تندرج هذه المقالة ضمن مشروع "رصيف بالألوان"، وهي مساحة مخصّصة لناشطين وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمين لهم/نّ، للتحدّث بحرية ودون أي قيود عن مختلف التوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، للمساهمة في نشر الوعي العلمي والثقافي بقضايا النوع الاجتماعي، بمقاربات مبتكرة وشاملة في آن معاً.
في العالم العربي غالباً ما تدفع الوصمة المجتمعية، صنّاع الأفلام العرب النسويين والكويريين/ات إلى عرض أعمالهم/نّ في الخارج، لا داخل أوطانهم/نّ.
وعندما يتم التطرّق لقضايا الجسد والجندر والجنسانية، تقع في الغالب هذه الصور في فخّ النظرة الأحادية الخالية من الموضوعية، ونادراً ما يتمكن أفراد المجتمع الكويري من تصوير حياتهم/نّ وتجاربهم/نّ الحياتية خارج الصورة النمطية المفروضة عليهم/نّ.
وبالرغم من هذا المشهد السوداوي وبعض الأنظمة القمعية التي تحرّم الحديث بحرية عن قضايا الجندر والجنسانية، قامت منصّة "أفلامنا" التابعة لبيروت دي سي، بالتعاون مع "سينما الفؤاد"، بتخصيص شهر حزيران/يونيو الحالي، لمجموعة أفلام جريئة بعنوان "أين سيذهب جسدي إن لم يرتق للأعلى؟"، تركّز فيها على الجسد كمنطلق لسرد القصص النسوية والكويرية، وتحرّره من النظرة النمطية الأبوية.
سينما الفؤاد والهوية الجنسية
"سينما الفؤاد" هو اسم الفيلم الأول الكويري الذي قدّم موضوع الهوية الجنسية في السينما اللبنانية للمخرج محمد سويد، ومن هنا جاءت تسمية المهرجان السينمائي السنوي المختصّ بالإضاءة على مختلف القضايا المتعلّقة بالجنسانية والجندر والحرية والحب.
في مقابلة مع رصيف22، قال منسّق "سينما الفؤاد"، ستيفانو، إنّ فكرة هذا المهرجان السينمائي بدأت بالتبلور عام 2017، يوم منعت الرقابة اللبنانية عرض خمسة أفلام تتناول القضايا الجنسانية والجندرية، لتكون انطلاقة مهرجان "سينما الفؤاد" السينمائي الفعلية عام 2019، حيث عُرضت من خلاله مجموعة من الأفلام في المركز الثقافي الفرنسي في بيروت.
عندما يتم التطرّق إلى قضايا الجسد والجندر والجنسانية، تقع في الغالب هذه الصور في فخ النظرة الأحادية الخالية من الموضوعية، ونادراً ما يتمكن أفراد المجتمع الكويري من تصوير حياتهم/نّ وتجاربهم/نّ الحياتية خارج الصورة النمطية المفروضة عليهم/نّ
ومنذ أواخر العام 2020، يعمل القيّمون على "سينما الفؤاد" على مساعدة المخرجين/ات في تمويل أفلامهم/نّ، بالإضافة لإتاحة الفرصة لهم/نّ لعرضها، لأنّ عامل التمويل عائق أساسيّ من ضمن عوائق عدّة تواجه صنّاع هذا النوع من الأفلام.
ولهذا الغرض، ينوي القيّمون إطلاق صندوق في نهاية شهر حزيران/يونيو الحالي، لدعم السينما العربية التي تعنى بموضوع الجنسانية والجندر والحب والهوية.
وعن أصداء المهرجان وتفاعل الجمهور مع الأفلام المختارة، قال ستيفانو: "الأصداء إيجابية جداً. لمسنا تفاعلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعيّ مع الأفلام التي عُرضت وما زالت تُعرض من خلال منصّة أفلامنا"، وختم بالقول: "ندعو الجميع لمشاهدة الأفلام والتفاعل معها لأنها أفلام قيّمة بالفعل".
الإضاءة على قضايا الجندر والجنسانية
تتناول أفلام شهر حزيران/يونيو مفهوم التحرّر الذي اختبرته النساء وأفراد مجتمع الكوير، وتسردها من منظور أنثويّ وكويريّ بحت، يتساءل ويبحث ويدين ويتألم ويشير بأصابع الاتهام.
يسعى برنامج الأفلام السينمائيّة هذا لطرح التساؤلات حول الروابط التي تجمع بين صناعة الأفلام الكويرية والأفلام النسوية في المنطقة.
فالملاحظ من مجموعة الأفلام المعروضة أنّ النظرة النسوية التي ظهرت في الأفلام المختارة ركّزت بشكل أساسيّ على قضايا الجندر والجنس والجنسانية، في حين أنّ النظرة الكويرية ساهمت بطريقتها الخاصة في زعزعة التراتبية الهرميّة والتصدي للنظام الأبوي المجحف.
تلجأ النظرة الأنثوية والكويرية المتجسدة في مجموعة أفلام "أين سيذهب جسدي إن لم يرتق للأعلى؟"، والتي غالباً ما توصف بـ "النظرة الأخرى" بخلاف النظرة الذكورية السائدة، لسرد قصص النساء وقصص أفراد المجتمع الكويري بطريقة تجعلهم/نّ الشخصيّات الرئيسيّة لأفلامهم/نّ، وتعطيهم/نّ "الميكروفون" للتحدّث عن العالم من منظورهم/نّ الخاص وعن الألم الذي يعصر قلوبهم/نّ، فنسمع هذه المرة قصصاً منهم/نّ لا عنهم/نّ، ونرى مشاهد تصوّر جحيمهم/نّ ومعاناتهم/نّ الشخصية.
نبذة عن الأفلام المختارة
يمثّل كلّ فيلم من الأفلام المُختارة، رمزاً لمقاومة النظرة الغيريّة الأبويّة غير المتجانسة، عبر التركيز على صوت وجسد النساء والكوير في صناعة الأفلام، وذلك بواسطة أفلام السير الذاتية وفنّ سرد القصص من خلال الشخصيات والأطر والسينمائية.
تلجأ النظرة الأنثوية والكويرية المتجسدة في مجموعة أفلام "أين سيذهب جسدي إن لم يرتق للأعلى؟"، إلى سرد قصص النساء وقصص أفراد المجتمع الكويري بطريقة تجعلهم/نّ الشخصيّات الرئيسيّة لأفلامهم/نّ، وتعطيهم/نّ "الميكروفون" للتحدث عن العالم من منظورهم/نّ الخاص، فنسمع قصصاً منهم/نّ لا عنهم/نّ
فيما يلي نبذة عن الأفلام التي تعرضها منصّة "أفلامنا" مجّاناً خلال شهر حزيران/يونيو الحالي، ضمن برنامج "أين سيذهب جسدي إن لم يرتق للأعلى؟".
صمت القصور - مفيدة التلاتلي (1994)
عندما سُئلت مفيدة التلاتلي عن أهمية نضال المرأة كأداة متقاطعة مع التحرير، في عدد آذار/مارس 1995 من مجلّة "البصر والصوت"، أجابت: "كان بمثابة اختبار إيديولوجي حقيقيّ للمجتمع العربي، إذا استطاع المرء مناقشة تحرير المرأة، فيمكنه إذن أن يناقش الحريّات الأخرى.
على الأرجح لم يكن هناك مساحة شاسعة من حريّة التعبير، ولم يتمكّن المجتمع من التحدث بحريّة عن المشاكل السياسية، ولكن مسألة المرأة كان مازال بالإمكان مناقشتها.
يبدأ الفيلم الروائي الطويل الأوّل للمخرجة التونسيّة بمشهد لوجه "عليا" وهي تغنّي. يخلق هذا المشهد أوّل اتصال بين الشابة والمشاهد. ذكريات الطفولة في قصر البكوات - الحكام الملكيين في ظلّ الاحتلال الفرنسي في تونس – مرحّب بها دائماً كجزء لا يتجزأ من كيانها وتجاربها. نرى عليا وهي تكتشف نفسها، مهاراتها الموسيقية وحياتها الجنسية، بعكس والدتها التي كانت تعمل في القصر، ويستدعيها ربّ الأسرة لتقدّم له خدمات جنسيّة.
جسد عليا وصوتها يشكلان ساحة التمكين، وعندما كانت تنظر إلى نفسها في المرآة، كانت عليا تحدّق بجسدها وترفض التعريف الاجتماعي والجنساني له. فالمرآة هنا هي رمز مذهل لمعرفة الذات وتحقيقها.
يطرح الفيلم موضوع الحاجة للتحرّر الجنسي المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصراع الطبقي وإنهاء الاستعمار، بخاصة عندما يتم سرد نضالات النساء المهمّة، وتناول قضايا شائكة، مثل إمكانية الإجهاض الآمن أو الاستغلال الجنسي.
آخر جنات - سيدو لنصاري (2019)
"آخر جنات" أوّل فيلم قصير لسيدو لنصاري، وهو سيرة ذاتية خياليّة، تمّ سردها بشكل أساسي بصوت بطل الرواية سامي، بدءاً من طفولته في الدار البيضاء وصولاً إلى منفاه في باريس في أوائل السبعينيات، حيث يكتشف أنه وريث "آخر جنّة للمثليين".
يتمّ وصف شخصيّة سامي بحميميّتها من خلال أرشيفات وصور فوتوغرافية تناظرية جميلة.
يستخدم "آخر جنات" الذاكرة لتحرير شخصية سامي ومعه جميع الرجال في كازابلانكا، الذين يكتشفون حياة جنسية جديدة مُختلفة تماماً عن الغيرية الجنسية.
بين كشف الساقين على الشاشة، وتجربة الجوارب الضيقة والفساتين المختلفة، ينتابنا شعور بالأمل والمرارة، ولا يسعنا إلا أن نتوق إلى وضع لا يكون فيه سامي وأمثاله مرغمين على المعاناة من التسليع الذي يتصارعون معه في المنفى.
أنوثة ساكنة - كورين شاوي (2013)
يجمع الفيلم الوثائقي الطويل الأول لكورين شاوي بين الحب والعزلة. فهي تلاحق صديقتيها وتطرح الأسئلة حول علاقاتهما وتسجّل ردود أفعالهما.
إن صمت وصوت كلّ من نانو ورجوى أشبه بثغرات وثنايا، تركّز عليها المخرجة اللبنانية للشعور والاستكشاف والمراقبة، فيما تمنحهما دائماً مساحة للتعبير عن شكوكهما ومعتقداتهما. عندما تتحدّثان، تركّز الكاميرا على لغة جسديهما، والتعابير الظاهرة على وجهيهما والسجائر التي تلتفّ وتتراقص بين أيديهما وتلامس ثغريهما.
عندما تُمنح النساء مساحة لمشاركة أفكارهنّ الحميمة، يُصبح من الممكن التقرّب أكثر من نضالهنّ وعزلتهنّ.
في الواقع، لا تُعبّر المحادثات صراحةً عن معارك جنسانية أو جنسية أو عرقية، ولكن تنجح كورين شاوي بشكل جوهريّ وفرديّ في تجسيد نظرة بعيدة كلّ البعد عن أي توقعات غيريّة أبويّة: إنها مع صديقتيها، عالقة بشكل جميل في وسط الزمن، وتوثّق بشكل حميم شهادات نادرة عن الحب والحياة والحميمية واللهو الجميل.
صفاء الكبيرة - راندا معروفي (2014)
يعبّر الفيلم القصير "صفاء الكبيرة"، للفنانة البصرية والمخرجة راندا معروفي، بدقّة عن غموض أجساد الأشخاص الكوير في الأماكن العامة والحميمة. صفاء الكبيرة هو اسم امرأة عابرة قضت جزءاً من حياتها في العمل كخادمة.
تطرح معروفي الأسئلة على عائلتها حول صفاء الكبيرة: هل كانوا يعلمون؟ ماذا كان ردّ فعلهم؟ كيف كانت تُعامل؟ ماذا حدث لها؟
من خلال استخدام تسجيلات لأفراد عائلتها والمشاهد الخيالية الدقيقة مع صفاء الكبيرة (التي يؤدي دورها أربعة أشخاص مختلفين)، يطرح الفيلم تساؤلات عن أجزاء من الذكريات المتبقية لهذه الشخصية المراوغة، ويركز على تناقض جميل في صميم سرد القصّة. إنّه الجسد الخيالي للشخص المقموع الذي نراه وأصوات العالم الخارجي التي نسمعها، فتشكل الجمل التي تهمسها راندا معروفي رابطاً بينها جميعاً.
في منزل والدي - فاطمة جبلي الوزاني (1997)
غادرت فاطمة جبلي الوزاني إلى هولندا عندما كانت فتاة صغيرة، تفادياً للوقوع في نفس مصير والدتها وجدتها، بحيث تم إرغامهما على الزواج بالإكراه.
بعد ستة عشر عاماً، عادت فاطمة إلى قريتها في المغرب، وطرحت تساؤلات عن الحياة التي تركتها وراءها، مع التأكيد على أنها لم تندم على اختيارها.
يستخدم هذا الفيلم الوثائقي الشخصي لقطات درامية تصوّر الشابة فاطمة جبلي الوزاني ويكون جسد المرأة محور التصوير طوال الفيلم.
تكتشف الفتاة الصغيرة الخيالية الأنوثة مع صديقتها، وهي تركض في أرجاء المدينة القديمة، بمزيج من البراءة والتخوّف من الأشخاص التي يتعيّن عليها الهروب منهم.
يجد هذا الفيلم الوثائقي الشاعري إيقاعه في صوت المخرجة، وهي تتحدث بندم عن علاقتها بوالدها الذي لم تكلّمه منذ مغادرتها البلاد.
وفي محادثة هاتفية مدمّرة معه، نرى المخرجة وهي تُعيد تأكيد طريقها نحو التحرّر وتتأمّل الثمن الذي كان عليها أن تدفعه، مقابل الحرية التي حصلت عليها.
أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها - هالة العبدالله (2006)
فيلم هالة العبدالله الوثائقي، هو دراسة شخصيّة عن بلدها الأم سوريا، التي نُفيت منها قبل 30 عاماً، فيصغي الفيلم لأصوات النساء ويدرس ملامح الخسارة والقدرة على الصمود.
النساء الثلاث اللواتي جرت مقابلتهنّ، قضين جميعاً بعض الوقت في سجن سوري وأرغمن فجأة على الفرار إلى فرنسا.
من خلال مكياجهنّ ودموعهنّ وسجائرهنّ، نتقرّب تدريجيّاً من ذكرياتهنّ في السجن وقوتهنّ التي لا يمكن إنكارها، وفيض الحياة الذي يتدفّق من خلال الدموع.
العسل والرماد - نادية فارس (1996)
العسل والرماد" عمل قيّم حول العنف الأبوي وعواقبه المختلفة على حياة ثلاث نساء تونسيات في التسعينيات.
الأجيال الثلاثة: ليلى (20 عاماً) وأمينة (30 عاماً) ونعيمة (45 عاماً)، تُجسّد انتقالاً من الطفولة إلى الأنوثة، تزيد من قسوته قسوة دوائرهنّ الاجتماعية الخاصة والعامة.
يعكس أوّلُ فيلم روائي طويل لنادية فارس الحياةَ الاجتماعية القمعية بطبيعتها في تونس عن كثب، حيث يظهر النظام الأبوي من خلال أجساد الرجال الذين يتحكمون بالنساء، يسيئون معاملتهنّ ويفرضون عليهنّ نظرتهم الضيقة ومساحتهم المحددة.
ذاكرة جسد - ملاك مروة (2018)
في فيلم "ذاكرة الجسد" تركز المخرجة اللبنانيّة ملاك مروة، من خلال مايا، على تجربة التشويه والهلوسة الممارسة بحقّ أجساد النساء، وكأن امتلاك طبيعة مغايرة للنظرة الذكورية هو بمثابة "مرض" يجب علاجه.
وجه مايا هو دائماً النقطة المحوريّة، حيث تتبدّل ملامحها للتعبير عن الحب والنشوة والألم والانزعاج. بالكاد تُقال بضع كلمات، كما لو أنّ الصور كانت كافية، وهي كذلك بالفعل: المشاهد المُذهلة التي تُظهر أجساد النساء متعانقة وعارية ومداعبة لبعضها البعض، تُعبّر أكثر من أي إدانة لفظية للنظرة الأبوية.
هذا المشروع بالتعاون مع المؤسسة العربية للحريات والمساواة AFE وبدعم من سفارة مملكة هولندا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون