارة إفريقيا، ثم قمة إفرست.
وتقول خديجة: "جاء فكرة تسلق إفرست في إبريل 2018، كنت مشاركة في رحلة لمجموعة من السيدات من دول مجلس التعاون الخليجي إلى مخيم قاعدة إفرست. بعد ذلك واصلت الصعود إلى ارتفاع 8 آلاف وهو أقل قليلًا من ارتفاع أعلى قمة".
رحلة خديجة علّمتها التواصل مع الذات، وكشفت لها مدى ارتباط الانسان بالطبيعة الأم.
وحول ما تعلمته خديجة من تجربتها الجديدة، تقول: إن رحلتها الشاقة علمتها التواصل مع الذات، وكشفت لها مدى ارتباط الانسان بالطبيعة الأم، وأن الكون كله متحد بصورة أو أخرى.
لكن صورة جثث المتسلقين الذين قضوا في رحلتهم إلى الأعلى كانت هي الأقسى عليها خلال الرحلة، إذ عليها أن تتجاوز بعض الأجساد المغمورة بالثلج وتواصل المسير.
ويلقى عدد كبير من متسلقي إفرست حتفهم، بسبب درجات الحرارة المنخفضة ونقص الأوكسيجين، وإمكانية التعرّض لانزلاقات وانهيارات ثلجية، ما قد يجعل من هذه القمة إحدى أخطر الأماكن في العالم.
لكن ذلك لم يثن التركي عن التخطيط لرحلتها التالية بالوصول إلى أعلى القمة، وتشير إلى أنها بدأت بالفعل في تدريبات الركض والتسلق استعداداً للانطلاق في المغامرة التالية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...